ارشيف من : 2005-2008

عام على المجلس النيابي الجديد:أداء كارثي لفريق 14 شباط نسف المؤسسات والدستور

عام على المجلس النيابي الجديد:أداء كارثي لفريق 14 شباط نسف المؤسسات والدستور

مضى عام بالتمام والكمال على عمر المجلس النيابي الجديد الذي حمل متغيرات سياسية أساسية إلى داخل الندوة البرلمانية تختلف عن مجلس "الألفين" برغم أن القوى السياسية هي ـ بالإجمال ـ ذاتها، وما قامت به انها بدلت في تحالفاتها من "الشرق" إلى "الغرب"، وعلى هذا الأساس تشكلت أكثرية نتيجة الانتخابات النيابية التي جرت خلال شهري أيار/مايو وحزيران/ يونيو من العام الماضي على أسس سياسية جديدة، على أن وضع هذه الأكثرية بقي ملتبساً جراء الظروف التي أتت بها.‏

وطوال الاثني عشر شهراً بقيت هذه الأكثرية محل تعريفات عديدة من "الأكثرية الوهمية" إلى "أكثرية الظروف الاستثنائية" إلى "الأكثرية المؤقتة" إلى الأكثرية الضئيلة" (65+6) وكل هذه التعريفات كانت تعكس لدى القوى التي تطلقها موقفاً يشدد على ضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة لأن هذه الأكثرية بدت خلال هذا العام الذي سيطرت خلاله على المجلس النيابي فاقدة للأهلية "التشريعية" وخارقة للدستور والقوانين، معتمدة لافتة التصويت الذي كان يمرر المشاريع التي ترغب في تمريرها هذه الأكثرية، وهي كانت تضرب حيناً أسس البرلمان كونه مصدر التشريع الأول والسلطة التشريعية الأولى من خلال اقرار مشاريع قوانين هي بحد ذاتها تشكل خرقاً للدستور وتهدف الى تحقيق غايات سياسية بما يثبت وضع هذه الأكثرية على ما هي عليه، وهذا ما حصل مع قانون تعديل قانون انشاء المجلس الدستوري الذي جرى تمريره أولاً في جلسة تشريعية عقدت في الثلاثين من شهر تشرين ثاني/نوفمبر من العام الماضي، لكن رئيس الجمهورية رده لكونه مخالفاً للدستور والقوانين، ولكن أعيد تمريره في جلسة عقدت في الثالث والرابع من شهر أيار/مايو الماضي ونشر في الجريدة الرسمية بعد شهر من اقراره لأن رئيس الجمهورية امتنع خلال هذه المدة عن التوقيع عليه لبقاء المخالفة على حالها. وقد بدا أن هذا الملف مرشح لسجال سياسي قانوني جديد خلال الأيام والأسابيع المقبلة بعدما تقدم تكتل التغيير والإصلاح بطعن به أمام المجلس الدستوري الحالي، الذي دعاه النائب العماد ميشال عون الى تحمل مسؤولياته والانعقاد وبت الطعون، متهماً الحكومة في الوقت نفسه بممارسة انقلاب على المؤسسات الدستورية، وهو لوّح بتصعيد لم يكشف عن مضمونه اذا لم يجر البت بالطعن المقدم حول القانون الجديد. ويظهر بحسب المراقبين ان الأكثرية النيابية لا تزال تمارس في هذا المجال سياسة المماطلة والتعطيل للمجلس الدستوري لتمرير الوقت على حساب البت بالطعون في عدد من المقاعد النيابية التي كانت تقدمت بها كتلة الإصلاح والتغيير برئاسة النائب العماد ميشال عون ضد عدد من نواب فريق الرابع عشر من شباط/ فبراير. وتتوقع بعض الأوساط أن لا تأخذ هذه الأزمة طريقها الى الحل قبل العهد الرئاسي الجديد نهاية العام المقبل.‏

ومن "مآثر" فريق الرابع عشر من شباط في الندوة البرلمانية السعي لهدم بنية السلطة القضائية وأحكامها المبرمة بإقرار قوانين عفو عن جرائم سياسية، وهو ما جرى في جلسة تشريعية عقدت في الثامن عشر من تموز/ يوليو من العام المنصرم مع قانون العفو عن رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي كان محكوماً في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي من قبل مجلس القضاء الأعلى الأعلى، وهو أعلى سلطة قضائية وأحكامها مبرمة ولا تقبل المراجعة. وقد تعرضت مع قانون العفو لضربة كبيرة في صميم الجسم القضائي الذي يعتبر سلطة مستقلة الى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية.‏

الأكثرية النيابية كرّست في الندوة البرلمانية بشكل عملي ومنسق سياسة الهدر والفساد بدل محاربة هذه السياسات، وذلك عبر تبرئة متهمين بصفقات نفطية، وهو ما تم في جلسة عقدت في السادس عشر من شهر آب/ اغسطس مع الوزير السابق شاهي برصوميان الذي عقدت جلسة خاصة لتبرئته من صفقة الرواسب النفطية.‏

ومن أساليب ونهج الأكثرية العمل وفق الحسابات السياسية الضيقة على تقوية جناح على آخر ضمن الطائفة الواحدة، وهو ما حصل مع قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية الذي جعل الطائفة الدرزية تنقسم على نفسها، وربما تعود جراء ما حصل الى نظام المشيختين. أما التقويم الاقتصادي للأكثرية النيابية داخل الندوة البرلمانية وفق ما ترى أوساط متابعة فإنه يتركز على طريقة التعاطي مع الموازنات العامة للدولة، وما جرى على هذا الأساس خلال عام كان "نسف" مبدأ دورية اقرار الموازنات واحترام المواعيد الدستورية في هذا المجال، حيث يفترض أن تصل الموازنة بداية العقد العادي أواسط شهر تشرين، وتناقش في اللجان لمدة شهرين في لجنة المال والموازنة، ثم تقر من قبل الهيئة العامة مطلع العام الجديد، لكن الذي جرى مع المجلس النيابي الجديد ان موازنة العام الفين وخمسة أقرّت مطلع العام ألفين وستة بعدما صرفت اعتماداتها على القاعدة الاثني عشرية، وأما موازنة العام الفين وستة التي كان يجب ان تصل الى المجلس أواخر العام الماضي وتقر بداية العام الحالي، هذه الموازنة لم يسمع بها احد حتى الآن، ولم يجر انجازها في وزارة المال، فضلاً عن مجلس الوزراء، والأرجح انها ستصل الى المجلس النيابي أواخر العام لتقرّ بداية العام المقبل بعد أن تكون اعتماداتها قد صرفت. وكل هذا الأداء يضرب عرض الحائط بمفهوم الدولة والمؤسسات، ويضرب مصالح المواطنين في القضايا المالية والاقتصادية والمعيشية، فضلاً عن حسابات الدين العام ومعالجة البطالة.‏

"الأكثرية والرئاستان الأولى والثانية"‏

تميزت علاقة الأكثرية النيابية بالتوتر مع رئاسة الجمهورية على مدى عام، وانعكس ذلك سلباً على البعد التشريعي في المجلس، وتمثل في رد رئيس الجمهورية لأكثر من مشروع مررتها الأكثرية في الهيئة العامة حيث كانت هذه القوانين مخالفة لمواد الدستور، وهذا من حق رئيس الجمهورية وضمن صلاحياته التي أعطاها له الدستور بالحرص على دستورية القوانين، الا ان الأكثرية كانت تعمد الى اعادة تمرير هذه القوانين عبر الأغلبية المطلقة التي تتمتع بها في الهيئة العامة. هذا إضافة الى مسألة فتح الدورات الاستثنائية لمجلس النواب التي تتم بمرسوم موقع من رئيسي الجمهورية والحكومة، وهو ما حصل خلاف بشأنه مطلع العام الجاري حيث تأخر فتح الدورة، وحصل سجال لأسابيع قبل أن يجري التوافق على مرسوم فتح الدورة، وهذا الأمر يتكرر الآن مع انتهاء العقد العادي للمجلس نهاية أيار/ مايو حيث لا يوجد مؤشر على فتح دورة استثنائية خلال فصل الصيف، ويبدو أن الأمر ما زال محل خلاف ولم يجر توافق بشأنه بين الرئاستين الأولى والثانية والثالثة، واذا لم يجر فتح الدورة فإن المجلس النيابي سيذهب في اجازة وسيبقى معطلاً الى حين بدء العقد العادي أواسط تشرين الأول/ اكتوبر المقبل.‏

أما علاقة الأكثرية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري فبقيت تسير على حذر حيث كان يسيطر عليها حرص متبادل على عدم اصطدام أي طرف بالطرف الآخر لحاجة كل منهما الى الآخر، فرئيس المجلس يمسك بيده وفقاً لصلاحياته الدستورية الكثير من الأوراق التي تدفع الأكثرية الى عدم الاصطدام به، والرئيس بري من جانبه يجد نفسه لأول مرة منذ العام اثنين وتسعين تاريخ تسلمه رئاسة المجلس على منصة الرئاسة أمام هيئة عامة لا يمون على الأكثرية فيها مع تبدل التحالفات السياسية.‏

هذه العلاقة بقيت متوازنة بين الطرفين لمدة أشهر طويلة، الى أن وصلت في مرحلة معينة الى الصدام وترجم ذلك في جلسة الأسئلة التي عقدت في الثالث والعشرين من شهر أيار/ مايو الماضي عندما حاولت الأكثرية تمرير توصية سياسية ضد سوريا على خلفية مذكرات الجلب الى النائبين وليد جنبلاط ومروان حمادة، حينها بعث الرئيس بري برسالة قوية الى الأكثرية التي حاولت تمرير ما يرفضه الرئيس بري، حيث ضرب مطرقته على الطاولة وترك منصة الرئاسة ورفع الجلسة الى الاسبوع الذي بعده حيث جرى حينها تنظيم الخلاف بالتصويت على واحدة من توصيتين ربحت حينها الأكثرية توصيتها السياسية وخسرت اجماعاً كان يمكن أن تحصل عليه لو صوتت على توصية قانونية أعدها الرئيس بري للرد على مذكرات الجلب السورية.‏

ملف الرئاسة‏

تمكن فريق 14 شباط من تمرير العديد من مشاريع القوانين التي رغب بها في الهيئة العامة للمجلس لامتلاكه الأكثرية المطلقة، لكن العديد من المشاريع والقوانين تحتاج الى أكثرية الثلثين لتمريرها، وهو ما وقفت أمامه الأكثرية عاجزة خصوصاً قوانين تعديل الدستور، وفي هذا السياق كانت قوى 14 شباط تُمنِّي نفسها بإسقاط رئيس الجمهورية عبر تعديل الدستور، لكنها عجزت لعدم امتلاكها أكثرية الثلثين، وهو ما حدّ من اندفاعتها لإكمال انقلابها واستلام جميع مفاصل السلطة في البلاد، ويبدو أن هذه الأزمة ستبقى مستمرة حتى تاريخ الاستحقاق الرئاسي في تشرين الأول/ اكتوبر من العام ألفين وسبعة تاريخ انتهاء الولاية الممددة للرئيس لحود، لأن مجرد عقد الجلسة يحتاج الى ثلثي أعضاء مجلس النواب، وهو لن يتأمن حينها لفريق 14 شباط، وسيبقى الأمر ينتظر تسوية يتعدى مداها الإطار المحلي الى الاقليمي والدولي.‏

"دكاش"‏

الأكثرية النيابية ملكت اثنين وسبعين مقعداً في الانتخابات الماضية الا أن وفاة النائب الراحل ادمون نعيم جعلها تتقلص الى واحد وسبعين، وجاءت نتيجة الاستحقاق الفرعي دخول النائب بيار دكاش الندوة البرلمانية دون انتخابات، وهو المرشح الذي كان خسر على لائحة التيار الوطني الحر في دائرة بعبدا عاليه، وعاد التيار الوطني وطرحه "مرشحاً توافقياً وقبلت به قوى 14 شباط مرغمة لأنها كانت تتجنب خوض استحقاق الانتخابات الفرعية، لأنه كان سيظهر الأحجام الحقيقية لكل فريق بعدما كانت فازت لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي في تلك الدائرة في انتخابات العام الماضي بأصوات ناخبي حزب الله، وخسارتها لانتخابات فرعية مع تبدل التحالفات كانت ستؤكد أن هذه الأكثرية تكونت نتيجة تحالفات لم تعد موجودة فيما بعد، خصوصاً بعد سقوط التحالف الرباعي الذي كان قائماً خلال الانتخابات بين حزب الله وحركة أمل والحزب الاشتراكي وتيار المستقبل.‏

بكل الأحوال فإن أداء فريق الرابع عشر من شباط في الندوة البرلمانية بدا خلال عام كارثياً على جميع الصعد التشريعية والسياسية والاقتصادية، والرهان يبقى على قانون انتخابي عادل يعبّر عن التمثيل الحقيقي للقوى السياسية على الأرض وفق الفرز السياسي الجديد، وهو ما تحول الأكثرية دون الوصول اليه عبر المماطلة في انجاز هذا القانون الذي وعدت قبل عام بإعداده خلال أشهر، لكن الوعود بقيت حبراً على ورق.‏

هلال السلمان‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-30