ارشيف من :آراء وتحليلات

إعلام 14 آذار ورواية زيارة الوفد الأميركي

إعلام 14 آذار ورواية زيارة الوفد الأميركي

بثينة عليق

يبدو واضحاًً لأيّ متابعٍ للإعلام الناطق باسم قوى الرابع عشر من آذار، حرص هذا الإعلام على إنتاج روايات سردية حول احداث مختلقة وتكرارها لمنحها ان لم يكن صدقية فطغياناًً.

تجربة الروايات السردية هذه ليست لبنانية المنشأ، فقد اشتُهرهذا الأسلوب في الغرب عموماً وفي الولايات المتحدة الاميركية خصوصاًً، حيث يحفل سجل الاعلام الأميركي بأدوار مشبوهة لمؤسسات اعلامية ولصحفيين اختلقوا احداثاًً وزوّروا وقائع وضلّلوا الرأي العام. لسنا في صدد تفصيل هذه الوقائع لكن يكفي التذكير برواية السلاح النووي التي أسسّت لغزو العراق ورواية نشر الديمقراطية فيه التي استخدمت لتبرير الاحتلال واستمراره.

في لبنان ومنذ العام 2005 يروّج إعلام 14 آذار لمجموعة قضايا وملفات وحتى افكار، يتم تناولها من مختلف الزوايا وبوتيرة منتظمة مع حرصٍ شديد على الحضور شبه اليومي وعدم الغياب عن المشهد الاعلامي. ويلاحظ لجوء القيّمين على هذا الإعلام الى توزيع أدوار بين الاعلاميين فيتخصّص كلّ منهم بملف معين أو موضوع محدد يتابع تفاصيله ويكرّره ويضيف عليه، ودائماً على قاعدة الرواية السردية.

على رأس قائمة المواضيع: استهداف سلاح المقاومة وقيادتها وجمهورها وثقافتها وقيمها وصولاً الى "شيطنتها" في ذهن الرأي العام اللبناني والعربي والعالمي، مقابل ذلك يجهد هذا الاعلام للترويج للمشروع الاميركي وتبييض صورة الولايات المتحدة الاميركية ودورها خاصةً في لبنان.

وقد شكّلت الاتفاقية الأمنية بين السفارة الاميركية وقوى الامن الداخلي مادة في هذا المجال، حيث جهدت الماكينة الاعلامية للفريق الاعلامي اللبناني الاميركي في الدفاع عن هذه الاتفاقية من خلال الرفض التام لكل الملاحظات التي قدّمت والتبرير المستمر لبنودها المشبوهة.

وزيارة وفد السفارة الاميركية الى الحدود اللبنانية السورية لا تخرج عن هذا السياق، فقد طالعتنا الإعلامية روزانا بو منصف، في مقالتها في صحيفة النهار بتاريخ 1 أيار 2010، بسلسلة معطيات أرادت من خلال عرضها إقناع الرأي العام بسلسلة أفكار تقدّمها على أنها حقائق وبديهيات.

فروزانا بو منصف تريد اقناعنا بأن الزيارة "هي جزء من برنامج المساعدات التي تقدمها السفارة الاميركية والقائم منذ العام 2006 "، وأن السفارة الاميركية "أبلغت المسؤولين المعنيين عبر مراسلات خطية". ومما جاء في هذه المراسلات "أن وفدا من مكتب الامن الديبلوماسي ومكتب المساعدة على مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية يريد استطلاع فاعلية المساعدة على مكافحة الارهاب والتدريب والمساعدة المقدمين للبنان في هذا المجال". كما "ستتم مناقشة برنامج التدريب المرجو بما تعنيه من ادارة ازمات وتحقيقات، تحليل التهديدات، مراقبة الحدود وأمن الطيران، وردود الفعل الدقيقة على الاحداث".

بعد استعراض مضامين المراسلات تجزم الكاتبة ان "برنامج المساعدات هو للبنان ولمصلحته على نحو كلي". أما اعتراض الحكومة اللبنانية "فسيرتدّ على لبنان بالعمق، إذ ان اجتماع اللجان في الكونغرس الاميركي التي تبتّ بأمور المساعدات يمكن ان تثير تساؤلات حول جدوى تقديم هذه المساعدات للبنان".

وتقرع بو منصف جرس الهلع لان الامر "قد يؤدي الى إعادة نظر عميقة قد لا يتحمل لبنان انعكاساتها خصوصاً متى لم تقف عند حدود دولة محددة لتطال دولا اخرى تشكك في صدقية الدولة اللبنانية".

ويغيب عن اعلامية بمستوى بو منصف تكتب في صحيفة بمستوى النهار أنّ المساعدات مهما كان حجمها، وحتى لو فاقت المبالغ الزهيدة التي تنصّ عليها الاتفاقية الامنية، لا تبرر لأي جهة رسمية في لبنان التوقيع على اتفاقيات تصنف نصف اللبنانيين بين ارهابيين او داعمين للارهاب وتشترط عدم استفادة هذا "النصف" من هذه المساعدات.

هل تريد روزانا بو منصف من اللبنانيين اقامة مجالس العزاء تحسراًً على مبلغ الـ50 مليون دولار الذي يمكن للكونغرس بعد اعلانه الغضب على لبنان حرماننا منه؟ وهل غاب عن الكاتبة ان نصف المبلغ المنصوص عليه في الاتفاقية يذهب اجوراًً للمدربين الاميركيين ضمن بند كلفة التدريب؟

وبعد أليس من الأجدى لسمعة لبنان التي تبدو اولوية لدى الكاتبة ان تتخلى هذه الدولة عن منطق التسوّل فتكفّ عن رهن مصيرها الامني لأميركا حيناً والامارات العربية والمانيا والدانمرك حيناً آخر للحصول، ليس على السلاح النووي لا سمح الله، إنما على سيارات ودراجات نارية وكلابشات؟

وهل اعتراض لبنان على بند "عدم استخدام معدات من قبل اي شخص له علاقة باشخاص ينتمون الى منظمات تصنفها واشنطن ارهابية" سيحرج الدولة اللبنانية الى اقصى الحدود في الداخل والخارج بحسب تعبير بو منصف؟

ألا يحرج الدولة اللبنانية السماح للاميركيين او لغيرهم القيام ساعة يشاؤون بزيارة أماكن حساسة أمنياً بحجة تفقد سيارة او جهاز او معدات للتأكد من وجهة استخدامها؟

وأكثر من ذلك هل نسيت بو منصف ما قاله وكتبه إعلام 14 آذار حول حادثة كاميرا المطار التي ادت الى قرارات 5 ايار الشهيرة وما تم تدبيجه حول خطر الكاميرا المزعومة على السيادة والحرية والاستقلال؟

أسئلة لا يمكن إلا أن تطرح عند قراءة مقالة الزميلة روزانا بو منصف التي ان كانت تعلم الإجابات فتلك مصيبة، وان لم تكن تعلم فالمصيبة أعظم.



2010-05-03