ارشيف من : 2005-2008
الوزير الصراف لـ"الانتقاد":إما إيجاد الحلول وإلا شوارعنا ستمتلئ نفايات بعد 6 أشهر
قنبلة نفايات بخلفيات سياسية الى الشارع
غدا مشروع الخطة المقترحة من قبل مجلس الإنماء والإعمار لإدارة النفايات المنزلية الصلبة "قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر في أية لحظة، خصوصاً أن المنحى الذي سلكه في جلسة مجلس الوزراء مطلع هذا الأسبوع كشف عن خلافات داخل الحكومة، وهو ما دفع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى إرجاء المناقشة فيه إلى عشرة أيام إضافية بعد أن يكون قد أشبع درساً من قبل "أهل الرأي" وجرى إبداء الملاحظات عليه قبل إقراره.
وبدا واضحاً أن ثمة توجهاً سياسياً مسبقاً لعرقلة إقرار المشروع وبالتالي معالجة هذا الملف البيئي الملح والخطير، تمثل برفض وزراء "اللقاء الديموقراطي" ومعهم الكتائب والقوات اللبنانية قيام أي مطمر للنفايات في جبل لبنان، وتحديداً في منطقة إقليم الخروب بحجة أنهم لن يقبلوا أن تكون مناطقهم "مزبلة جبل لبنان وبيروت"، وهددوا بأن "المواقع المختارة في جبل لبنان لن تمر بسهولة"، في حين أن معظم القاطنين في هذه المناطق وعلى حد قول وزير البيئة يعقوب الصراف "يرتادون العاصمة يومياً كسباً للرزق".
والجدير ذكره هنا أن الخطة قسمت لبنان إلى أربع مناطق خدماتية: شمال، جنوب، بقاع، بيروت وجبل لبنان، بحيث يؤمن لكل منطقة خدماتية مطمر صحي أو أكثر حسب الحاجة، على أن ينشأ في كل قضاء معامل للفرز والتسبيخ، كما تقوم الخطة على طمر 40% من مجمل النفايات مقارنة مع طمر 8% كما يحصل اليوم، ومعالجة 40% من المواد العضوية من النفايات الصلبة والمنزلية بدل معالجة 10% واعادة تدوير 20% بدل 8% من النفايات التي تعالج اليوم.
هذا على الورق، لكن ماذا لو مرّت الفترة الزمنية التي حددها مجلس الوزراء لإعادة البحث في الخطة ومن دون أن نصل إلى نتيجة ترضي الجميع، هل ستشهد شوارعنا وساحتنا أكواماً لا بل أطناناً من النفايات المرمية هنا وهناك، أم أننا ملزمون بإيجاد الحلول على حد قول الوزير صراف في حديثه لـ"الانتقاد" التي التقته وناقشته في الخلفيات الكامنة وراء رفض الخطة من قبل بعض الكتل السياسية، وفيما يلي نص المقابلة:
*بالأمس ناقش مجلس الوزراء مشروع خطة لمعالجة النفايات الصلبة، وكان هناك اعتراض من قبل وزراء "اللقاء الديموقراطي" و"الكتائب" و"القوات" عليها، هل شممت للحظة بأن الاعتراض ينطوي على خلفيات سياسية؟
ـ أولاً بالمبدأ أرفض المنطق القائل برفض هذه الخطة بشموليتها، الخطة هي أكثر من خطوة، هي أهداف، وطرق معالجة، وأخيراً هي انتقاء مناطق، وإذا سلمنا جدلاً أن هناك خلافا حول منطقة معينة لا يعني أن الخطة مرفوضة، وبالتالي لا يحق لنا أن نوقف هذه الخطة على صعيد لبنان ككل، لأن هناك تحفظا ما من قبل البعض على منطقة معينة.. وثانياً المشكلة هي مشكلة بيروت لان لا مجال لطمر نفاياتها فيها، وبالتالي ينبغي طمرها في مكان ما، خصوصاً أن الخطة الطارئة المعمول بها حالياً جعلت نفايات العاصمة تنقل إلى مطمر الناعمة وهذا غير سليم، في حين أن خطتنا المقترحة قسّمت نفايات العاصمة إلى قسمين: قسم شمال جبل لبنان، وقسم جنوبه، وهو برأيي الحل الأنسب، أما فيما خص استثمارها سياسياً نعم، وهذا ما جرت عليه العادة، فما أن ما يحصل خلاف سياسي ما حتى نجد هناك من ينزل إلى الناعمة ويفتعل مشكل، علماً أن مشاكل المنطقة البيئية تتخطى مشاكل النفايات، فهناك المناطق الصناعية في الشويفات مثلاً كما هو الحال اليوم في معامل الترابة، مرفأ الجية، معمل الجية الحراري، والاستثمار العشوائي للكسارات هناك، لذا لا يمكن القول إنه بإمكاننا أن ننتقي من هذا المشروع ما نريده في كل مرة! وإن كنت أفترض أن هذا الموضوع ليس سياسياً بحتاً، ولكن أجزم بأنه ليس موضوعاً بيئياً بحتاً أيضاً..
*يعني هل يمكن القول إنه جرى توظيف رفض هذه الخطة في الإطار السياسي الانتخابي إذا صح التعبير؟
ـ لدي هنا اعتراضان في الشكل: الاعتراض الأول انه قبل الجلسة، وقبل أن يكتمل النصاب التقيت بالوزير غازي العريضي وقال لي نحن نرفض مطمر الناعمة، وانتم كوزارة بيئة تريدون الاستمرار في هذا الوضع، قلت له هذا غير صحيح، ثم أن الخطة لم تذكر منطقة الناعمة! كون المطمر استنفد كل طاقة استيعابه.. في هذه الأثناء شعرت أن هناك رفضاً مسبقاً لمشروع الخطة قبل أن تعرض على طاولة الحوار! ثم أن الوزير مروان حمادة الذي لم يستغرق جلوسه على طاولة مجلس الوزراء سوى عشر دقائق وخرج، قال بالحرف الواحد أنا أريد أن أبلغكم اعتراضنا والسلام .. حتى مناقشة الخطة لم يحضرها؟! قد تقول لي ان الموضوع قد يستثمر سياسياً أقول لك نعم: هناك انتخابات، هناك إعادة تجييش، ووزير البيئة ليس من المقربين لقوى 14 آذار، ثم ان القول هذه الخطة هي خطة يعقوب الصراف لاستثمارها سياسياً غير صحيح، بدليل أن سبع حكومات متتالية سعت إلى حل هذه المشكلة البيئية، ومجلس الإنماء والإعمار أصبح له سنوات يعمل عليها، فضلاً عن لجان وزارية متتالية، وأنا من المقتنعين بها وأعتبرها خطة سليمة، وبرأيي لا يوجد حل مثالي لمشكلة النفايات سوى وضعها في باخرة ورميها في الخارج. صحيح أن الحل المثالي يكمن بوجود منطقة معزولة عن الاماكن السكنية والسياحية وعن مصادر المياه، ولكن لسوء حظنا في لبنان هذا الحل غير متوافر وغير منطقي، لذا اقترحنا هذه الخطة، وبكل صراحة أعود وأكرر أن هذا أفضل الممكن حتى الآن.
وألفت هنا إلى أن ما نطلبه منهم ليس طمر نفايات بيروت بل نفاياتهم، إضافة إلى نفايات مواطنيهم الذين يفدون إلى العاصمة، فضلاً عن نفايات بيروت التي هي عاصمتنا، وبالتالي لا يمكن أن ندخل في مفهوم هوية النفايات، مع العلم أننا منذ ما يقرب العشر سنوات نستقدم نفايات جبل لبنان إلى العاصمة لمعالجتها قبل أن نرميها، وبالتالي كان ينبغي الاعتراف بأن بيروت ساهمت بحل مشكلة نفايات كثير من المدن خارج بيروت.. وأذكر بالمناسبة انه تم اقتراح طمر النفايات في البقاع: أولاً هذا مكلف مادياً، ثانياً ينتج عنه خطر بيئي بحيث لا يمكن نقل 2500 طن من النفايات يومياً، ثالثاً طريق ضهر البيدر في فصل الشتاء تغدو مقطوعة، ورابعاً لا يمكن تحميل البقاع هذا العبء كون القلة من أهله يفدون إلى العاصمة، في حين أن 70% من أهالي إقليم الخروب يعتاشون اقتصاديا وإدارياً من العاصمة.
*ذكرت أنك لست من قوى 14 آذار، هل هذا الاعتراض هو في جزء منه استكمال للحملة السياسية التي تشنها قوى 14 شباط على أخصامها؟
ـ إذا كانوا فعلاً يفكرون هكذا، فهذا مبدأ خاطئ، لان الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات لا تميز بين قوى 14 آذار وغيرها.. لا أظن أنه جرى استخدام رفض هذه الخطة للضغط على قوى 8 آذار أو فخامة الرئيس.
*.. إذاً ما تفسيرك للمواقف المسبقة لوزراء "اللقاء الديموقراطي" قبل مناقشة المشروع في الجلسة؟
ـ هذه المواقف مشابهة لكل القرارات التي يتخذونها، وهذه بالسياسية نحن ضدها، بغض النظر عن تقنية البيئة. إذا كنا فعلاً مشتركين في الحكومة واستطعت أن تقنعني وعندك الحل والبدائل والاقتراحات الأسلم تفضل ليس هناك من مشكلة، لكن لا تستطيع أن تأتي وتقول هذا الحل أعجبكم أم لم يعجبكم، هذا الموقف بالشكل والمبدأ نحن ضده، لأنه لا سمح الله إذا ما انتشر مرض الكوليرا في طريق الجديدة مثلاً لن يقال حينها ان الوزير صراف هو مسببها، لا بل ان خطة إزالة النفايات لم يجر الأخذ بها.. تفضلوا قدموا لنا خطة بديلة.
* برأيك إلى أي حد هذه الخطة طموحة؟
ـ الخطة ليست طموحة بل واقعية، نحن لم نطلب من المواطن، أو البلدية، أو القضاء، أو من الوزير أمرا خياليا، عندما تقارن بين هذه الخطة، وخطة الإصلاح الإداري تجد الثانية أكثر طموحاً. إذاً هذه الخطة واقعية شرط أن لا تستثمر الخلافات الاقتصادية والسياسية والمناطقية وتطغى على جوهر المشكلة.
*لماذا لم يناقش مجلس الوزراء الخطة بشكل مستفيض قبل أن يقرر تأجيلها الى جلسة لاحقة؟
ـ.. ربما لان الجلسة كانت على حافة النصاب، وبالتالي آثروا عدم الخوض في التفاصيل قبل أن يكتمل عقد المجلس، وكان رأي رئيس الحكومة في محله عندما دعاهم إلى دراسة الخطة والتنسيق مع المعنيين قبل أن يقدموا ملاحظاتهم.
ألا يفترض التنسيق مسبقاً مع المعنيين قبل وضع مداميك الخطة بحيث تحمل معها "جواز المرور"؟
ـ أولاً حصل التنسيق مع البلديات، إنما إذا عرضنا الخطة على الجمهور قبل مجلس الوزراء سيؤخذ علينا أننا تجاوزنا مجلس الوزراء، وكذلك الحال إذا فعلنا العكس، من هنا جاء المؤتمر الصحافي الذي عقدته في اليوم التالي للجلسة. أنا ملتزم بعرض الخطة على مجلس الوزراء وبالدفاع عنها لدى الجمهور والمواطن والاعلام والسياسي.
*أين تكمن أهمية الخطة؟ وكلفتها؟
ـ أولاً: جميعنا معنيون بالمشكلة، ثانياً: توجد اليوم معالجة موقّتة لبيروت وجبل لبنان في حين لا توجد أي معالجة لـ40% من المواطنين، ثالثاً: نتقاسم الأعباء والموارد من خلال تقديم الحوافز إلى البلديات التي يقع المطمر في إطار بلديتها، رابعاً: وهنا الأهم، في حال عدم إقرار الخطة هناك مشكلة بيئية صحية وسياحية واقتصادية كبيرة، لا سيما أن خطة الطوارئ المعمول بها حالياً لم تعالج سوى منطقة بيروت وجبل لبنان، أما فيما خص الكلفة فإن تأمين المواقع المقترحة في الخطة قد تتراوح كلفته بين 20 و35 مليون دولار كاستملاكات، فيما باقي المشروع يتم تلزيمه عبر مناقصة عالمية لكل منطقة خدماتية والمقسمة إلى أربع: الشمال، البقاع، الجنوب، وبيروت وجبل لبنان، ونحن نحتاج لتنفيذ المشروع بحدود السنة تقريباً.
* كم تقدر كمية النفايات في لبنان يومياً؟
ـ لدينا ما يفوق أربعة آلاف طن، بينها 1500 طن ترمى بشكل عشوائي في الأودية والأنهر.
* .. اليوم هناك اعتراض، فيما لو استمر، هل سيعطل المشروع بكامله؟
ـ هذا ما سأعمل عليه جاهداً لتفاديه، ونحن اليوم متفقون على الخطة من حيث المبدأ، إذا كان هناك اعتراض على بعض المناطق، لماذا نريد الخراب في المناطق الأخرى المتفقين عليها؟ نحن ملزمون بإيجاد الحلول، وإلا نحن قادمون خلال ستة أشهر على مشكلة خطيرة، وستمتلئ شوارع بيروت بالنفايات.
حسين عواد
الانتقاد/ مقابلات ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018