ارشيف من : 2005-2008

كرنفال 14 شباط الخطابي:أي "لبنان أولاً" يريدون؟

كرنفال 14 شباط الخطابي:أي "لبنان أولاً" يريدون؟

هل نحن أمام ارتسام كامل لملامح مرحلة جديدة في لبنان، بعد الكرنفال الخطابي لتحالف ما يسمى بقوى 14 آذار؟ أم نحن أمام الشيء نفسه، وكأن الزمن دار دورة كاملة ليعود إلى حيث بدأ؟‏

وهل ما توالى أمامنا من تطورات خلال شهر شباط، من شأنه أن يفتح كوّة في الجدار المسدود للأزمة اللبنانية، أم نحن أمام مزيد من الاحتقان والفرز والاصطفاف؟ وهل كل ما يحدث له أبعاده اللبنانية الخالصة، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الجدال الداخلي هو انعكاس لجدل ساخن وحار في الخارج أيضاً؟‏

في مسيرة العاشر من محرم ألقى أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خطاباً وُصف من قبل كثيرين بأنه خطاب رجل دولة بامتياز، حيث دعا فيه إلى إيلاء الشأن الاقتصادي الأهمية المطلوبة، وإلى وضع حادث الأشرفية في نطاق حجمه الطبيعي، والخروج من الهرطقات التوظيفية التي دأبت عليها قوى الرابع عشر من آذار.. كما حذّر من أولئك الذين يعملون على حقن الأجواء وتوتيرها، مرحباً بدعوة الرئيس بري إلى الحوار. كما لم يفته الدعوة إلى فصل التحقيق عن العلاقة مع سوريا، وذلك لمصلحة التحقيق ومصلحة العلاقات اللبنانية ـ السورية.‏

أما في المقلب الآخر، أي في كرنفال قوى 14 آذار، فقد كانت أجندة أخرى ترتسم، أجندة أقل ما يقال فيها انها في معظم بنودها أجندة أميركية بامتياز:‏

ـ كنا أمام بازار بكل ما في الكلمة من معنى، بازار يحاول كل متكلم فيه أن يزايد على الآخر في إثبات لبنانيته لدرجة تثير الشك والريبة.‏

كلهم رفعوا شعار "لبنان أولاً"، لكن فاتهم أن يقولوا أي "لبنان أولاً" يريدون؟ هل يريدون لبنان الملحق بالمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، أم لبنان الملحق بقضايا منطقته؟ عن أي لبنان يتحدثون؟ عن لبنان الأميركي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي، عن لبنان العربي، عن لبنان اللبناني في استعادة موهومة ومريضة للكيانية اللبنانية التي دفع لبنان ثمنها حرباً أهلية ضروسا؟‏

لنأخذ الجواب من ألسنتهم، وعلى طريقة من فمك أدينك:‏

أ ـ ألم يفت هؤلاء الهجوم على سلاح المقاومة والدعوة الى سحبه بذرائع ممجوجة وشبهات لا "تنطلي" على أحد: مزارع شبعا فجأة لم تعد لبنانية، المقاومة مقدس وهمي، يجب تطبيق القرارات الدولية، ومنها طبعاً القرار 1559، بل في طليعتها، إظهار حرص غير عادي على الجيش، سيما من أولئك الذين لهم تحسس تاريخي من دور المؤسسة العسكرية، والدعوة الى ان ينتشر في الجنوب بحجة ضرورة أن تبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية.‏

ان مراجعة بسيطة لهذه المواقف ومقارنتها بما تقوله واشنطن بكامل أطقمها السياسية، وما يقوله الكيان الإسرائيلي ويطالب به، وما تقوله باريس، سيجد نفسه أمام خطاب سياسي دُبج في أروقة هذه البلدان، وبالتالي لسنا نحن ـ في الحقيقة ـ أمام مطالب لنبانية، بقدر ما نحن أمام عبارة لبنانية لهذه المطالب الدولية.‏

ب ـ يتهمون المقاومة بأنها تقف الى جانب ما يسمونه الحلف الإيراني ـ السوري.‏

برغم قناعتنا التامة بأن هذه التهمة مفتعلة، وأنها جزء من البروبوغندا التجييشية لتحالف قوى 14 آذار، إلا أننا لنسلم جدلاً بأن ما يقوله هؤلاء صحيح، فهل نحن أمام تهمة، أم أمام شرف لا ندّعيه؟ وما هو المسكوت عنه في هذا الاتهام؟‏

من نافل القول أن كل من ايران وسوريا اليوم هما في أساس محور المقاومة والممانعة للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة، وبالتالي اذا كانت المقاومة تُحتسب على هذا المحور فهو شرف لها. أما الذين يهجمون على هذا "المحور"، فماذا يقولون عن أنفسهم؟ ألا يقرون ضمناً بأنهم مع المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة؟‏

ثمة أجندة سياسية واضحة لتحالف 14 آذار، ومن خلفها للحلف الدولي الأميركي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي، هذه الأجندة تركّز على العناوين الرئيسية التالية:‏

أ ـ فتح ملف رئاسة الجمهورية بقوة، وقد تشهد حركة لهذه القوى على أكثر من صعيد في مسعى منها لحسم هذا الملف اذا تمكنت من ذلك.‏

ب ـ التصويب على المقاومة والعمل على كشفها داخلياً، وتحويلها الى مسألة خلافية بعمق، والسعي للتخويف منها.‏

ج ـ تحويل لبنان الى منصة للنيل من النظام السوري.‏

ـ تثبيت عملية الاصطفاف السياسي، والتثبيت هنا يريد توجيه أكثر من رسالة أبرزها: تأكيد نهائي للخيارات السياسية، والقول بالتالي ان أي رهان على التبديل في الخيارات، ومن ثم الانتقال من موقع الى موقع، لن يكون في محله.‏

ـ استخدام لغة مثقلة بالشحن السياسي والطائفي تستهدف إشاعة أكبر قدر ممكن من التوتر، وتعميق حدود الانقسامات الداخلية، وصولاً الى تحويلها الى خطوط تماس قابلة للاشتغال عند أول لحظة.‏

كل ما تقدم يشي بـ:‏

أ ـ ان عملية الحوار التي دعا اليه الرئيس بري لن تكون سهلة، وقد تكون أولى ضحايا كرنفال 14 آذر.‏

ب ـ ان المبادرة العربية المرتقبة لن تكون أمام مهمة سهلة. فتسميم الأجواء وتضخيمها في الرابع عشر من شباط، قد يجهض هذه المبادرة قبل عودتها الى الحياة مجدداً، ويدفع بها الى الثلاجة مرة أخرى، أو على الأقل يخفض الى حد كبير من سقف توقعاتها.‏

ج ـ ارتسام عملية اصطفاف سياسية حادة ستجعل مهمة الحكومة معقدة، كما تشير بوضوح الى أن أصحاب هذا الكرنفال لا يريدون تغليب لغة العقل، بل لغة التوتر والصدام.‏

د ـ ان المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التأزم والاحتقان والسخونة في التجاذب، أكثر من ان تكون مرحلة حوار عقلاني وهادئ.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1149 ـ 17 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30