ارشيف من : 2005-2008

بين شبكة رافع وخطّاب التنفيذية وشبكات تجسّسية أخرى: تقاطع أدوار!

بين شبكة رافع وخطّاب التنفيذية وشبكات تجسّسية أخرى: تقاطع أدوار!

لم تكن شبكة "الموساد" الإسرائيلية الجديدة التي تمّ توقيف محرّكها اللبناني وأبرز الناشطين فيها محمود رافع، الأولى في عداد الشبكات التخريبية التي تحمل صبغة تنفيذية عملانية على الأرض، تجمع المعلومات وترصد التحرّكات والتنقّلات، وترتكب جرائم القتل والاغتيال في آن معاً، بل هي الثالثة من هذا النوع المميّز في عمر الحرب الخفية بين الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية و"الموساد" على مدى الصراع العربي الصهيوني.‏

فالشبكة الإسرائيلية الأولى في هذا المضمار على الساحة الداخلية اللبنانية هي التي اقترفت مجزرة بئر العبد في العام 1985 ما أودى بحياة عشرات المواطنين الأبرياء، والثانية هي شبكة العميل أحمد الحلاق الذي ضغط، بالتكافل والتضامن مع زوجته حنان ياسين، على جهاز تفجير العبوة الناسفة الموضوعة في محلّة صفير في منطقة الضاحية الجنوبية بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1994 وذلك خلال جلوس فؤاد مغنية خلف مكتبه فقتلته على الفور مع مواطنين إثنين آخرين هما: محمد مسلماني، ومحمود حسون، وجرحت 15 شخصاً آخرين.‏

ويبدو من خلال المتابعة الحسيّة والدقيقة والرصد المكثّف لعمل هذه الشبكات التنفيذية أنّها تتقاطع في كثير من الأحيان في مهامها وأدوارها مع أعمال الشبكات المتخصّصة بالمعلومات من دون أن تعرف بطبيعة الحال، الواحدة من هذين النوعين المتكاملين، أنّها تبحث وتشتغل في موضوع معيّن وهدف محدّد تشاركها شبكة أخرى في التقصي والتحري عنه، أو أنّ خلية أخرى تسعى إلى استحضار معلومات مطلوبة عن مقرّ أو مكان ما، أو عن قيادي أو مسؤول ما في المقاومة أو في الأحزاب والمنظّمات المناهضة للعدوّ الإسرائيلي، تفتش عنه شبكة مرادفة، فقد تعمل أكثر من مجموعة تجسّسية واحدة على معلومة واحدة أو مراقبة شخص ما وتحديد أماكن وجوده وحركته، فعلى سبيل المثال فإنّ العميل حسين علي عليان اعترف خلال محاكمته بأنه حدّد للإسرائيليين منزل المسؤول في المقاومة الإسلامية الشهيد أبو حسن علي حسن ديب (خضر سلامة) في بلدة الغازية، وقد اعترف العميل محمود رافع بأنّه هو من وضع العبوّتين الناسفتين اللتين أدّتا إلى استشهاد ديب في 16 آب/ أغسطس من العام 1999 خلال مروره بسيارته على طريق عبرا في شرق صيدا.‏

وفيما أصدر قاضي التحقيق العسكري عدنان بلبل مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ رافع، وغيابية بحقّ الفلسطيني المتواري عن الأنظار حسين سليمان خطّاب، بعد استجواب الأوّل فقط في جريمة اغتيال الشقيقين محمود ونضال مجذوب في صيدا بتاريخ 26 أيار/ مايو 2006، شارفت التحقيقات الأولية مع رافع في مديرية المخابرات في الجيش اللبناني على الانتهاء، بشأن الجرائم الأخرى التي أقرّ بارتكابها، وفي طليعتها اغتيال المسؤولين في المقاومة الإسلامية الشهيدين علي صالح وحسن ديب، وزرع متفجّرات على الطريق الساحلية الجنوبية، ما يوجب بحسب القانون، إعادته إلى مكتب القاضي بلبل لكي يستجوبه في هذه الجرائم الإضافية وفقاً "لورقة طلب" ثانية تتضمّن ادعاءً إضافياً لمفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي جان فهد وفقاً للمواد القانونية السابقة والتي تنصّ على الإعدام.‏

وعلم من مصادر متابعة لسير الملف القضائي، أنّه جرى التحقيق مع عدد من الصيّادين لوجود شبهات حول مشاركتهم رافع وخطاب في شبكتهما، وذلك من خلال نقل أسلحة ومعدّات تقنية وعسكريّة متطوّرة بقواربهم بعيد استلامهم لها في عرض البحر، وتسهيل إيصالها وتسليمها، بأمان، لهذين الشخصين على الشاطئ، بعيداً عن العيون وبمنأى عن أيّة رقابة.‏

كما أنّه يجري التحقّق من أصحاب الزوارق والقوارب واليخوت التي تنتشر ضمن المياه الإقليمية اللبنانية بترخيص رسمي، لمعرفة ما إذا كان لها دور ما في لعب دور الوسيط بين رافع و"الموساد"، وتجهيزه بالمعدّات المطلوبة لتفجير الوضع داخل لبنان وزعزعة الأمن، باعتبار أنّ هنالك طريقين اثنين لا ثالث لهما لاستلام هذه الأغراض، هما إمّا البحر، وإما البرّ لجهة "الخطّ الأزرق" الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وقد استلم رافع الباب المحمّل بالمتفجرات والذي استبدله بالباب الأساسي لسيارة "المرسيدس" المستخدمة في اغتيال مجذوب برّاً.‏

وقد أتت هذه الخطوة بناءً على اعترافات رافع الذي أفاد بأنّه كان يتلقى "عدّة الشغل" من متفجّرات وأجهزة إرسال واتصال لاسلكي حديثة وحقائب ملغومة ومعدّة للتفجير، من الإسرائيليين عبر البحر، ثمّ يوصلها إلى الأماكن المحدّدة سلفاً وفق التعليمات والإرشادات المعطاة له عبر الهاتف أو الكومبيوتر، فيضعها ويغادر من دون أن يترك أيّ أثر وراءه يدلّ عليه، وهو ما اكتسبه على مرّ السنوات، وبفضل التدريبات التي خضع لها مراراً وتكراراً، خارج لبنان.‏

ويبدو أنّ هنالك شبكات أخرى "نائمة" كانت تشارك رافع من دون علمه، في القيام بمسلسل التفجيرات بعد دسّها في المكان المرسوم، وهذا ما يؤكّد النظرية القائلة بأنّ الشبكات التنفيذية والمعلوماتية تتداخل وتتكامل مع بعضها بعضاً، وإن كانت لا تعرف بعضها، لأنّه من طبيعة العمل الأمني السرّيّ والسليم ألا يتعرّف أعضاء الشبكات التخريبية إلى بعضهم، فتفكيك واحدة يؤدّي إلى زوال الأخرى، وهو ما لا يخدم الهدف المنشود.‏

واتضح بما لا يقبل الشكّ، أنّ عملية اغتيال الشقيقين مجذوب نفّذها رافع بإشراف مباشر من ضابطين في جهاز "الموساد" دخلا إلى الأراضي اللبنانية عبر المطار الرئيسي بجوازي سفر أردني وأوروبي مزوّرين، منتحلين اسمين وهميين هما: "جورج"، و"فؤاد"، وذلك قبل مدّة وجيزة من وقوع الجريمة، وغادرا فوراً مطمئنين إلى نجاحهما في تأدية دورهما، وهو ما أكّدته عملية مراجعة سجلات الداخلين إلى لبنان والخارجين منه في ذلك الوقت.‏

وكان مناطاً بهؤلاء الثلاثة القابعين في سيّارة "الفان" المقفلة والرابضة على مسافة 900 متر تقريباً من مكان منزل الشقيقين مجذوب، تلقي صور جوّية أوّلية وفورية من طائرة تجسّس انتهكت الأجواء اللبنانية عند خروج الشقيقين من منزلهما، والضغط على زرّ التفجير القاتل، ثمّ المغادرة وكأنّ شيئاً لم يحصل.‏

وتركّز التحقيقات مع رافع حول التفجيرات المرعبة التي شهدها لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير من العام 2005، وضربت مناطق ذات لون طائفي معيّن، وتحديداً ما كان يعرف بـ"المنطقة الشرقية" من بيروت، مستهدفة الاستقرار الداخلي وإثارة النعرات والفتن، بعدما تبيّن أنّ هناك قواسم مشتركة كثيرة بينها وبين تفجيرات واغتيالات أخرى، ولا سيّما من ناحية المواد التفجيرية المستعملة، وطريقة وضعها في الحقائب، والأهم من هذا كلّه تحقيق الهدف المطلوب وربط لبنان بأسلاك الحرب.‏

ولا يزال صاحب "الفان" سامر قيس موقوفاً بانتظار جلاء كلّ الجوانب المحيطة بهذه الجريمة، وتحديد مصيره القانوني.‏

داغان ورافع‏

ونشر موقع إلكتروني إسرائيلي يسمّى" تيك دبكا" معلومات مفادها أنّه سبق لرئيس جهاز "الموساد" مائير داغان أن أشرف شخصياً على تجنيد رافع إبّان خدمته العسكرية في قوى الأمن الداخلي للاستفادة منه، حيث كان داغان في صفوف الوحدة "504" في شعبة الاستخبارات العسكرية الناشطة في مجال ابتكار شبكات التجسّس وتجنيد الأشخاص المناسبين. وداغان المولود في العام 1947، عمل مستشاراً لشؤون "مكافحة الإرهاب" لرئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتانياهو بين العامين 1996 و1999، وطلب منه رسمياً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2001 مفاوضة الفلسطينيين من أجل وضع حدّ للانتفاضة المظفّرة، ولم يفلح، وعيّنه الإرهابي أرييل شارون بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2002 رئيساً لجهاز "الموساد" لرفع معنوياته بعد فشل العديد من عملياته الإجرامية في غير دولة عربية وإسلامية.‏

ويستدلّ من سياق محاكمات أفراد شبكات التجسّس الإسرائيلية المقضي عليها، أنّ رافع ليس أوّل عميل يجنّده داغان ويعمل بإمرته، بل سبقه آخرون بينهم أحد الصحفيين الذين تمّت محاكمته أمام القضاء العسكري اللبناني قبل أربع سنوات، ونال عقوبة السجن سنتين ونصف السنة!.‏

علي الموسوي‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-30