ارشيف من : 2005-2008
الأسرى المحررون وعوائل الذين ما زالوا في الأسر في "يوم الحرية":الأسرى داخل سجونهم أكثر حرية من "أسرى" وهم المعادلات والتغييرات
يوم تترنح الثوابت تجدهم ملتزمين بالثوابت.. ويوم يبدأ التساؤل عن هوية العدو كما يحدث هذه الأيام، يرشدونك الى العدو الحقيقي.. ويوم يبدأ التشكيك في المقاومة تجدهم يتمسكون بها معلنين الدعم المطلق لها.. ويوم تضيع في متاهة البحث عن الحرية تجد معانيها في كل كلمة يرددونها، لأنهم يعيشونها حقيقة وواقعاً، ويتنشقون نسيمها خارج زنازين العدو.
من يعرف طعم الحرية الحقيقية أكثر من الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي، وأكثر من الأحرار الحقيقيين الذين تحرروا حتى في سجونهم من كل القيود، ليحلقوا بأرواحهم في رحاب الحرية قاهرين سجن الحياة والمصالح الضيقة والآنية التي تسجن الكثيرين في وهم تغير المعادلات وما نتج عنها من انقلاب على الثوابت البديهية، عندما يتحدثون عن الحرية ويشككون في المقاومة.
كنت جالسة أعد الأسئلة لمقابلة عدد من الأسرى المحررين وعوائل الأسرى الذين لا يزالون في سجون الاحتلال لمناسبة يوم "الحرية"، عندما رنّ الهاتف.. أجبت، فإذا بإحدى زميلات الدراسة ممن لم أرَ منذ مدة طويلة على الخط.. سألتني عن أحوالي وعملي، أجبتها بأني أحضر لتحقيق عن الأسرى، فإذا بها تبادرني بالقول: "بعدكن عم تكتبوا عن هالمواضيع!"..
عذراً عميد الأسرى سمير القنطار، عذراً نسيم نسر، عذراً يحيى سكاف، عذراً الشيخ عبد الكريم عبيد، عذراً الحاج مصطفى الديراني، عذراً ميخائيل نهرا، عذراً أنور ياسين، عذراً الى كل الأسرى والمحررين.. يبدو أن قضاياكم وتضحياتكم ومعاناتكم أصبحت "بالية" بالنسبة الى البعض ممن يقوم بعملية "تحديث" لذهنه وأفكاره يومياً وفقاً لبرامج هي على الأغلب مستوردة، تحاول جاهدة محو الذاكرة، وكأن لم يكن هناك معاناة ولا عذابات أو جراحات ما زالت مستمرة! وكأنه لم يعد هناك معتقلون وأسرى في سجون الاحتلال! وكأنه لم يعد هناك قضية!..
في 29 كانون الثاني/ يناير 2004، المقاومة الإسلامية تعيد في عملية تبادل عدداً من الأسرى
اللبنانيين والعرب، وعدداً من رفات الشهداء في يوم أصبح يوماً للحرية.
29 كانون الثاني/ يناير 2006، أي بعد سنتين على هذا الإنجاز الكبير، دعوات الى نزع سلاح
المقاومة وتشكيك فيها.
مكافأة تبدو غريبة نوعاً ما!!! في كل الأحوال، من قال إن المقاومة تحتاج إلى مكافأة؟ وإذا كانت فعلاً تحتاج الى مكافأة فقد حصلت عليها يوم كتب سمير القنطار من زنزانته في معتقل "هداريم" الصهيوني: "إنني أؤكد أن سلاح المقاومة وحزب الله خط أحمر".. ويوم قال وهو بين فكّي عدو شرس مؤمناً بقضيته: "أجدد تأكيد ضرورة التمسك بثوابتنا الوطنية التي أساسها عروبة ووحدة وديمقراطية لبنان، واستمرار مقاومته للمشروع الصهيوني للمنطقة".
لقد نالت المقاومة مكافأتها يوم تحدى نسيم نسر سجانه ليقول: "لا خيار لشعبنا اللبناني سوى المقاومة وسلاحها".
داخل سجون العدو أسرى يؤكدون التمسك بالمقاومة، وخارجها عوائل الأسرى يدافعون عن أملهم الوحيد لاستعادة أبنائهم وحماية وطنهم.
يقول جمال سكاف شقيق الأسير يحيى سكاف معلقاً على كل ما يتردد من كلام حول نزع سلاح المقاومة والتشكيك في وطنيتها: "إننا نشعر بأن هذا الكلام هو بمثابة طعنة لنا في ظهرنا، وهو يعنينا شخصياً، لأن المقاومة هي أملنا الوحيد، وهي التي أعادت لهذه الأمة مجدها، ليس فقط للبنان، بل للأمة العربية كلها". مضيفاً: "إن كل المحاولات مع الصليب الأحمر الدولي لمعرفة شيء عن يحيى لم توصل الى نتيجة حول وضعه، علماً بأن كل الوثائق تؤكد وجوده في سجون الاحتلال".
وإذ أعرب جمال سكاف عن تأثره العميق بما قدمته المقاومة من شهداء في عملية الغجر الأخيرة في سبيل انتزاع حرية الأسرى، طمأن شقيقه يحيى أينما كان في سجون العدو الإسرائيلي، الى أن قضيته التي كانت على الدوام قضية أهله وأصدقائه هي أيضاً قضية من هو مِن "أنبل بني البشر"، قاصداً بذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
سكاف يستغرب عدم فهم البعض مفهوم الحرية ويتابع: "يتحدثون عن الحرية! عن أي حرية؟ يتحدثون والأسرى لا يزالون في سجون الاحتلال الإسرائيلي؟ عن أي حرية يتحدثون وطائرات العدو تخرق الأجواء اللبنانية كلما طاب لها ذلك، وزوارق الإسرائيلي تنتهك مياهنا الإقليمية؟
وإلى جانب جمال سكاف جلس شقيق الأسير نسيم نسر عمران، الذي أكد "أن يوم الحرية لم يأتِ على طبق من فضة، بل كان حصيلة تضحيات ودماء ودموع ومرارات وعذابات، لذلك فإن المقاومة ضرورة وضمانة لاستعادة حريتنا وحرية أسرانا وحرية أرضنا، هذه الأرض التي لا تزال محتلة".
واستغرب عمران نسر كلام الكثير من الجهات عن الحرية والسيادة والاستقلال، فيما لم تقدم هي أي تضحية في سبيل قضية لبنان وتحرير الجنوب! معتبراً أن "الطرق الدبلوماسية لا يمكنها أن تعيد الأسرى"، مطالباً "الحكومة (مع ما تملك من علاقات واتصالات) باتخاذ خطوات أكثر عملية للتعاطي مع قضية المعتقلين بعدما اقتصر اهتمامها على بند في البيان الوزاري لم يتحقق منه الكثير".
يترك الحديث مع جمال سكاف وعمران نسر وبسام القنطار شقيق عميد الأسرى، انطباعاً فيه الكثير من الطمأنينة والأمل برغم ألم القضية، فهم دائماً في حالة ترقب لما يحدث، وعيونهم شاخصة نحو الثغور، نحو عملية أسر لجنود إسرائيليين لاستعادة الأسرى المعتقلين، ومن يمكنه فعل ذلك غير المقاومة وسلاحها؟..
في أجواء يوم الحرية، سرقت الأوضاع والتطورات الحاصلة والدعوات الى نزع سلاح المقاومة أو حتى النقاش حوله، من المحررين فرحة هذه الذكرى، ليحل مكانها قلق وصدمة مما يطرح.. فهم يعودون بالذاكرة سنتين إلى الوراء، يتذكرون مشهد الاستقبال وحجمه، يتمنون لو أن من يطرح مثل هذه الأفكار يعود بالأحداث إلى ذلك المشهد، إلى ما حققته المقاومة، عله يعيد النظر في مواقفه.
الأسير المحرر مصطفى حمود وفي سياق حديثه عن الأسر يقول: "كانت لدينا قناعة بأننا سنخرج".. تسأله عن مصدر هذه القناعة والثقة، يجيب: "إيماننا بالله واتكالنا عليه، وإيماننا بإخوتنا المجاهدين الذين استشهدوا من أجل حريتنا". يستطرد قائلاً: "عدد الذين استشهدوا من أجل إطلاقنا فاق عددنا بكثير".
تحرر حمود في عملية التبادل الأخيرة منذ سنتين، إلا أن سنوات الأسر الطويلة والقضية التي ناضل من أجلها لا تزال ماثلة أمامه، تجعله أكثر من غيره مصدوماً من بعض المواقف التي تطلق، فهو يعتبر أن هذه المواقف تمسه والأسرى المعتقلين بشكل مباشر، وهم الذين يدركون يقيناً أنه لا يمكن إطلاق أسير إلا بعملية تبادل.
مصطفى حمود يضحك رغماً عنه من تفسير البعض لمفهوم "الحرية"، ويقارن بين مواقف أسرى داخل زنازين افرادية يخضعون لشتى أنواع التعذيب، ومواقف بعض من هم خارج الأسر ممن اختلطت عليهم المفاهيم، ويخلص الى ان "الأسرى داخل السجن هم أكثر حرية من هؤلاء الذين هم أسيرو أنفسهم وأهوائهم".
الأسرى المحررون هم في مواقفهم وجوه لعملة واحدة، عملة الوطنية والتضحية والحرص على تحقيق الحرية الحقيقية، لذلك لم تختلف مواقف الأسير المحرر حسن العنقوني عن مواقف مصطفى حمود. فالعنقوني اعتبر ان الدولة لم تضع قضية الأسرى يوما في أولوياتها، وهي تخلت عنهم بعد تحريرهم على صعيد الخدمات الاجتماعية. وقال: "من يتجرأ على سلاح المقاومة هو خائن لوطنه، وخائن لنا نحن الأسرى كجزء من هذا الوطن".
ووصف الحرية بأنها ليست الارتماء في أحضان الأميركي او الغربي من أجل الحصول على بعض الدولارات، بل إنها العيش بكرامة.. وأكد استمراره في الخط الجهادي نفسه ولو كلفه ذلك "25 سنة جديدة من الأسر".
من جهته الأسير المحرر فادي الجزار قال: "أنا لا أشعر بالإهانة لي فقط من خلال بعض المواقف المشبوهة، ولكن أشعر بإهانة للأسرى المعتقلين وأهاليهم، وللشهداء وعوائلهم". ويدعو الجزار "الحكومة التي لم تتعاطَ بالمستوى المطلوب مع اختطاف الصياد اللبناني محمد فران، "إلى أن تنظر للقرار 1559 على أنه قرار جائر بحق المقاومة التي قدمت الكثير من أجل كل لبناني، وليس لفئة معينة".
إذا كان دور المقاومة انتهى بالنسبة الى البعض، فبالتأكيد هو لم ينتهِ بالنسبة الى سمير ويحيى ونسيم، ولم ينتهِ بالنسبة الى بسام وجمال وعمران، وبالتأكيد لم ينتهِ بالنسبة الى أم سمير وأم نسيم وأم يحيى التي وإن رحلت قبل رؤية ولدها، لكنها رحلت وهي تحمل صورتين في قلبها: صورة يحيى وصورة قائد المقاومة.
"بعدكن عم تحكوا بهالمواضيع"؟! نعم.. وسنظل نحكي، لأن البعض ممن نسي يحتاج إلى من ينعش ذاكرته، "فذكّر إن نفعت الذكرى".
ميساء شديد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأسير نسيم نسر: بطل مقاوم من لبنان
حين أجرى ذلك الاتصال كان يعلم مفاعيله، إلا أن ذلك لم يردع الأسير نسيم نسر عن توجيه رسالة تحدّ من داخل سجنه، يؤكد فيها التمسك بالمقاومة خيارا وحيدا لتحرير الأسرى. أجرى ذلك الحديث مع إذاعة "النور" ثم ما لبث أن وُضع في سجن انفرادي، حيث الظلمة والعزلة وشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.
وبعد ذلك لا أخبار جديدة حسبما يقول رئيس "الجمعية اللبنانية للأسرى المحررين" الشيخ عطاالله حمود.. لكن آخر الأخبار تقول إنه لا يزال في زنزانة انفرادية، وإن إدارة السجن تستخدم ذلك لقتله نفسياً ومعنوياً".
أضاف حمود: "الجمعية أثارت الموضوع لدى الرأي العام العالمي، واتصلت قبل 10 أيام بالصليب الأحمر الدولي لإرسال لجنة فورية للكشف عن مصيره وإخبار أهله وطمأنتهم، إلا أن أهله والجمعية لم يتلقوا أي رد حتى الآن".
نسيم نسر متأثر بشخصية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، كما يقول عنه حمود: "إنه يتمتع بصلابة وإرادة أبطال حقيقيين"، محكوم بالسجن ست سنوات بتهمة التجسس لمصلحة المقاومة. تعرض للكثير من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وتخلى عن جنسيته الإسرائيلية التي أخذها لغاية تأدية واجبه الجهادي، ولم تسقط عنه كما روّج العدو الإسرائيلي الذي يمارس الضغوط عليه من خلال زوجته وأولاده، إلا أن ذلك لم يثن يوماً نسر عن الجهر بمواقفه الداعمة للمقاومة.
لم يسلم أولاد نسيم نسر المحرومين من لقاء والدهم من الضغوط الإسرائيلية، فهم يشار اليهم بالأصابع على أنهم "أولاد الإرهابي"، لكنهم يدركون تماماً ان والدهم "بطل مقاوم من لبنان".
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/ فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018