ارشيف من : 2005-2008

الأوضاع الاجتماعية تفاجئ الحكومة متلبسة بالإهمال:مطالبات بالمعالجة السريعة تحت وطأة الاعتصامات والتصعيد

الأوضاع الاجتماعية تفاجئ الحكومة متلبسة بالإهمال:مطالبات بالمعالجة السريعة تحت وطأة الاعتصامات والتصعيد

الضجيج السياسي الذي تعيشه البلاد منذ فترة، استطاع حجب الاهتمام عن القضايا الاجتماعية والمعيشية، ولكن مع تفاقم هذه الأوضاع وانصراف الحكومة عن معالجتها وعدم وضعها في أولياتها، وضع الحكومة مرة أخرى أمام استحقاق المعالجة وتحت ضغط الاعتصامات والاضرابات التي بدأت تطل برأسها عبر بوابة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يعيش هذه الأيام أزمة كبيرة نتيجة تلكؤ الدولة والقطاعات الخاصة عن دفع المستحقات المتوجبة عليها والتي تقدر بنحو 1540 مليار ليرة بينها 810 مليارات ليرة متوجبات الدولة، وعبر اعتصام المتعاقدين في التعليم الأساسي الذين يطالبون بدفع المستحقات المالية المتوجبة على الحكومة عن العامين الماضيين إضافة إلى مطالب أخرى.‏

الوضع المأزوم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي دفع الاتحاد العمالي العام إلى رفع الصوت عالياً احتجاجاً على ما آلت إليه الأوضاع، فضلاً عن السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في السنوات الماضية، وساهمت في تقويض هذا المرفق الحيوي الذي يستفيد منه مليون ونصف مليون مواطن لبناني، وإهمال دفع المتوجبات المالية والتعاطي مع هذا المرفق وكأنه عبء عليها، الأمر الذي تسبب "بخنق" وعدم قدرة الصندوق على تقديم الخدمات الصحية المطلوبة.‏

وعدم دفع الحكومة المتوجبات عليها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو أحد الأسباب التي أدخلت هذا المرفق في مرحلة الخطر، إلا أن ثمة أسباباً أخرى فاقمت من خطورة الأوضاع، ولخصّها الكتاب المرفوع من قبل رئيس مجلس إدارة الضمان مؤخراً إلى وزير العمل أهمها:‏

أولاً: تجميد الأجور منذ العام 1996 ما نتج عنه من عدم الزيادة في إيرادات الصندوق بشكل يغطي نسبة التضخم الحاصلة على التقديمات والنفقات.‏

ثانياً: تباطؤ الدولة في تسديد مساهماتها في فرعي المرض والأمومة بنسبة 25%، بالإضافة إلى تأخرها في دفع المتوجب من الاشتراكات المستحقة عن أُجرائها، ومساهمتها في الاشتراكات العائدة إلى السائقين العموميين والمخاتير.‏

ثالثاً: التطور العلمي والتكنولوجي اللذان أديا إلى رفع كلفة الفاتورة الصحية.‏

رابعاً: تخفيض معدل الاشتراكات عام 2001 في فرعي ضمان المرض والأمومة والتقديمات العائلية بنسبة 15%.‏

خامساً: عدم إصدار قانون تقسيط الديون والإعفاء من الغرامات الذي أدى تلقائياً إلى تلكؤ بعض أصحاب العمل عن دفع المتوجبات عليهم.‏

سادساً: تراجع الحركة الاقتصادية ما أسفر عن تراجع في استخدام اليد العاملة الشابة، وبالتالي ارتفع متوسط أعمار المضمونين وهو ما رتب ارتفاع كلفة المعاينة الطبية.‏

سابعاً: ضم فئات خاصة إلى الصندوق دون مراعاة التوازن المالي.‏

هذا الواقع المزري للصندوق أوجب على الاتحاد العمالي العام التحرك سريعاً، وخصوصاً أن هناك من يتحدث عن أن الصندوق غير قادر ـ فيما لو لم تلجأ الدولة إلى دفع مستحقاتها أقله فيما يعود إلى تأمين مبالغ العجز في فرعي المرض والأمومة والتقديمات العائلية والاحتياط القانوني والتي تقدر حسب الدراسات بـ282 مليار ليرة لبنانية ـ على دفع رواتب موظفي الضمان، وهو ما تمنى المدير العام للصندوق الوطني في حديث لـ"الانتقاد" أن لا نصل إليه!.‏

وعليه يتجه الاتحاد العمالي العام إلى رفع وتيرة تصعيده إذا لم يفِ رئيس الحكومة بوعده الذي قطعه أمامه بدفع جزء من المستحقات للصندوق لسد العجز في فرعي المرض والأمومة والتقديمات العائلية وفرع الضمان الاختياري والتي تقدر بـ300 مليار ليرة.‏

ويقول رئيس "الاتحاد" غسان غصن لـ"الانتقاد" ان السلطة السياسية عليها أن تبادر فوراً إلى دفع جزء من هذه المستحقات المتوجبة عليها. وبرأيه أن هذا الحل يبقى منقوصاً "لان الحل الشامل يكون بتطوير الضمان وإصلاحة، وإعادة النظر بالاشتراكات التي جرى تخفيضها".‏

ويشاطر غصن الحذر الذي ينتاب وزير العمل طراد حماده، والذي عبر عنه في أحد لقاءاته مشيراً إلى أن ليس هناك نية جدية لدى بعض التيارات السياسية داخل الحكومة للوصول إلى حلول بشأن الديون المستحقة للضمان.‏

وينتقد غصن القائلين بأن خزينة الدولة عاجزة عن دفع المستحقات المتراكمة عليها بالقول "ما شاء الله الدولة عندما تفتح مزاريبها تجدها تدفع يميناً وشمالاً، وليس أدل على ذلك المبالغ التي دفعتها لشركتي الخلوي "ليبانسيل" و"سيليس" تعويضاً عن فسخ العقد معهما، فضلا عن إقرارها دفع التعويضات للمقالع والكسارات العائدة لأقرباء أحد النواب والتي قدرت بـ261 مليون دولار!.. وعندما يتعلق الأمر بمرفق اجتماعي مثل الضمان تجد أن لا اعتمادات لدى الدولة".‏

ويغمز غصن من قناة القائلين بأن مؤتمر بيروت 1 المنوي اقامته خلال شهر شباط أحد شروطه أن تقوم الدولة اللبنانية بتقليص النفقات ويقول "عليهم أولاً أن يخففوا الهدر في الإنفاق غير المجدي، وان ينظروا كيف عليهم أن يؤسسوا لنظام ضريبي عادل يؤمن العدالة الاجتماعية، وان يبنوا استثمارات مجدية تحفز الإنتاج.. ساعتئذ سيجدون ما يكفي من الأموال".‏

ومن ضمن المطالب التي يرفعها "الاتحاد" في المدى القريب تصحيح الأجور، ورفض بيع القطاعات المنتجة. وهنا يشبّه الكلام الدائر حالياً حول خصخصة قطاع الاتصالات وشركة "الميدل إيست" وكازنيو لبنان بالصرعة أو الموضة الجديدة، سائلا كيف يمكن خصخصة هذه القطاعات التي تدر أموالاً كبيرة على خزينة الدولة اللبنانية؟‏

من ناحيته يأمل المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي في حديث الى "الانتقاد" أن يفضي التحرك الذي يقوم به الاتحاد العمالي العام إلى نتائج إيجابية، وخصوصاً أن هناك وعداً قطعه الرئيس السنيورة، معتبراً أن اولويات الصندوق راهناً تكمن في تحرير جزء من هذه الديون المترتبة على الدولة، وقسّم الديون الإجمالية إلى ثلاث فئات:‏

أ ـ الديون المستحقة على الدولة اللبنانية، وتقدر بـ810 مليارات ليرة لبنانية.‏

ب ـ ديون المؤسسات العامة وتقدر بـ345 مليار ليرة لبنانية.‏

ج ـ ديون المؤسسات الخاصة وتقدر بـ385 مليار ليرة لبنانية.‏

وأشار كركي إلى انه في الوقت الحاضر يأمل أن تدفع الدولة جزءاً من هذه المستحقات، والتي تقع تحت باب تأمين مبالغ العجز والاحتياط القانوني وتقدر بـ282 مليار ليرة، إضافة إلى تأمين مبلغ لفرع الضمان الاختياري ويقدر بـ18 مليار ليرة لبنانية، لافتاً إلى أن الصندوق سيباشر بتقديم الخدمات فور جهوز هذه الأموال، لا سيما أن الضمان في الفترة الحالية أوقف العمل في الانتساب إلى الضمان الاختياري لعدم تحقيق التوازن المالي فيه.‏

وعما إذا كان الصندوق سيرفع من قيمة اشتراكاته في حال لم يف رئيس الحكومة بالتزاماته كما هدد رئيس مجلس ادارة الضمان في كتابه المرفوع مؤخراً قال كركي "في الأصل هناك مشروع قانون تم وضعه منذ سنتين تقريباً، ويقضي برفع معدل الاشتراكات في فرعي المرض والامومة والتقديمات العائلية، إلا اننا تريثنا في تطبيقه"، لافتاً الى أن هذا المعدل سيتم رفعه في المستقبل نظراً الى تدني مستوى الاشتراكات التي لا تتناسب وتقديمات الصندوق كون تخفيض هذه النسبة الى 70% هو خطأ كبير بحق الصندوق".‏

المتعاقدون الابتدائيون‏

معضلة أخرى يشهدها قطاع التعليم الرسمي في لبنان وتتلخص بالمطالب المحقة التي يرفعها المتعاقدون في التعليم الاساسي والمتعلقة بدفع المستحقات المالية المتوجبة على الحكومة عن العامين الماضيين، وخصوصاً ان هناك ما يقارب الـ9 آلاف استاذ متعاقد يدرّسون في ظروف معيشية سيئة للغاية نتيجة للمماطلة والتسويف التي عادة ما تلجأ اليها الحكومة في دفع هذه المستحقات على حد قول رئيس اللجنة العليا للمتعاقدين ركان فقيه لـ"الانتقاد". هذا بالاضافة الى مطالب أخرى يسعى المتعاقدون عبر تحركاتهم المتواصلة الى تحقيقها ومنها: تطبيق القانون 442 القاضي بتثبيت الاساتذة المتعاقدين في التعليم الاساسي بعد اجراء مباراة خاصة بهم، وتحديد بدل عادل لساعة التعاقد الذي يتراوح بين 6 آلاف وثمانية آلاف ليرة ورفعه الى 16 ألف ليرة كحد ادنى مقارنة مع التعليم الثانوي، وهو 24 ألف ليرة، فضلا عن تأمين كل الضمانات الاجتماعية، والحصول على 6 آلاف ليرة بدل التنقل، غير ان كل هذه المطالب ضُربت عرض الحائط بذريعة "ان هناك فقرة في القانون لا تتوافق ووضعية هؤلاء المتعاقدين بالرغم من ان هؤلاء جرى التعاقد معهم بقرار من رئيس المكتب التربوي في كل محافظة".‏

ويشير فقيه في هذا المجال الى ان الحكومة تتلطى بهذا العذر من اجل التهرب من التزاماتها تجاه المعلمين من دون ان تعبأ بالضرر الذي قد يلحق بهذا القطاع التربوي الذي يحتضن عشرات آلاف الطلاب.‏

مصدر تربوي متابع أكد لـ"الانتقاد" أن الحكومة تهدف من وراء هذه المماطلة الى نسف ما يسمى بالتعاقد على أساس المباراة المغلقة او المفتوحة، وإحلال مكانه ما يسمى بالتعاقد الوظيفي، وهي سعت الى تسويقه عبر مشروع تقدّمت به مؤخراً ولاقى اعتراضات كبيرة من جانب مختلف الهيئات النقابية، وهي صيغة ـ برأي المصدر ـ وان كانت توفّر على الخزينة مبالغ كبيرة كونها لا تلزمها لاحقاً بضمانات أو تعويضات قد تترتب عليها عندما تنقضي مدة العقد المحددة بخمس سنوات على سبيل المثال، إلا انها ستدمر القطاع التربوي بالكامل نتيجة انتفاء عنصر الاستقرار الوظيفي الذي سينعكس بطبيعة الحال على أداء الاستاذ وامكانية تطويره.‏

حمادة‏

أكد وزير العمل طراد حماده في مؤتمر صحافي عقده وعرض فيه أزمة الصمان الاجتماعي من مختلف جوانبه وخطة وزارة العمل الإصلاحية "انه لا يمكن قيام إصلاح اقتصادي دون قيام ضمان اجتماعي وأمن اجتماعي للعمال اللبنانيين"، لافتاً الى ان اي محاولة لاصلاح اقتصادي دون الالتفات الى مصالح العمال ستبوء بالفشل.‏

وأكد أن الخطة الاصلاحية التي وضعتها وزارة العمل لاصلاح الضمان لاقت تجاوباً كبيراً من قبل المعنيين، لافتاً الى وجوب "دفع القسط المطلوب من الحكومة الآن وهو ما يقارب الـ286 مليار ليرة، وتقسيط الباقي"، متسائلا لماذا تدفع اموال المهجرين ووزارة الصحة ويطالبونها الآن بالدفع للكسارات .. ودفعت للخليوي، ولا تدفع للضمان؟‏

ورأى حمادة "ان صحة الضمان تعني صحة الخطة الاصلاحية الاقتصادية، وتعني صحة التحضير لانجاح بيروت واحد، وأن اي خلل خارج حسابات الضمان ولها علاقة بالتجاذبات السياسية كمن يلعب لعبة خاطئة، لأن اللهب والأذى سيلحق بالخطة الاصلاحية الاقتصادية وبالشعب اللبناني." وقال "انه لا يريد ان يحمّل الحكومة اكثر مما تحتمل، بل نريد أكل العنب لا المشاكل".‏

حسين عواد‏

الانتقاد/تحقيقات ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30