ارشيف من : 2005-2008

جلسة إقرار الموازنة: توجس من السياسة الاقتصادية للحكومة

جلسة إقرار الموازنة: توجس من السياسة الاقتصادية للحكومة

شكلت جلسة إقرار موازنة العام ألفين وخمسة التي عقدتها الهيئة العامة لمجلس النواب يوم الاثنين الماضي الانطلاقة الأولى في العمل التشريعي لمجلس النواب مطلع العام الحالي، وذلك بعد فتح الدورة الاستثنائية للمجلس بمرسوم من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة إميل لحود وفؤاد السنيورة، وهما تجاوزا بذلك أزمة سياسية كانت آخذة بالتبلور حول مسألة فتح هذه الدورة أو عدمها والموضوعات التي ستناقش خلالها.‏

الجلسة كانت عادية جداً في بعدها المتعلق بلغة الأرقام التي حملتها الموازنة، خصوصاً أنها قد صرفت على القاعدة الاثنتي عشرية خلال العام الماضي، وما جرى كان مجرد تحصيل حاصل لا بد من إمراره.. لكن برز على صعيد الموازنة ما أدلت به الحكومة حول ما تنوي اعتماده من برامج اقتصادية مستقبلية لتقديمه الى مؤتمر "بيروت 1"، وتضمينه فيما بعد في موازنة العام ألفين وستة، وهو ما استدعى ملاحظات نيابية ستتبلور مواقف في المرحلة القادمة. على أن المهم في جلسة إقرار الموازنة كان الشق السياسي على محورين:‏

الأول حصول هدنة غير معلنة بين قوى الرابع عشر من آذار وقوى الثامن من آذار، وهو ما انعكس في المداخلات النيابية الاثنتي عشرة التي ألقيت، حيث بدا واضحاً جو التهدئة السياسية تحت قبة البرلمان.‏

وفي هذا السياق لم تتضمن هذه المداخلات أي تصعيد كبير حول القضايا السياسية الخلافية، اضافة إلى عزوف عدد من الكتل النيابية الأساسية عن تقديم مداخلات في الجلسة، وهو ما انطبق على كتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير من جهة وكتلة اللقاء الديمقراطي من جهة ثانية. وقد أرخى ذلك جواً من الارتياح السياسي نفّس جزءاً من الاحتقان الذي كان سائداً خلال الفترة الأخيرة في البلاد.‏

على ان هذه التهدئة لم تنسحب على كتلة الإصلاح والتغيير التي تحدث عدد من نوابها وهاجموا الحكومة بشكل مركّز، معلنين "انتهاء فترة السماح التي أعطوها إياها منذ تشكيلها". وقد انتقد نواب تكتل الإصلاح الأداء الحكومي في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية وصولاً إلى المطالبة برحيلها وتشكيل حكومة اتحاد وطني، بعدما فشلت هذه الحكومة في معالجة الملفات الملحة. وتخلل المداخلات مشادات حامية بين نواب تكتل الإصلاح والتغيير والنائب نقولا فتوش حول ملف الكسارات.‏

المحور السياسي الثاني الذي أعطى أهمية لجلسة الموازنة هو الحوارات السياسية التي جرت على هامشها، والتي تمثلت بمبادرة تولاها رئيس المجلس النيابي نبيه بري تهدف إلى إنهاء الأزمة الحكومية من خلال موقف يصدر عن المجلس النيابي بالإجماع يؤكد فيه أن المقاومة ليست ميليشيا، وتنتهي عندها الأزمة الحكومية ويعود وزراء حركة أمل وحزب الله الذين لم يحضروا جلسة الموازنة أيضاً. وقد شملت مشاوراته على هذا الصعيد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وجميع الكتل النيابية.‏

وبدت الأجواء في ساعات ما قبل الظهر إيجابية، وصدرت إشارات في هذا المجال عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، إلا أن العراقيل جاءت كما هي العادة منذ مدة من قبل رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي تواصل معه نوابه، وجاءت منه المؤشرات السلبية في ساعات ما بعد الظهر، ما أجهض هذه المبادرة في مهدها. وفي هذا السياق عبّر أحد وزراء الأكثرية عن امتعاضه مما يتكرر في هذا المجال، وقال لـ"الانتقاد": كان يمكن حل المشكلة قبل أسبوعين، ولكن لا ندري ماذا يريد أحد الأطراف".‏

"قانون الموازنة"‏

الهيئة العامة لمجلس النواب أقرّت في جلستها المسائية قانون موازنة العام ألفين وخمسة بأكثرية ثلاثة وسبعين صوتاً، وكان البارز غياب كتلة الوفاء للمقاومة عن هذه الجلسة مسجلة موقفاً سياسياً بهذا الغياب. وإذا كان الكلام الاقتصادي حول موازنة العام الماضي لم يعد مجدياً بالنسبة الى المراقبين الاقتصاديين والسياسيين لأنها مجرد أرقام وقد صُرفت اعتماداتها، فإن الترقب الآن يتعلق بسياسة الحكومة الاقتصادية المستقبلية التي ستقدمها لمؤتمر "بيروت 1" المقرر عقده العام الحالي، والتي ستضمنها في موازنتها للعام ألفين وستة.‏

وقد ظهرت مؤشرات هذه السياسة في كلمة وزير المال جهاد أزعور أمام الهيئة العامة للمجلس التي ضمّنها بعض العناوين الكبرى لسياسة الحكومة المستقبلية، منها الاستمرار في سياسة الاستدانة، وهذا ما تعوّل عليه الحكومة في مؤتمر "بيروت 1"، وفرض مزيد من الضرائب على المواطنين، وهو ما بشّر به الوزير أزعور عندما قال: "ان الحكومة ستكون مضطرة لفرض مزيد من الضرائب بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها الدولة".. اضافة الى سياسة الخصخصة، حيث أشار الى العديد من القطاعات التي سيجري خصخصتها، ومنها قطاع الاتصالات والكهرباء والنقل.‏

هذه العناوين أثارت العديد من الهواجس لدى المراقبين، وقد عبّر عن هذه الهواجس أكثر من نائب، منهم النائب أنور الخليل الذي لفت في مداخلة له الى أن هذه العناوين تخص الحكومة ولا تعبّر عن سياسة المجلس النيابي الذي يجب أن يناقش بالتفصيل جميع الخطط الاقتصادية للحكومة في المرحلة المقبلة، لأنه لا يوافق على ما هو مطروح.‏

وفي هذا الإطار تسجل مصادر مراقبة العديد من الملاحظات والانتقادات لسياسة الحكومة الاقتصادية. ففي مجال الاستدانة هناك معارضة قوية لاستمرار هذا النزف، خصوصاً أن الدين لامس الأربعين مليار دولار، فيما المطلوب هو وقف الهدر وفتح ملفات السرقة والفساد، حيث يمكن استعادة مليارات الدولارات المسروقة. كذلك هناك رفض كبير لفرض ضرائب جديدة، خصوصاً ان المواطن ينوء تحت ثقل كبير من الضرائب المفروضة منذ سنوات طويلة.‏

أيضاً يسجل المراقبون توجساً من ملف الخصخصة، خصوصاً اذا شمل قطاعات مربحة للدولة، في مقدمتها قطاع الاتصالات الذي يدرّ أرباحاً كبيرة على الخزينة، بل إنه أكبر قطاع ربحي للدولة.. وهناك تخوف من عودة هذا القطاع الى قبضة بعض الشركات المملوكة من فئات سياسية محددة في البلاد كانت نهبته في سنوات سابقة قبل عودته الى عهدة الدولة!..‏

هلال السلمان‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1147 ـ 3 شباط / فبراير 2006‏

2006-10-30