ارشيف من : 2005-2008

القوات وحلفاؤها والتوافق المفروض في بعبدا ـ عاليه:انسحاب من معركة كشف حقيقة الأكثرية الوهمية

القوات وحلفاؤها والتوافق المفروض في بعبدا ـ عاليه:انسحاب من معركة كشف حقيقة الأكثرية الوهمية

انتهت معركة الانتخابات الفرعية في دائرة بعبدا ـ عاليه لملء المقعد الماروني الشاغر بوفاة النائب إدمون نعيم قبل أن تبدأ بعد "التوافق" على النائب السابق بيار دكاش الذي طرحه رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون كمرشح توافقي.. ومع ذلك لم تستحِ قوى الرابع عشر من شباط من إعلان "انتصار" لها يمهد الطريق لانتصارات أخرى كما يرى النائب وليد جنبلاط وحليفه سمير جعجع، فيما يرى معظم المتابعين والمراقبين أن ما حصل في بعبدا ـ عاليه هو هزيمة أو انسحاب من المعركة قبل حدوثها نتيجة موازين القوى التي لم تكن في حال من الأحوال لمصلحة "القوات" وحلفائها.‏

حاولت قوى الرابع عشر من شباط تظهير ما حصل من توافق في بعبدا ـ عاليه على أنه انتصار لها، لا بل أكثر من ذلك، جهدت لتبرير مخرج مشرف لها يحفظ ماء وجهها ويغطي عملية الانسحاب من المعركة قبل حدوثها على أنه استجابة لرغبات بكركي تارة واستجابة لرغبة الناخبين في القضاءين تارة أخرى.‏

ولعل العبارات خانت جعجع عند إعلانه التوافق، إذ إنه أقر بأنه خسر مقعداً، و"أن عملية التوافق والخوض فيها كان صعباً جداً لأن الخيارات معدومة جداً". واستدرك: "لذلك قررنا التوافق بسبب وجودنا في صميم معركة رئاسية ستغير وجه البلد بكامله".‏

لكن هذا الاستدراك نسف تصريحاً سابقاً للرجل وضع فيه معركة بعبدا ـ عاليه في إطار معركة استراتيجية يجب أن تخاض وقال: "هناك اعتبارات كثيرة تجعلنا نقرر خوض المعركة.. ستكون معركة على خيارات سياسية كبيرة جداً حتى على المستوى الاستراتيجي وتطال بنتائجها الصراع الدولي الذي يدور في المنطقة"!..‏

هذا التضارب في التبريرات وإسقاط العناوين الكبيرة على ملء مقعد نيابي شاغر، ثم الهروب من "معركة" خاسرة سلفاً إلى معركة أخرى مماثلة (إسقاط رئيس الجمهورية)، يؤكد المأزق السياسي الذي تعيشه هذه القوى وتخبطها، فضلاً عن انعدام وزنها.‏

مصادر متابعة أشارت إلى أن تكبير الحجر وإسقاط العناوين الكبيرة ليس إلا ساتراً لتغطية الانسحاب من المعركة وقنابل دخانية لستر الانكفاء، خصوصاً أن هذه القوى ألغت من قاموسها مواجهة العماد عون، وهي لذلك اجتهدت في تقديم المخارج والتبريرات.‏

وتابعت المصادر: إن المعطيات التسلسلية للوضع الانتخابي في بعبدا ـ عاليه بدءاً من ترشيح مي شدياق ثم الحديث عن المعركة ورفض المرشح بيار دكاش بداية، وإدراك أهمية الصوت الشيعي وقدرته الترجيحية ومشهد الانتخابات الأخيرة، وتغيير خريطة التحالفات التي تكرست بصورة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر الجنرال عون في كنيسة مار مخايل وتوقيع الوثيقة، كل هذه الأمور وضعت اللمسات الأخيرة على مشهد التوافق على النائب السابق دكاش الذي ترشح في الانتخابات الأخيرة على لائحة الجنرال عون، وسبق له أن ترشح على لائحة حزب الله في الدورة الانتخابية عام 96.‏

ما تقدم من معطيات سياسية فرضت التوافق على قوى 14 شباط، يقرأه رئيس مركز بيروت للدراسات عبدو سعد بلغة الأرقام والتحليل العلمي فيقول: "ما حصل ليس بتوافق، وإن كان يبدو ظاهرياً كذلك.. إنه انسحاب قوى 14 آذار من المعركة"، فالتوافق يعني تلاقي بين طرفين على شيء مشترك، وأقصى ما كانت تطمح اليه القوات اللبنانية هو أن يقبل الجنرال عون بالنقيب شكيب قرطباوي الذي هو أقرب إلى التيار الوطني الحر أكثر من بيار دكاش، وكل ذلك من أجل تبديل الاسم فقط لتسهيل تقديم "التخريجة" كأنها توافق، ولكن ذلك لم يحصل.‏

ويشير سعد إلى أن "القوات" اضطرت للقبول بالتوافق بعد الاستطلاع الذي أجرته في دائرة بعبدا عاليه في 4 شباط الحالي، وأظهر تقدماً كبيرا للمرشح المدعوم من التيار الوطني الحر. يضاف إلى ذلك الاستطلاع الذي أجري ما بين 8 و10 شباط عقب اجتماع السيد نصر الله والعماد عون، حيث أظهرت نتائجه أن أكثر من 77% من المسيحيين يؤيدون هذا اللقاء، وبالتأكيد هذا لا يعني أن كل الذين أيدوا هذا الاتفاق هم من أنصار العماد عون، وهذا يشير إلى ضعف إمكانية الترشح ضد التيار الوطني الحر".‏

وأضاف: "برغم أننا كنا بحاجة إلى استطلاع رأي جديد خصوصاً بعد تظاهرة 14 شباط والمواقف التي أعلنت خلالها، وبعد خطاب السيد حسن نصر الله في ذكرى 16 شباط، إلا أنه من المرجح أنه قد يكون تحقق توازن في التفاعل مع الحدثين، وبالتالي أعتقد أن المزاج الشعبي لم يتغير بشكل جدي لتاريخه، لذلك فإن القوات اللبنانية كانت تدرك صعوبة الفوز حتى لا نقول بشبه الاستحالة في ظل المزاج الشعبي الذي كان سائداً".‏

ويخلص رئيس مركز بيروت للأبحاث والمعلومات إلى أن القوات كانت أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بدكاش وإما الذهاب الى المعركة، فكان الخيار الأول عبر الحل التوافقي الذي يجنبها خوض معركة، خصوصاً أنها أمام استحقاق كبير هو الدعوة إلى إسقاط الرئيس لحود، وهذا الأمر يحتاج إلى شرعية مسيحية شعبية، والخوض في معركة كهذه سوف يكشف حقيقة 14 آذار في منطقة بعبدا ـ عاليه التي يقع فيها قصر بعبدا.‏

سعد حميّه‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1150 ـ 24 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30