ارشيف من : 2005-2008

الحوار في "العناية الفائقة":مخاوف وتساؤلات حول التأجيل

الحوار في "العناية الفائقة":مخاوف وتساؤلات حول التأجيل

دخل مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد على مدى خمسة أيام في مقر المجلس النيابي في عنق الزجاجة وبات بحاجة لعناية فائقة كي يستطيع استئناف أعماله يوم الاثنين المقبل، بعدما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري إرجاء الجلسات إلى مطلع الأسبوع القادم في ختام الجلسة التاسعة للمؤتمر التي لم تكمل طريقها إلى النهاية المرجوة. وفي محاولة للتقليل من حجم الخلافات التي أدت إلى الإرجاء المفاجئ للمؤتمر، علل الرئيس بري في مؤتمر صحافي عقده في مقر المجلس سبب الإرجاء، "بأن القيادات المشاركة تحتاج للعودة إلى أحزابها بعدما وصلت المناقشات إلى مشارف النهاية".‏

لكن قراءة أكثر من مصدر مطلع تقاطعت عند اعتبار تصريحات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بعد ظهر الاثنين الماضي في واشنطن، هي السبب الحقيقي لنسف الحوار. وفي هذا الإطار طرحت قوى أساسية تساؤلات على طاولة الحوار عن مغزى انتداب جنبلاط وفدا لمتابعة مؤتمر الحوار، فيما يبادر هو إلى قصفه انطلاقاً من مكاتب المحافظين الجدد في العاصمة الاميركية. وأمام ما حصل باتت الآن تطرح تساؤلات كثيرة حول ما اذا كانت أعمال المؤتمر ستتابع، وعلى أي أساس، أم أن المؤتمر قد انتهى في يومه الخامس وبالطريقة التي جرت الثلاثاء.‏

وعليه فإن الفترة الممتدة بين إرجاء المؤتمر ويوم الاثنين القادم ستشهد عملية مراجعة لما جرى، إضافة إلى اتصالات ومشاورات بين العديد من القوى السياسية لتحديد الموقف بشأن مستقبل الحوار.‏

كيف سارت وقائع الحوار حول الطاولة المستديرة على مدى الأيام الخمسة التي استغرقتها مدة الحوار المرجأ بطريقة ملتبسة؟‏

البداية في يوم الخميس الثاني من آذار كانت بداية شبه احتفالية بعدما تمكنت قيادات لبنانية من الالتقاء على طاولة مستديرة لمعالجة المشاكل التي تواجهها البلاد، حيث بدا مجرد حصول اللقاء نتيجة ايجابية بحد ذاته.‏

وانطلقت الجلسة الأولى بمصافحات ونجحت بالخروج بعد ساعات عدة بتوافق أجمع عليه المشاركون حول الحقيقة في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وجرى توكيل متابعة الملف إلى الحكومة عبر القرارات التي اتخذتها أو التي ستتخذها في المستقبل بشأن التحقيق.. وبذلك جرى الانتهاء سريعاً من البند الأول.‏

وافتتحت جلسة المساء من اليوم نفسه بطرح البند الثاني المتعلق بالقرار 1559 ومتفرعاته، من الاستحقاق الرئاسي وملف سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني. وهنا بدأ كل طرف يطرح موقفه من الموضوع، ولجأ فريق الرابع عشر من شباط الى محاولة سعى من خلالها الى ربط كل فقرات البند الثاني بعضها ببعض في محاولة للمقايضة بين الاستحقاق الرئاسي والبنود الأخرى، لأن الأولوية لديهم في هذه المرحلة هي لإسقاط الرئيس إميل لحود، لكن هذه المحاولة فشلت.‏

وفي تلك الجلسة أطلق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط موقفه بطلب تطبيق كامل بنود القرار (1559)، ومشى في اليوم التالي الى واشنطن عبر باريس، ومنذ تلك اللحظة بدأت الأمور تتعقد وتدور على نفسها من المراوحة، لكنها بقيت طي الكتمان حرصاً على عدم فشل الحوار من أوله بحسب مصادر واكبت الحوار عن قرب.‏

لكن النقاش استمر في العمق يومي الجمعة والسبت بعد مغادرة جنبلاط الى واشنطن، وبقيت تدور حول البند الثاني، وظهر شبه إجماع على لبنانية مزارع شبعا، حيث أكدت كل الأطراف لبنانية هذه المزارع وعرضت العديد من الخرائط القديمة التي تؤكد لبنانيتها. وعندما برز هذا الأمر في وسائل الإعلام سارع ممثل النائب وليد جنبلاط على طاولة الحوار وزير الإعلام غازي العريضي الى الاحتجاج والاعلان انه لم يجر توافق على مسألة لبنانية مزارع شبعا، وبذلك ظهرت الى العلن نيات العرقلة من قبل فريق الحزب الاشتراكي.‏

يوم السبت تتابعت جلسات الحوار وسط تكتم على ما يدور بداخلها برغم الشكاوى من حصول بعض التسريب الى وسائل الاعلام والصحف عما يجري بداخلها، وتناولت النقاشات في جلستي السبت البند الثاني المتعلق بالقرار (1559)، اضافة الى البند الثالث المتعلق بالعلاقات بين لبنان وسوريا. وفي ختام جلسات ذلك اليوم أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الحوار كان معمقاً وشمل جميع القضايا المطروحة، وأن هذه البنود ستطرح للإقرار بنداً بنداً، بدءاً من يوم الاثنين بعد استراحة يوم الأحد.‏

يوم الاثنين استؤنف الحوار وتخللته عملية معالجة مسألة تسريب بعض وقائع الحوار الى وسائل الاعلام، اضافة الى بروز كلام سياسي حول مواقف أُطلقت خارجه، وانتهت جلسة النهار بشكل عادي. وقبل ان تنعقد جلسة المساء كانت الأخبار تتوالى بعد الظهر عن تصريحات النائب وليد جنبلاط في واشنطن، التي كرر فيها مواقفه المؤيدة لتطبيق بنود القرار (1559)، وأن مزارع شبعا ليست لبنانية، وأن لا داعي للمقاومة، وأنه لا يعوّل على الحوار المنعقد في مجلس النواب.‏

عاد المتحاورون مساء الاثنين الى مقر المجلس وخيّمت على أعمال جلستهم تصريحات جنبلاط، بعضهم علّق عليها في تصريحات صحافية لدى وصوله الى مقر المجلس، فيما فضّل آخرون عدم التعليق. وفيما بعد بدأت تتوالى المعلومات أن تصريحات جنبلاط قد "كربجت" الحوار وأنها وضعته على مفترق طرق، لأنه في تلك اللحظات كان مطلوباً بشكل طبيعي تحديد المواقف من هذه التصريحات، وخصوصاً من حلفاء جنبلاط في قوى الرابع عشر من شباط، وتحديداً رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، وانتهت الجلسة. وفي محاولة لعدم تظهير الخلاف الى العلن قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إن تصريحات جنبلاط لم تبحث في الجلسة، وإن ما قاله في واشنطن ليس جديداً، لكن ما كان جرى داخل الجلسة أنه طُلب من حلفاء جنبلاط تحديد مواقفهم قبل جلسة الثلاثاء، لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل.‏

في اليوم التالي عقدت الجلسة الصباحية وسط أجواء ترقب، وبدا الوضع هادئاً من حيث الظاهر، الى أن انفرط عقد الجلسة قرابة الواحدة ظهراً، أي قبل ساعتين على الموعد الطبيعي، وظهر ان الحوار قد وصل الى طريق مسدود، لأن هذا الحوار لا يمكن أن يستمر من طرف واحد، فكيف تكمل به قوى الرابع عشر من شباط "وزعيم أكثريتها" جنبلاط يقصف هذا الحوار من واشنطن من دون أن تحرك ساكناً! ولا يصلح في هذه الحال عدم اتخاذ موقف.‏

أرجأ الرئيس بري في مؤتمره الصحافي جلسات الحوار الى الاثنين، لكن مع تكهنات بأن هذه العودة باتت غير متوافرة في ظل هذه الأجواء السائدة. وعليه بدا واضحاً أن قوى الرابع عشر من شباط قد أفشلت الحوار، وعليها تحمل المسؤولية تجاه ما ستؤول اليه الأوضاع.‏

مصادر متابعة لمؤتمر الحوار لاحظت أن أطراف الرابع عشر من شباط ذهبت الى المؤتمر وفي نيتها مسبقاً تفشيل الحوار اذا لم تجر الأمور وفق ما تشتهي وترغب، خصوصاً إسقاط رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وهي بدت مرتبكة ومفككة في طروحاتها وعاجزة أمام الأسئلة التي وُجهت اليها من قبل قيادة حزب الله وحركة أمل والعماد ميشال عون حول هوية مرشحها الى رئاسة الجمهورية وبرنامجه السياسي، لأنه لا يمكن الخوض في هذا الملف عبر طرح مصير العماد لحود من دون معرفة البديل وبرنامجه السياسي للمرحلة المقبلة.‏

ولاحظت الأوساط المتابعة أن القوى السياسية خارج تحالف 14 شباط كانت متناغمة ومنسقة في المواقف والطروحات وراغبة في إنجاح المؤتمر حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا.‏

بينما تميز أداء أطراف 14 شباط بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية لمصلحة طروحاتها، فضلاً عن أن خطابها كان مفككاً وتمايز البعض عن البعض الآخر، مع الإشارة الى أن أكثر من طامح لرئاسة الجمهورية كان جالساً الى الطاولة.‏

ولفتت أكثر من مراقب الجولات التي قام بها السفيران الاميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار إيميه في محيط مقر المجلس النيابي أثناء جلسات الحوار، ويشيرون الى دور محتمل لهما في الإيحاء لبعض الأطراف بالعمل على إفشال مؤتمر الحوار بعدما بدأ ترشح من جو النقاشات تفاهمات أساسية على قضايا مختلف عليها، مثل موضوع مزارع شبعا، وهو ما لا تقبل واشنطن بحصوله لأنه يقوّض مشروعها الفتنوي على الساحة اللبنانية.‏

على أي حال تستمر القوى السياسية في تقييم ما جرى على المدى الأيام الخمسة للمؤتمر، والأنظار شاخصة الى تاريخ الاثنين القادم لمعرفة المصير النهائي لمؤتمر الحوار.‏

هلال السلمان‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30