ارشيف من : 2005-2008
القصف من واشنطن يكشف عدم الرغبة في التحاور:مواقف نارية تفاجئ الحلفاء قبل "الخصوم"
بدا واضحاً منذ انطلاق مؤتمر الحوار الوطني تحت قبة البرلمان في ساحة النجمة، أن هناك رغبة لدى المتحاورين في إشاعة أجواء إيجابية وإظهار الجديّة في نقاش جدول الأعمال، من دون أن يعني ذلك أن الأمور تسير "كأنها مياه تجري نزولاً" حسب تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لكن هذا الإجماع على إشاعة الأجواء الإيجابية شكلاً ـ على الأقل ـ شذ عنه منذ اليوم الأول النائب وليد جنبلاط، وسرعان ما توالت مؤشرات تولى تظهيرها مداورة وكيله وزير الإعلام غازي العريضي داخل جلسات الحوار وجنبلاط نفسه في واشنطن بتصريحاته النارية التي خرقت هدنة الحوار وأعادت إحياء أجواء الاحتقان قبل أن يؤجل الحوار إلى الاثنين المقبل.
توقف العديد من المتابعين لمجريات الحوار منذ يومه الأول عند أداء النائب جنبلاط، وسجلوا العديد من الملاحظات والإشارات السلبية التي ما لبثت أن توضحت في وقت لاحق خلال الجلسات التسع وصولاً إلى لحظة التأجيل وما أعقبها من تداعيات.
أولى هذه الملاحظات التي سجلت في هذا الإطار تكرار جنبلاط مواقفه السابقة المعلنة بحرفيتها، وإن اختلفت اللهجة نظراً لتغير طبيعة المنبر، وتقديم قراءته ورؤيته لمسار الأحداث وتأكيد مطالبه ومن ثم مغادرته إلى واشنطن في اليوم التالي على طريقة "قل كلمتك وامشِ"!
ثانياً: إعطاء الأولوية لزيارة واشنطن ولقاء المسؤولين الأميركيين ومن بينهم وزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس التي سبق أن التقاها خلال زيارتها إلى بيروت (23/ شباط 2006)، وعدم مبادرته إلى تأجيل الموعد، علماً بأن بعض الصحف أشارت إلى أن موعد الزيارة سبق أن تأجل أكثر من مرة.
هذا التعاطي كشف بشكل واضح أن الأخير لا يعطي الحوار الأولوية في هذه المرحلة، وهو أراد توجيه رسالة واضحة لكنها ليست جديدة، إذ سبق له أن أظهر خلال تسلمه دعوة المشاركة في الحوار عدم تحبيذه، وربط مسألة المشاركة بالعودة إلى حلفائه، وسأل في حينه عن الذي يرعى الحوار، ومن هو الحكم إذا ما اختلفت الأطراف المشاركة فيه!
ثالثاً: رأى المتابعون أن تخويل وزير الإعلام غازي العريضي تمثيل جنبلاط في الحوار والنطق باسمه كان بمثابة كمين المراد منه تسجيل أكثر من هدف:
ـ كسر المعايير المعتمدة في التمثيل على مستوى قيادات الصف الأول ورؤساء الكتل النيابية، وهذه المعايير سبق لفريق الرابع عشر من شباط أن تمسك بها وتسببت في بداية الحوار بتأخير موعد انطلاقه، بينما مرّ تفويض العريضي وقبول عذر المواعيد المسبقة من الداعي للحوار وحلفائه إلى تأمين فرص النجاح وضمان استمرار الجلسات وتجاوز العقبات المفتعلة من البعض.
ـ برغم ما قيل عن التفويض الكامل للعريضي باتخاذ القرار، إلا أن طبيعة الملفات الخلافية لا تخوله اتخاذ القرار من دون الرجوع إلى مرجعيته الرئيسية، وهذا ما ظهر واضحاً عند التوصل إلى إجماع المتحاورين على لبنانية مزارع شبعا، ونفي العريضي ذلك في اليوم التالي قبل بدء الجلسات، وما حصل بعد ذلك قبيل تعليق جلسات الحوار، حيث بدا أن مشاركته كانت لغماً معدا للتفجير في لحظة القرارات الحاسمة، خصوصاً إذا كانت لا تنسجم مع الطروحات والمواقف الجنبلاطية!
ـ افتعال العريضي مشكل التسريبات الإعلامية، ونسب هذا التسريب إلى الطرف الآخر الذي يريد إفشال الحوار بعد تلقيه إشارات من الخارج، في إشارة إلى تصريح الرئيس الأسد، مع العلم بأن ما عكسته وسائل الإعلام طيلة أيام الحوار أظهر رغبة هذا الفريق في توفير فرص النجاح.
ثالثاً: باغت جنبلاط المتحاورين جميعاً بتصريحاته النارية التي أخذت أبعاداً جديدة نظراً لمدلولات المكان والزمان التي أطلقت منها، وأعاد إحياء أجواء الاحتقان إلى الفترة التي سبقت الحوار، وفرض شروطه من وراء البحار على المتحاورين وتحديد سقوف جديدة من دون التنسيق حتى مع حلفائه!
وفي هذا السياق توقف المتابعون لمواقف جنبلاط في واشنطن عند العديد من النقاط التي تبين موقع جنبلاط الشاذ شكلاً ومضموناً خارج الحوار اللبناني:
ـ استخدام التحريض ضد حزب الله وسوريا وإيران والرئيس لحود وتأليب الإدارة الأميركية وحثها على اتخاذ مزيد من الضغوط ضد هذه الأطراف. وتزامن هذا التحريض مع اجتماع للوبي اليهودي في الولايات المتحدة حضره المندوب الأميركي الدائم في مجلس الأمن جون بولتون وتحدثت فيه رئيسة "الإيباك" عن نجاح سياساتها في إقناع البيت الأبيض بمحاصرة إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس!
ـ إظهار الحرص على نجاح المشروع الأميركي في المنطقة والتبرع بالإشارة إلى نقاط الضعف في هذه الاستراتيجية وطلب الدعم المعنوي والسياسي وربما (الاقتصادي) لـ"ثورة الأرز"، التي قال عنها جنبلاط حرفياً إنها "تنسجم مع طروحات الولايات المتحدة".. والتحذير من "انه اذا أخفقت السياسة الأميركية في لبنان فإن استراتيجيتها المزعومة لتشجيع الحرية والشفافية في العالم العربي سوف تتضرر، وسوف تنتصر الدكتاتوريات"، في إشارة إلى سوريا وإيران!
ـ الإيغال في استعداء حزب الله والتشكيك في أهدافه ومنطلقاته اللبنانية، حيث قال: "آمل ألا يكون حزب الله يدافع عن استراتيجية إيران النووية او عن النظام السوري.."، ورأى ان سلاح ذاك الحزب لم يعد "أمرا مقدسا، بل هو مطروح على المناقشة اليوم في جلسات الحوار وخارجها (...)، وأن حزب الله يريد الحفاظ على سلاحه لخدمة أجندة غير لبنانية على الإطلاق"!
ـ في المقابل أجندة جنبلاط "اللبنانية" بامتياز، فهي ترتكز على الإتيان برئيس جديد يحمي "ثورة الأرز" ـ التي هي رديفة للسياسية الأميركية ـ ويرسل الجيش الى الجنوب، مكررا الدعوة الى "تطبيق القرار "1559"، وأن مزارع شبعا ليست لبنانية"!
ـ وفي موضوع الحوار الذي أراد جنبلاط المشاركة فيه من مكاتب المحافظين الجدد، قال بحضور مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دايفيد وولش: "ان الحوار وصل الى طريق مسدود، ونحن لا نستطيع ان نقبل رئيساً مقابل قبول مزارع شبعا لبنانية". وحكم على نتائج الحوار بالقول: "لن نصل الى أي نتيجة"، و"إن الحوار الحالي في لبنان جعلنا نواجه نظراء سوريين ولا يوجد وسيط او حكم". وفي مكان آخر قال: "نحن وجها لوجه مع عدو او خصم قوي"، في معرض حديثه عن المشاركة في الحوار!
وتخلص المصادر المتابعة إلى الاستنتاج مما تقدم، أن عدم رغبة جنبلاط في الحوار واضحة، وهو يتحمل مسؤولية تفشيل الحوار إضافة إلى فريق 14 شباط الذي لم يأخذ موقفاً حاسماً بعد من مواقف الأخير النارية التي فاجأت حلفاءه قبل خصومه، ووضعتهم في زاوية ضيقة تفرض عليهم اتخاذ قرارات تنقذ الحوار والبلد من الأزمة الراهنة!
سعد حميه
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1152ـ 10 آذار/ مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018