ارشيف من : 2005-2008

القوى السياسية تقرأ "وثيقة التفاهم" بإيجابية:مسودة لحوار وطني جامع تتجاوز التوتر الطائفي وثقافة الفتن

القوى السياسية تقرأ "وثيقة التفاهم" بإيجابية:مسودة لحوار وطني جامع تتجاوز التوتر الطائفي وثقافة الفتن

شكّلت بنود وثيقة التفاهم التي توصل إليها حزب الله والتيار الوطني الحر يوم الاثنين الماضي مادة لنقاش سياسي لدى مختلف القوى السياسية في البلاد، نظراً لأهميتها من حيث التوقيت أو المضمون الذي قارب كل الطروحات والمواضيع المثيرة للجدل بقالب مرن ومنفتح على نقاش مستفيض أدى في نهاية الأمر للتوصل إلى النتائج المرجوّة.‏

لم تخف العديد من القوى السياسية ترحيبها بوثيقة التفاهم، لا سيما أنها صدرت عن جهتين سياسيتين لهما وزنهما التمثيلي والشعبي الكبير، ولانطلاقها من أسس وطنية اعتمدت الحوار سبيلاً إلى حل الخلافات وفق المصلحة الوطنية، وتأكيد أن الحوار يبقى السلاح الأمضى للوصول إلى تفاهمات حقيقية حول مستقبل لبنان لما فيه مصلحة الجميع. واعتبرت هذه القوى أن ثمة معطى ونموذجاً جديداً في الساحة اللبنانية يمكن الاقتداء به وربما يخلط الأوراق مجدداً ويفسح المجال للجميع ـ ولا يقطع عليهم الطريق ـ لعقد تفاهمات مشابهة وانضمام أكثر من طرف إليها. هنا عينة عن مواقف بعض القوى السياسية وتقييمها للوثيقة وانعكاساتها على الساحة المحلية.‏

يقول الدكتور خلدون الشريف المقرب من رئيس الحكومة السابق عمر كرامي: إنه لا ينظر إلى الورقة ببنودها العشرة، بل في مفهوم التفاهم السياسي الجديد الذي طرأ على الساحة اللبنانية، على اعتبار أن لبنان لم يعتد يوماً على مثل هذه الاتفاقات، بل كان أسير اتفاقات "الشفهية والشخصانية"، هذا في الأمر الأول. أما في الأمر الثاني فيعتقد الشريف "أن بنود الاتفاق هي محل موافقة معظم اللبنانيين ويتمنون حصولها".. ويجزم بأن ما جرى قد خلط الأوراق السياسية على الساحة السياسية اللبنانية بقوة، ما استوجب تصعيداً من "نائب التصعيد" وليد جنبلاط الذي بات فاقداً مصداقيته على مستوى الشارع اللبناني، لدرجة أن الناس بدأت تتساءل: كيف يغير موقفه بين لحظة وأخرى!..‏

وإذا كان البعض يعتبر الوثيقة بمثابة انتقاص من سلطة الدولة، فالرد يكون على حد قول الشريف بأن لبنان لا يقوم إلا من خلال عقد تسويات واتفاقات بين مكوناته السياسية، وبالتالي فإن هذين الفريقين العريضين يمثلان جزءاً واسعاً من الشعب اللبناني ومن نسيج الطائف اللبناني، وإن اتفاقهما يريح الساحة اللبنانية ويحميها من عامل التفجير".‏

ويشير الشريف إلى أن بعض الأطراف التي يصطلح على تسميتها "بالأقليات السياسية"، والتي يتعزز وجودها باختلاف الطوائف الكبرى في لبنان، هي التي عبرت عن استيائها من هذا التعاون والتفاهم، وتسعى بكل قوتها إلى تعزيز تحالفاتها مع قوى سياسية أخرى لمواجهة هذا التعاون.. بينما هذه الأخيرة ليست مضطرة لمجاراة أصحاب الهواجس في تصعيدها غير المبرر".‏

ويلاحظ الشريف أن بعض الأطراف في قرنة شهوان من أمثال أمين الجميل لا يستسيغون الدخول في فلك عون الذي تشكل قاعدته السواد الأعظم من المسيحيين"، لأنه سيضعهم أمام حقيقة حجمهم التمثيلي، وبالتالي لا مصلحة لهم بتأييد الوثيقة!".‏

و"الانقلاب" الذي شاء البعض أن يسبغه على التفاهم الأخير، إنما هو بمفهوم الشريف "الانقلاب الذي سيحافظ على سيادة وعروبة وحرية لبنان وعدم ارتباطه بأي كان".‏

من جانبه عضو "منبر الوحدة الوطنية" التي يترأسها الرئيس سليم الحص الدكتور حيان حيدر، توقف عند أهمية اللقاء من حيث الشكل، وهو الذي أتى غداة تظاهرة الأشرفية، لكون "الطرفين يمثلان عمقاً فكرياً وسياسياً واجتماعياً يتجاوز الطوائف إلى ما فيه مصلحة لبنان، بدليل أنه ساهم في لملمة الوضع وترميم الصفوف التي كادت تتصدع".‏

ويلفت حيدر الى أن الطروحات التي تضمنتها الوثيقة وإن بدت محل تداول في الأوساط السياسية خلال الفترة الماضية، من سلاح المقاومة إلى ترسيم الحدود إلى العلاقة بين لبنان وسوريا، إلا أن الأهمية تكمن في تضمينها بنداً لمكافحة الفساد وكيفية متابعة الفاسدين والمفسدين، وهذه مسألة رفض البعض الدخول فيها أو مقاربتها".‏

وأيضاً من العناوين المهمة التي طبعت الورقة ـ على حد قول حيدر ـ هي أن حزب الله والتيار العوني تبادلا التطمينات في ما يخص عناوين اعتُبرت إثارتها في الماضي من "المحرمات"، لا سيما موضوع سلاح المقاومة وعائلات العملاء الذين ما زالوا في فلسطين المحتلة.‏

ويعتبر أن التفاهم الذي أُبرم بين الطرفين "قلب الطاولة" على من يدّعون أنهم سياديون، باعتبار "أن التيار العوني سبقهم على ذلك قبل 15 سنة عندما كان في المنفى.. ثم إذا أرادوا تطبيق اتفاق الطائف فليفعلوا.. ماذا ينتظرون"؟‏

والواضح بحسب كلام نائب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني زياد الشويري، أن الطرفين قد توصلا "إلى صياغة دقيقة وواضحة ومتوازنة في مقاربة الملفات التي تعني اللبنانيين جميعاً، وأظهرت هذه الورقة رغبة كل من الحزب والتيار في تحقيق نتائج جدية في حوارهما، وذلك من خلال التنازلات المتبادلة الظاهرة في بنودها".‏

وكغيره من القوى السياسية الممانعة للوصاية الدولية الجديدة، فإن الحزب الديمقراطي اللبناني يعتبر أن "الورقة" تصلح لأن تكون مسودة لحوار وطني، بدليل حرص الطرفين على التأكيد أن هذه الخطوة ليست اصطفافاً شيعياً مسيحياً، وليست موجهة ضد أحد، بل شكل من أشكال التعاون المفتوح على غيرها من القوى السياسية، وهي دعوة الى الالتقاء وتوسيع دائرة الحوار اللبناني، خلافاً لدعوات الموالاة التي تدعو الى حوار يستثني قوى سياسية لها حيثياتها السياسية والشعبية والوطنية".‏

ولعل من البنود المهمة والأساسية التي وردت في التفاهم بالنسبة الى هذا الحزب، تلك المتعلقة بقانون الانتخاب، التي "أشارت إلى النظام النسبي في مواجهة النظام الأكثري الإلغائي الذي لطالما حذرنا منه.. وإن أهميته تكمن بتأكيد أنه لا يمكن إجراء إصلاح سياسي وانتظام الحياة السياسية إلا باعتماد قانون انتخاب عصري".‏

ويسجل الشويري نقطة مهمة في سجل الطرفين بقوله: "إن هذا التفاهم ولّد ارتياحاً كبيراً في الشارع اللبناني، خصوصاً أنه جاء غداة واقعة الأشرفية، فشعر المواطن بأنه يستطيع أن يكون محمياً من الآخر وليس مهدداً منه، وأن الحوار ممكن بين اللبنانيين، وأن التوافق ليس مستحيلاً، وأن اللبنانيين يستطيعون حل مشاكلهم بأنفسهم إذا صمّوا آذانهم عن الخارج".‏

أما الانعكاسات السياسية التي يمكن قراءتها من الوثيقة، فهي ـ برأي الشويري ـ تكمن في الرد على التحالف الرباعي السابق الذي "بُني على تقاطع مصالح خاصة وظرفية، بينما جاء تفاهم الحزب والتيار مرتكزاً على ورقة تفاهم مستقبلية أساسها المصلحة الوطنية، وخالية من أي بند مفخخ في مضمونه". لافتاً إلى أن "التفاهم أعاد رسم الخريطة السياسية على الساحة اللبنانية، وأوجد مساحة وسطية مشتركة بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار، وفرز بين أكثريتين: الأكثرية النيابية والأكثرية الشعبية".‏

ويستنتج الشويري مما تقدم أن ما يُسمى اليوم بالأكثرية إنما هي "مجرد لاعب على الوتر الطائفي والمذهبي، وتتقن ثقافة الفتنة.. وهي إذا نادت بالحوار فإنما تقصد فعلياً صفقة ما، أو تسوية على حساب مصلحة لبنان".‏

المردة‏

ويضع يوسف سعادة المسؤول في "المردة" التفاهم بين حزب الله والتيار العوني في خانة اللقاء الحضاري والواضح والصريح، مستغرباً "الأصوات النشاز التي تصدر منتقدة"، معتبراً أن" كل صوت من هذه الأصوات إنما ينبع من أسباب محض شخصية لها علاقة بمصالحه الفئوية البعيدة كل البعد عن مصلحة البلد العليا".‏

ولأن البلد بحاجة إلى هذا المستوى من الحوار "الحضاري"، يدعو سعادة إلى تعميم هذا "الأسلوب" على جميع اللبنانيين، وأن يلتقوا في ما بينهم بالطريقة الحضارية هذه، خصوصاً أن الطرفين أظهرا احتراماً متبادلاً من دون أن يتخلى كل منهما عن موقعه السياسي، بل أوجدا نقاطا مشتركة يعملان على تحقيقها بما يخدم مصلحة البلد".‏

ويحرص سعادة على القول ان الوثيقة بدت مرنة من خلال إفساحها في المجال أمام الجميع "لوضع ملاحظات أو بنود إضافية.. وهذا يشكل حسن نية لدى الطرفين في حوارهما المفتوح". غير أنه يرفض بالمطلق الكلام الذي صدر في أعقاب ولادة الوثيقة وتصويرها على أنها محاولة لربط لبنان بحلف سوري إيراني، واصفاً إياه بالمعيب.. ويؤكد "أن اللبنانيين لم تعد تنطلي عليهم هذه الافتراءات".‏

حسين عواد‏

الانتقاد/ تقرير ـ العدد 1149 ـ 17 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30