ارشيف من : 2005-2008

تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر:قيمة إضافية تغني الواقع السياسي ونموذج للحوار

تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر:قيمة إضافية تغني الواقع السياسي ونموذج للحوار

شكل الإعلان عن ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر ذات العناوين العشر بعد لقاء قمة بين الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله ورئيس التيار النائب العماد ميشال عون، إضافة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، سواء من حيث الشكل أو المضمون، وأضاف رصيداً جديداً من الجدية والمصداقية لدى الطرفين في كيفية التعاطي مع القضايا الخلافية على الساحة اللبنانية، ومصدر أمل جديد يمكن للبنانيين التعويل عليه إذا ما اقتُدي به، ويمكن أن يعيد إحياء الحياة السياسية اللبنانية الغارقة في أتون تطييف ومذهبة الخلافات السياسية.‏

أهمية هذه "الورقة" تكمن في توقيت الإعلان عنها ومكانه والمضامين التي احتوتها، وما يمكن أن ينتج عنها من تأثيرات سياسية مستقبلاً، وهو ما يشير إليه عضو المجلس السياسي في حزب الله غالب أبو زينب الذي واكب التحضيرات والجلسات الطويلة لإعداد الورقة.‏

وقال أبو زينب "إن ورقة التفاهم كانت نتيجة جهود متواصلة بدأت بعد الانتخابات النيابية ودامت قرابة الشهرين، وتكثفت هذه الجهود تحديداً بعد الفترة التي جرى فيها الحديث عن لقاء قريب بين السيد نصر الله والجنرال عون، وشهدت هذه الفترة عقد ثلاث أو أربع جلسات طويلة أسبوعياً، وأخذت هذه الجلسات حيزاً كبيراً من عملنا وجعلناها أولوية قصوى باعتبار أننا كنا نرى أن إنجاز الورقة يشكل قفزة نوعية على الساحة المحلية".‏

وفي الليلة التي أعلن السيد نصر الله عن انتهاء العمل من الورقة قبل عدة أيام، كان بدأ العمل اللوجستي لتحديد موعد لقاء القمة، ويوما الجمعة والسبت جرت اتصالات لتحديد الموعد ومكانه.‏

وتابع أبو زينب "الوثيقة إذاً، جاءت بعد لقاءات طويلة، ولقاء القمة بين السيد والجنرال كان تتويجاً للتفاهمات وإعلان الالتزام بها وإطلاقها في الحياة السياسية اللبنانية، كإضافة لها قيمة فعلية تختلف عما هو سائد حالياً، وأهمية هذا الأمر، أن الذين أطلقوها يتعاطون معها بشكل جدي جداً، وأن هاتين القوتين لهما مصداقية في التعاطي مع الشأن العام، وتملكان رصيداً شعبياً كبيراً، وبالتالي نحن أمام شريحة واسعة من اللبنانيين يعلنون ورقة لها علاقة بمسائل وطنية أساسية هي موضع نقاش".‏

وأضاف "هذا الدمج بين أفكار الحزب والتيار بطبيعته أدى إلى انتاج شيء جديد إيجابي، وإذا أحسن الآخرون التعاطي معه سوف يدركون بأننا أوجدنا مساحات واسعة للتفاهم السياسي العام، وأسسنا لهم ـ إذا أرادوا ـ النقاش السياسي الهادئ والعقلاني الذي يوصل إلى تحقيق مصلحة لبنان على قاعدة أن لبنان لا يمكن أن ينفصل عن محيطه العربي، وأنه لا يمكن أن يكون مكاناً أو قاعدة للإدارة الأميركية لإدارة الصراعات مع العرب. إذا كان قادة الأطراف الأخرى يفكرون بمصلحة لبنان عليهم أن يقرأوا بدقة هذه الورقة، وأن يدلوا بدلوهم حتى يكون حوار موسع نستطيع من خلاله أن نخرج من الوضع السياسي الذي ليس فيه شيء من المنطق بعدما تحولت الساحة المحلية إلى ساحة صدى لما يريده الآخرون من المنطقة، وبعدما أصيبت بأضرار فادحة نتيجة الاسفاف السياسي ولغة الاتهام والتخوين، ووصلنا إلى ما يشبه "القرف السياسي".‏

ورأى "أن طريقة التعاطي بين حزب الله والتيار الوطني وما نتج عنه، هو نتاج من يفكر بعقل بارد، ولا يضع نفسه في موقع الكسب الذاتي أو الطائفي، واحتكار المسائل السياسية، وإنما من يضع نفسه في موقع وطني عام يريد أن ينفتح على الجميع، وأن يقدم مقررات يعتقد بها، ويمكن أن تحل الكثير من المشاكل".‏

وتابع "قيمة ما نقوله أن الورقة تقطع الطريق على محاولات استغلال الرأي العام، ومحاولات تشويه الحقائق، لأننا قدمنا حقائق ترتقي بالحياة السياسية إلى مكان يستطيع فيه اللبنانيون أن يتحاوروا وفق آلية ومنطق يكون فيه الجميع مؤمنين بأن الجميع يريدون مصلحة الوطن".‏

وأوضح أبو زينب أنه بعد انجاز "ورقة التفاهم في المرحلة الأولى، سوف نعمل معاً على كل المستويات وفي كل الأماكن التي يمكن أن نتعاون فيها، وخصوصاً أن التفاهم هو بداية تشكيل أرضية صلبة يمكن البناء عليها والمراكمة وتحقيق أكبر قدر ممكن من الايجابيات للناس التي تنتظر منا أن نحقق لها شيئاً ما".‏

ويلفت أبو زينب إلى أن الوثيقة عكست تفاهمات استوفت حقها من النقاش، ومنذ البداية اعتمدنا طريقة طرح الهواجس لدى الطرفين، وجرى نقاشها حتى توصلنا إلى وضوح في الرؤية الأمر الذي مكننا من التفهم والتقارب. وهناك نقاط سارت بشكل سريع وهي النقاط التي لها علاقة ببناء الدولة والمسائل الإنمائية والحوار، أما المسائل التي جرى نقاش حولها فهي تلك التي لها علاقة بالجانب الأوسع كالموضوع الفلسطيني والعلاقة مع سوريا والمقاومة وآليات العمل المطلوبة. وطبيعة هذه النقاط تأخذ نقاشاً، ومن غير الطبيعي أن لا يتم النقاش حولها، وبطبيعة الحال كون الطرفين يريدان الإلتزام بالورقة كان لكل كلمة قيمة، وكل فاصلة تعني شيئاً، وفي النهاية كانت تأخذ وقتاً، ولو كانت الورقة مجردة من مضامينها كان يمكن أن تتم صياغتها وعرضها خلال يوم واحد ومن ثم نسيانها، ولكننا نعتبرها بوصلة للمستقبل وطريقة للعمل بين الطرفين، ورفد الواقع السياسي بمادة جديدة يستطيع أن يتكئ عليها في حوارته".‏

ولا يخفي أبو زينب ارتياحه لهذا الإنجاز الذي انعكس فرحة كبيرة لدى قواعد الطرفين، مشيراً إلى أن بعض القوى السياسية شعرت بالارتياح نظراً لما تضمنته الورقة من مسائل جدية وجديدة، لكن في المقابل هناك قوى أخرى تتعامى عن الحقائق لأنها لا تريد أن تراها، وهي تحاول أن يظل الواقع السياسي في دائرة التوتر وليس في دائرة الاتفاق.‏

سعد حميه‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1148 ـ 10 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30