ارشيف من : 2005-2008
عودة وزراء حزب الله وأمل …وتصدع الموالاة؟
انتهاء الأزمة الحكومية بالشكل الذي جرى وعودة وزراء حزب الله وحركة أمل لحضور جلسات مجلس الوزراء بعد الاعتكاف الذي استمر سبعة أسابيع، شكل خلطاً جديداً للأوراق السياسية على الساحة المحلية، وهو اذا كان محل تقويم من قبل بعض الأوساط حول الأهداف التي حققها خلال تعليق العضوية ثم العودة، فإنه لاقى ارتياحاً شعبياً ورسمياً عاماً برغم بعض الأصوات السياسية "النشاز" التي أعربت عن انزعاجها لحصوله كونه يتعارض مع مخططاتها وبرامجها لهذه المرحلة المرتبطة بمخططات خارجية واضحة عبرت عن رفضها لوجود حزب الله في الحكومة، وكان واضحاً الموقف الاميركي في هذا الاطار.
تساؤلات عديدة طرحت عما حققه حزب الله وحركة أمل من قضية الاعتكاف، وهل ان التسوية التي اعادت الوزراء لبت مطالبهم، وما هو انعكاس هذه العودة على الأكثرية الوزارية بعدما تبين أن المعالجات تمحورت بين حزب الله وأمل من جهة وتيار المستقبل من جهة ثانية، وهو ما جعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع يتفاجآن ويعربان عن انزعاجهما مما حصل.
عودة وزراء حزب الله وحركة أمل الى الحكومة جاءت بعد صولات وجولات من المشاورات العلنية والسرية، وهي اذا كانت عُرقلت ثلاث مرات من قبل الثنائي جنبلاط ـ جعجع على مدى أسابيع، فإن المساعي التي تواصلت بعد ذلك جعلت الأمور تصل الى خواتيمها، والتي أخرجت في الجلسة العامة لمجلس النواب يوم الخميس الماضي من خلال الكلمة التي قدمها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رداً على مداخلة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمّار حول استشهاد أحد أبناء شبعا ابراهيم رحيّل برصاص الاحتلال، وقد جاءت كلمة الرئيس السنيورة واضحة في مضمونها والتي أكد فيها "اننا لم ولن نسمي المقاومة الا باسمها، وهي مقاومة وطنية لبنانية". وعلى الفور كان تشاور بين قيادتي حزب الله وحركة أمل حول مضمون كلمة السنيورة، واتخذتا بعد ذلك القرار بإنهاء الاعتكاف وعودة الوزراء الخمسة لحضور جلسات مجلس الوزراء، وهو ما أعلن عنه في المؤتمر الصحفي المشترك بين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل والنائب في حركة أمل علي حسن خليل، في مقر الوحدة الاعلامية لحزب الله في حارة حريك.
وفي قراءة للأوساط المتابعة لما حققه حزب الله وأمل من الاعتكاف ثم العودة الى مجلس الوزراء تسجل العديد من الأهداف التي جرى تحقيقها لمصلحة رؤيتهما السياسية ومصلحة البلاد.
أولاً: استطاع الطرفان بقرار الاعتكاف تعطيل العديد من الألغام السياسية التي كانت أطراف خارجية وداخلية تريد ايقاع البلاد في شركها، ومنها تحويل التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عن جادته القضائية وتوظيفه في تصفية حسابات سياسية، وفي هذا السياق عادت مسألة التشاور بشأن المحكمة الدولية الى المربع الأول الذي كان حزب الله يطالب بحصوله عبر اعداد صيغة واضحة تزيل هواجس التدويل الذي يسهل استغلاله من قبل المشروع الاميركي الصهيوني للانقضاض على لبنان عبر استغلال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ثانياً: ثبت للقاصي والداني ان الحكومة بدت عاجزة بشكل كامل عن ادارة شؤون البلاد واتخاذ قرارات أساسية بغياب قوتين اساسيتين، وعليه كانت الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء في السراي الكبير "أشبه بجلسات لجان وزارية" وليس جلسات للحكومة، لانها لم تبت في أي قضية اساسية خلال سبعة أسابيع.
ثالثاً: تمكن حزب الله وحركة أمل من اعادة تثبيت مبدأ التفاهم حول القرارات الأساسية قبل احالتها الى مجلس الوزراء، وهو أمر حسّاس بات الطرف الآخر يعرف الثمن الذي سيكلفه في حال أقدم على تجاوزه مستقبلاً لأنه شاهد بأم العين خسائره السياسية وغيرها في حال حصل هذا الأمر.
رابعاً: استطاع حزب الله وحركة أمل اعادة الاعتبار لما تضمنه البيان الوزاري حول حماية المقاومة وأحقيتها في تحرير باقي الأراضي المحتلة، وردع العدوان الصهيوني، وأزال الهواجس بشأن ما تضمنه تقرير تيري رود لارسن من أن رئيس الحكومة اعطى تعهدات بتطبيق باقي بنود القرار 1559، وهذه الهواجس انتهى مفعولها مع الكلمة التي ألقاها الرئيس السنيورة أمام المجلس النيابي باسم الحكومة.
خامساً: عاد وزراء حزب الله وحركة أمل بالتزامن مع رسم خريطة سياسية جديدة كانت أهم معالمها "وفاة" التحالف الرباعي بين الحزب والحركة والمستقبل والاشتراكي حيث نعاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بعدما تنكّر لوجوده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
سادساً: شكّلت عودة وزراء حزب الله وأمل الى الحكومة وبالشروط التي حصلت صفعة قوية للولايات المتحدة الاميركية التي همست بداية بأنها ترغب بعدم بقاء حزب الله في الحكومة، ثم جاهرت بهذا الموقف عبر تصريحات ديفيد ولش الذي زعم أن حزب الله منظمة إرهابية.
في مقابل هذا ما هي المعطيات التي دفعت تيار المستقبل الى حسم خياره وتجاوز العراقيل التي كان يضعها الثنائي جنبلاط ـ جعجع امام عودة وزراء حزب الله وحركة أمل الى الحكومة؟
تعدد الأوساط السياسية بعضاً من هذه المعطيات منها أولاً: يعتبر تيار المستقبل الطرف الأساسي في الحكومة، وتترتب عليه مسؤوليات كبيرة في ادارة البلاد، وهو لا يستطيع الاستمرار وسط حالة الشلل التي تضرب البلاد، ما يؤثر سلباً على شعبيته وطروحاته السياسية.
ثانياً: هناك العديد من القضايا الأساسية التي يحتاج فيها تيار المستقبل الى اعتماد مبدأ التوافق للسير بها وصولاً الى نجاحها، ويأتي في مقدمة هذه القضايا مسألة انعقاد مؤتمر "بيروت واحد"، وضرورة اعداد ورقة تلقى موافقة جميع القوى السياسية، وهذا ما كان ليتم لو بقي وزراء حزب الله وحركة أمل معتكفين.
ثالثاً: استثمر تيار المستقبل فرصة اخفاق الادارة الاميركية في تنفيذ القرار 1559 وإرجاء الأمر الى أجل غير مسمى، وظهر هذا الأمر في تصريح النائب سعد الحريري في واشنطن حيث نقل عن المسؤولين الاميركيين ان هذا القرار سيكون محل حوار بين اللبنانيين، وهذا فتح الباب لتوضيح الموقف حول قضية المقاومة.
تجاذبات الأكثرية
عودة وزراء حزب الله وحركة أمل الى الحكومة بالطريقة التي تمت والتي اقتصرت على المشاورات بين الفريقين من جهة، وتيار المستقبل من جهة ثانية، أزعجت الى حد كبير النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، وقد عبرا عن هذا الانزعاج في مواقف عدة صدرت عنهما وعن المقربين منهما، وقد احدث هذا الأمر نوعاً من التجاذب داخل صفوف الأكثرية، وامتدت هذه التجاذبات الى ملفات أخرى، وفي هذا السياق لا تستبعد بعض الأوساط المطلعة أن يكون اصرار جعجع وجنبلاط على اقالة وزير الداخلية حسن السبع على خلفية ما حدث في الأشرفية كرد على الطريقة التي تعاطى بها تيار المستقبل مع ملف عودة وزراء حزب الله وحركة أمل الى الحكومة، وتشير هذه الأوساط الى أن هذا الشرخ بين قوى الرابع عشر من آذار لم يعد خافياً، وقد تجلى أيضاً بمغادرة عضو كتلة تيار المستقبل النائب وليد عيدو اجتماع قوى الرابع عشر من آذار الذي عقد في منزل جنبلاط في كليمنصو احتجاجاً على مضمون البيان الذي صدر فيما بعد. وانجلت الصورة أكثر في الموقف الصريح الذي أعلنه وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت والذي نفى فيه ما ورد في بيان قوى الرابع عشر من آذار عن دخول اصوليين اردنيين الى الشمال، ووجود معسكرات تدريب لما يسمى الأصوليين في العديد من مناطق الشمال.
في مجمل الصورة السياسية فإن الخريطة السياسية في البلاد تسير نحو تبدلات جذرية ستختلط معها موازين القوى، وقد تبدى ذلك "بوفاة" التحالف الرباعي. والذي أعقبه لقاء تاريخي بين الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وقائد التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، واعلان وثيقة تفاهم بالغة الأهمية، هذا فيما تعيش قوى الرابع عشر من آذار أزمة حقيقية لأسباب عدة ليس أهمها رمي فشلها الذريع في ادارة شؤون البلاد على سوريا، وهو ما لم يعد ينطلي على السواد الأعظم من اللبنانيين.
هلال السلمان
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1148 ـ 10 شباط/فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018