ارشيف من : 2005-2008
إيعاز أميركي فرنسي لإكمال الانقلاب:إسقاط لحود دستورياً يواجه الطريق المسدود
إلى أين تجر قوى الرابع عشر من شباط البلاد بعد خطابها "الحربي" في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، الذي أطلقت خلاله شرارة التصعيد في وجه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود ضمن خطة تسعى لإسقاطه قبل الرابع عشر من آذار المقبل، كما تعهدت هذه القوى؟ وما هي مخاطر التهديد باللجوء إلى الشارع لتحقيق هذا الهدف؟ وماذا يمكن أن يتحقق من هذه الخطة؟ وهل ينطلق هذا المخطط من أجندة محلية أم يأتي في سياق خطة أميركية ـ فرنسية لإسقاط الرئيس لحود ضمن مخطط محاصرة المقاومة عبر تطبيق القرار 1559؟ وماذا عن موقف حزب الله والتيار الوطني الحر مما يحضّر له من قبل قوى 14 شباط؟ جملة من الأسئلة والهواجس تطرحها الأوساط السياسية والشعبية معربة عن تخوفها من أن قوى الأكثرية الحاكمة تجر البلاد نحو المصير المجهول.
كما بات معروفاً فإن قوى 14 شباط شرعت بخوض ما تصفه بمعركة إسقاط رئيس الجمهورية على خطين:
الأول دستوري، ويتمثل بإعداد عريضتين: العريضة الأولى يوقع عليها نواب سابقون وحاليون ممن صوتوا لمصلحة التمديد للرئيس لحود، وتتضمن هذه العريضة "أن تأييد هؤلاء للتمديد تم من خلال الضغط والإكراه"، ومن خلال هذه العريضة يهدفون إلى سحب الشرعية عن قرار التمديد.
والعريضة الثانية يوقع عليها نواب الأكثرية الـ(71)، ويعتبرون من خلالها أن التمديد للرئيس لحود غير شرعي، وأن هذا المنصب بات شاغراً، ويطالبون الرئيس لحود بالتنحي.
وبشأن هاتين العريضتين فإن الأوساط السياسية والقانونية تجمع على أنه ليس لهما أي مفعول قانوني أو تأثير على الاستحقاق الرئاسي، وأن مفعولهما معنوي فقط، وهو ما تعترف به أوساط قوى الأكثرية برغم عدم إعلانها هذا الأمر.
وتشير الأوساط إلى أن التعديل الدستوري كما هو معروف يحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس النواب، وهو غير متوافر، ويجب أن يحصل ضمن عقد عادي في حال تأمين هذه الأكثرية، وهذا العقد يبدأ في النصف الثاني من شهر آذار، لأن المجلس حالياً هو في عقد استثنائي. وإذا جاء التعديل الدستوري من جانب الحكومة فيجب أن يقترن بطلب رئيس الجمهورية وتوقيعه، وهذا ما لم ولن يحصل، وبالتالي فإن هذه الطروحات التي تقدمها قوى 14 شباط لا أفق أمامها سوى الأفق المسدود، فضلاً عن أن التشكيك بشرعية الرئيس لحود سينسحب على كل القوانين والمراسيم التي وقّعها، وفي مقدمتها قانون الانتخاب الذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيرة التي أنتجت هذه الأكثرية، ومراسيم تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وتلك التي سبقتها برئاسة نجيب ميقاتي.
أما الخط الآخر والأخطر الذي قررت قوى 14 شباط سلوكه في محاولتها لإسقاط رئيس الجمهورية، فهو اللجوء إلى الشارع، وهو ما اعتبرته معظم القوى السياسية في البلاد نوعاً من الانقلاب، وله مخاطره على السلم الأهلي، فضلاً عن أنه يشكل سابقة في طريقة التعاطي مع المؤسسة الدستورية الأولى في البلاد، وبالتالي فإنه من المؤكد أن لا تترك القوى السياسية المقابلة لقوى 14 شباط هذا السيناريو يمر من دون مواجهة، وهو ما عبّر عنه رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون في موقف قوي دفع القوات اللبنانية التي تشكل رأس حربة هذا السيناريو إلى فرملة خطاب الشارع والحديث عن توافق وحلول. وتجلى ذلك في موقف نائب القوات جورج عدوان بعد زيارة قام بها إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
رئيس الجمهورية العماد إميل لحود المستهدف مباشرة من مخطط 14 شباط، لم يتأخر في اعتماد خطة دفاعية انطلقت بداية مع كشفه عبر مكتبه الإعلامي عن مخطط خارجي لزعزعة الاستقرار في البلاد يقوده الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، وعدّد البيان تفاصيل هذه الخطة الهادفة للانقلاب على الدستور واتفاق الطائف عبر قوى 14 شباط، وأدواتها من "تنظيم تظاهرات واعتصامات لمحاصرة القصر الجمهوري وإطلاق تحركات نقابية وإدخال القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الإعلامية وتركيب استطلاعات رأي ضد الرئيس لحود"..
مصادر سياسية واسعة الاطلاع تؤكد أن ما يحضّر له بشأن إسقاط الرئيس لحود يأتي في سياق خطة أميركية فرنسية تستعجل تحقيق الانقلاب الكامل في لبنان وفرض معادلة جديدة تلبي جميع المطالب الصهيونية، وفي مقدمها ضرب سلاح المقاومة. وتؤكد المصادر ما أشار اليه بيان قصر بعبدا حول التوجيهات التي تأتي من الخارج لهذه القوى، وهي تشير الى وجود "غرفة عمليات" في باريس لمتابعة الوضع اللبناني تضم مندوبين عن فرنسا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني والأمم المتحدة، وهي كانت أُنشئت منذ نحو عام بهدف تطبيق بنود القرار 1559، وقد فعّلت نشاطها في الفترة الأخيرة للتعجيل في إتمام الانقلاب في لبنان لأسباب عدة، منها عامل الوقت الذي يسير لغير مصلحة الأميركيين والفرنسيين، وتغير المعادلات في المنطقة.
وفي هذا السياق جاء استحقاق فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية واستلامها السلطة ليقلب العديد من الموازين، فضلاً عن أن استحقاق الانتخابات الرئاسية الفرنسية بات على الأبواب، وبالتالي فإن فرنسا ستنشغل بنفسها خلال الأشهر المقبلة. على أن اتهامات القصر الجمهوري لفرنسا بالتدخل في الشؤون اللبنانية أكدها المتحدث باسم الخارجية الفرنسية في معرض نفيه هذا التدخل، وذلك عندما قال: "ان بلاده ملتزمة مواصلة السعي لتطبيق بنود القرار 1559".
وترى المصادر أن الحملة التي شنتها بعض قوى 14 شباط ضد المقاومة وفي مقدمتها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مؤخراً، تأتي في سياق هذا المخطط الغربي.. مع الإشارة الى أن مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق كان كشف عن تلقي الحزب عروضاً بوقف التصعيد في المواقف ضد المقاومة مقابل موافقة حزب الله على السير في إسقاط رئيس الجمهورية.
المصادر المتابعة تؤكد أن سعي قوى الرابع عشر من شباط للجوء الى الشارع لإسقاط لحود سيبوء بالفشل لأسباب عدة أهمها:
1 ـ إن هذا الخيار يضع السلم الأهلي في مهب الريح، وستنقلب تداعياته على الجميع.
2 ـ لأنه يتجاوز الخط الأحمر في الموضوع الأمني، وهو ما لفت اليه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، مؤكداً عدم السماح بتجاوز هذا الخط. وفي هذا السياق تتجه الأنظار الى موقف الجيش اللبناني اذا ما حاولت قوى 14 شباط توجيه حشود شعبية باتجاه قصر بعبدا.
ثالثاً: يشكل القصر الجمهوري المؤسسة الدستورية الأولى في البلاد، واستهدافها له انعكاساته الوطنية الكبيرة، فضلاً عن انعكاسه على الساحة المسيحية.. وفي هذا السياق جاء موقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون الذي أكد رفضه هذا الأسلوب، وذكّر بما حصل في الأشرفية ورفض تكراره في مناطق مسيحية أخرى، وتأكيده أن شارع 14 شباط يقابله شارع آخر.
وفي هذا الإطار يأتي موقف البطرك الماروني نصر الله بطرس صفير الذي يرفض توجه المتظاهرين الى قصر بعبدا لإسقاط لحود.
كذلك يبرز موقف حزب الله الرافض لإسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، وهو وإن كان لم يحدد بعد موقفه في كيفية التعاطي مع اعتماد خيار الشارع من قبل قوى 14 شباط، فإنه ينتظر الأفعال ليبني على الشيء مقتضاه في حينه.
في المحصلة، فإن الأوساط المتابعة تتوقع أن تصل قوى 14 شباط الى الحائط المسدود والعجز عن إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع في المهلة التي حددتها لنفسها حتى الرابع عشر من آذار المقبل، وهو ما بدأت إرهاصاته تحصل منذ الآن مع اللغة التراجعية لهؤلاء، بعدما أدركوا أنهم ليسوا وحدهم في الساحة، وهو ما قد يكشف أن المعركة التي تحدث عنها قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ليست سوى "حفلة مفرقعات"، أو في أفضل الأحوال إطلاق نار في الهواء. والنتيجة أن هؤلاء قد يصطدمون في الزجاج، وعليهم بالتالي الركون الى لغة الحوار والتوافق على كل القضايا الخلافية مع القوى الأساسية الأخرى في البلاد، والأجدى أن يكون ذلك من خلال الطاولة المستديرة التي أعدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهي تنتظرهم في الثاني من آذار المقبل في مقر المجلس في ساحة النجمة.
هلال السلمان
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1150 ـ 24 شباط/ فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018