ارشيف من : 2005-2008

جنبلاط: أراد أن يكون هادئاً.. لكن مواقفه لم تسعفه!

جنبلاط: أراد أن يكون هادئاً.. لكن مواقفه لم تسعفه!

ينقض الثوابت ويبعثر الأولويات وأجوبته لم تقنع الرأي العام‏‏

جنبلاط: أراد أن يكون هادئاً.. لكن مواقفه لم تسعفه!‏‏

أفرغ النائب وليد جنبلاط ما في جعبته من مواقف ضد حزب الله والمقاومة، محدداً نقاط الخلاف الرئيسية في مقابلة أجراها معه تلفزيون المستقبل، أرادها أن تكون رداً على أسئلة وجهها إليه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مقابلة مع تلفزيون "نيو تي في"، ومواقف أعلنها في مقابلة مع صحيفة الحياة، ولكن إجابات جنبلاط لم تقدم أجوبة شافية، وكرر أسئلة سبق وأجاب عليها السيد نصر الله، لا بل ذهب أكثر من ذلك محملاً حزب الله ما لا طاقة له عليه، خصوصاً في مجال الأمن، وكأنه يستدعي سلاح المقاومة إلى الداخل لحفظ الأمن وإقفال المعابر بين لبنان وسوريا ومنع الإغتيالات!‏‏

أراد النائب جنبلاط من مقابلته مع تلفزيون المستقبل أن يكون الرد على أسئلة السيد نصرالله هادئاً، ولكن الأجوبة لم تتسم بهذه الصفة، إنما جاءت على نفس وتيرة التصعيد السابق أمام المريدين في باحة قصر المختارة من دون مراعاة اختلاف طبيعة المنبر والجمهور الذي يتوجه إليه.‏‏

وعلى الرغم من الحرص الذي أبداه جنبلاط لكي يبدو هادئاً وملمّاً بدقائق وتفاصيل ما سيقوله أو سيرد عليه، واستعداده المسبق واستعانته ببعض قصاصات الصحف اليومية التي تتضمن مواقف حزب الله ومواقف جنبلاط أيضاً، وفلشها على الطاولة بحيث تظهر عناوينها مباشرة له للاقتباس منها عند الضرورة، إلا أن الانطباع الذي خرج به العديد من المتابعين هو أن جنبلاط لم يستطع أن يتحكم بمجريات الحديث وفق ما يشتهيه، إذ خانته التعابير في بعض الأحيان، واختلطت عليه التواريخ والأحداث، ما أوقع المتابعين في الحيرة وعدم فهم ما يريده، خصوصاً عندما تحدث عن أن اتفاق الطائف (الأول) الذي دفع ثمنه كمال جنبلاط بسبب التسوية التي حصلت في معرض حديثه عن دور المملكة العربية السعودية من دون أن يوضح من هم أطراف التسوية!‏‏

لقد بدا الحوار موجهاً بشكل خاص إلى السيد نصر الله من خلال الأسئلة التي وجهتها الزميلة نجاة شرف الدين وإجابات جنبلاط ومخاطبته السيد نصر الله وتشديده على القول انه يتحدث بهدوء أكثر من مرة، لتكريس هذا الانطباع لدى المشاهد والرأي العام اللبناني. لكن "الهدوء" الذي تمسك به جنبلاط لإضفاء نوع من الوقار على حديثه للتأثير على الرأي العام وإقناعه بوجهة نظره انقلب على صاحبه عندما ذهب بعيداً في استفزاز مشاعر جزء كبير من اللبنانيين والشعوب العربية، ونقضه الثوابت وتبديله الأولويات التي لطالما تمسك بها جنبلاط نفسه وناضل من أجلها الحزب التقدمي الاشتراكي خلال مسيرته الطويلة، بحيث أيقن المشاهدون أنهم أمام جنبلاط آخر مختلف كلياً عن الزعيم الذي عرفوه خلال العقود الماضية.‏‏

لم يكن اللبنانيون الذين تسمّروا يوم الجمعة الفائت يتوقعون من جنبلاط أن يندفع ليقول "ان عدوي الآن ليس "إسرائيل"، وإنما النظام السوري"، ويتبعها بـ"أن البعض ذهب إلى "إسرائيل" عن ضلال" في محاولة لتبسيط المسألة، واعتبار القتلى من العملاء لـ"إسرائيل" شهداء، وأن مزارع شبعا ليست لبنانية ـ وإن كانت عقارياً كذلك ـ إلى أن يثبت السوريون لبنانيتها، أو يقوم حزب الله بجلب إقرار سوري بلبنانية المزارع للحفاظ على الإجماع حول المقاومة!‏‏

الصدمة تجاوزت الموقف من النظام السوري أو الخلاف على المحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية، لتطال الاغتيالات التي شهدها لبنان منذ محاولة اغتيال مروان حمادة وصولاً إلى النائب جبران تويني، لتطال ثابتاً لبنانياً وقومياً يبدو أن جنبلاط تعب من أعبائه وتداعياته انطلاقاً من "كيانية قطرية" مقتها جنبلاط سابقاً، وقدم حزبه شهداء كثراً وتضحيات كبيرة للحفاظ على لبنان وهويته وانتمائه إلى محيطه تاريخياً وجغرافياً وثقافياً.‏‏

الاستغراب والذهول ارتسم على ملامح الزميلة شرف الدين قبل المشاهدين على الرغم من محاولتها إخفاء هذا الاستغراب والتجهم، ومحاولاتها للاستدراك والتوضيح لعدم الوقوع في الاشتباه أو الالتباس، ولكن يبدو أنها فوجئت بالإصرار على الاجابات السابقة.‏‏

لم يستطع جنبلاط أن يكسب تعاطف الرأي العام اللبناني والعربي أيضاً بعد استفزاز مشاعر كل أولئك الذين ضحوا وجاهدوا وقدموا الدماء والتضحيات في مواجهة "إسرائيل" في لبنان وفلسطين ومصر والأردن وسوريا وتونس في الحروب التي شنتها "إسرائيل" منذ زرعها في قلب المنطقة، ودفع هؤلاء إلى طرح العديد من الأسئلة عن الأسباب التي دفعت إلى عدم تصنيفها عدواً في هذه المرحلة من احتدام الهجمة الأميركية على المنطقة المنحازة بشكل كامل إلى "أمن إسرائيل"، وهل الصراع مع العدو الإسرائيلي صراع على أراض محتلة فقط!‏‏

إضافة إلى ذلك، ثمة من يرى أن نزع صفة العدو عن "إسرائيل" نقض لما جاء في اتفاق الطائف الذي أكد جنبلاط تمسكه به، وهذا الاتفاق حدد من هو العدو ومن هو الصديق، وكيفية التعامل من الطرفين، وهوية لبنان وانتماءه والملامح الأساسية لسياسة لبنان الخارجية.‏‏

قد يكون جنبلاط نجح في تحديد النقاط الأساسية للخلاف مع حزب الله، ولكنه في الوقت نفسه لم يفلح في اقناع اللبنانيين بموقفه من المقاومة وسلاحها، وربط هذا الموقف بالاغتيالات والموقف من النظام السوري، وتحميل المقاومة مسؤوليات أمنية أكبر من طاقتها، وكأنها المسؤولة عن الأمن في الداخل، وقد أوضح السيد نصر الله بشكل مسهب طبيعة مهمات المقاومة الأمنية، ومع ذلك أراد جنبلاط أن يفرض على حزب الله إدانة النظام السوري من دون تقديم الدليل الذي طلبه السيد نصر الله، والاكتفاء بالتحليل وشهادة نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام وقناعة 60% من اللبنانيين وبعض المعلومات التي يمتلكها هو وحده ولجنة التحقيق الدولية مقابل إقرار الجميع بأن هذه القناعات مسيّسة.‏‏

واللافت في حديث جنبلاط عن الوضع الأمني أن هاجس الاغتيالات هيمن على جزء كبير من مطالبه للسيد نصر الله، وقد تكررت هذه المطالب بصيغ مختلفة بدءاً من "هل من مانع في أن يساعد أمن المقاومة على وقف الاغتيالات"، نسأل السيد نصر الله أن يساعدنا في إقفال 80 معبراً على الحدود، وإزالة السلاح خارج المخيمات"، "إذا كان لديه بعض المونة على نظام بشار الأسد أن يعمل لوقف الاغتيالات"، "نحن لا نربح أحد الجميل، ولكن يحق لنا بعد أن خدمنا المقاومة أن يتم مشاركتنا في موقفنا في موضوع الاغتيالات"!‏‏

استهجان اللبنانيين لم يقتصر على توصيف العدو والصديق بالنسبة لجنبلاط، إنما تعداه إلى مواقفه المسبقة من المبادرة السعودية ـ المصرية للتهدئة بين بيروت ودمشق، واعتبارها "ورقة سورية" في الوقت الذي يندفع فيه إلى تأييد المواقف الأميركية ـ الفرنسية والتناغم معها حتى ولو كانت على حساب لبنان واستقراره واستقرار المنطقة، ونفيه علمه بوجود مثل هكذا مبادرة على الرغم من التسريبات الإعلامية بداية بوجود مثل هذه المبادرة، وأن العاهل السعودي خطها بيده، وحديث وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل للـ"فايننشال تايمز" عنها، وإعطائها عنوان الصفقة للانقضاض عليها. هذه المواقف وهذا الأداء أثار استياء الرياض، وعبر الأمير طلال بن عبد العزيز عنه صراحة موجهاً كلامه للساكنين في الجبال كي يصمتوا.‏‏

والغريب في الأمر أن جنبلاط الذي عرف براداره القوي أوقع نفسه في مأزق التسرع الذي يفرض عليه فيما بعد التراجع أو البقاء مكانه في الوقت الذي يتقدم حلفاؤه باتجاه هذه المبادرة وتقبلها، وقد عبر عن هذا القبول رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري.‏‏

ومن المفارقات اللافتة في حديث جنبلاط تطرقه إلى الحديث على الأحلاف الممتدة من بيروت إلى دمشق فطهران ليضع نفسه مباشرة في خانة الحلف الآخر ويتخندق معه متبنياً طروحاته التقسيمية والتفتيتية، بينما كان بالأمس ينتقد الفوضى الخلاقة التي تتبناها الإدارة الأميركية!‏‏

وتوج جنبلاط حديثه بالتطرق إلى نفي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمحرقة معلناً تبنيه لهذه الأسطورة من حيث يدري أو لا يدري، وحديثه عن الإسلام المتطرف والمسيحية المتطرفة ليأخذ هو "خط التسوية" مع ما يحمله هذا الأمر من معانٍ ودلالات خطيرة!‏‏

لم يوفق جنبلاط في حديثه الشامل عن الأزمة والخلاف مع حزب الله، وهو إذ اختار "خط التسوية" واعتماد الحديث الهادئ إلا أنه عبر عن عدم استعداده للقاء السيد نصر الله، معتبراً أن الحكومة هي المكان الوحيد للحوار في الوقت الذي لم يقف السيد نصرالله ضد هذا الاحتمال على الرغم من قساوة مواقف جنبلاط ضد المقاومة وسلاحها!‏‏

سعد حميه‏‏

العدد 1146 ـ 27/1/2006‏

2006-10-30