ارشيف من : 2005-2008
الجولة الثانية من الحوار:بداية تكريس الثوابت الوطنية وسقوط الشعارات المدوية
أفرزت نتائج الجولة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني التي انعقدت في ثلاث جلسات يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين في مقر المجلس النيابي، مشهداً سياسياً جديداً في البلاد ربما سينهي المشهد الذي استمر من تاريخ الرابع عشر من آذار/ ماريس عام ألفين وخمسة حتى الرابع عشر من شباط/ فبراير عام ألفين وستة، والذي تميز بالتشنجات السياسية وعدم الاستقرار والاصطفافات التي كادت تنذر بحرب أهلية.
هذه الجولة انتهت إلى تحقيق نتائج جوهرية في ثلاثة بنود أساسية كانت مدار خلاف كبير وهي:
ـ الإجماع على لبنانية مزارع شبعا.
ـ بناء علاقات مميزة مع سوريا ضمن سقف اتفاق الطائف.
ـ معالجة الملف الفلسطيني من جوانبه كافة.
وبقي على جدول الأعمال الى الجلسة المقررة الأربعاء المقبل البندان المتعلقان بسلاح المقاومة واستحقاق رئاسة الجمهورية.
تجمع الأوساط التي تابعت مجريات جولات الحوار على أن ملف مزارع شبعا كان مدار نقاش معمق تخللته شروح واسعة على الوثائق الرسمية والمستندات التاريخية التي تؤكد لبنانية هذه المزارع، لكن هذه الشروح لم توصل الأمور الى نتائج ايجابية فورية مع استمرار النائب وليد جنبلاط على موقفه من عدم لبنانيتها. وتشير هذه الأوساط الى أن الأمر لم يُحسم الا في الساعة الأخيرة لجلسة الحوار الثلاثاء، حيث كان هناك إصرار على حسم هذا الملف بالمنحى الإيجابي من مختلف الأطراف الجالسة على الطاولة، ما دفع النائب جنبلاط الى الموافقة على مضض، خصوصاً أن رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري كان يبدي حرصاً كبيراً على تأكيد أن فشل الحوار ممنوع، لأن انعكاسه السلبي سيطال الجميع.
وفي التقييم لهذا البند تشير الأوساط المتابعة الى أن حسم ملف لبنانية مزارع شبعا أفضى الى نتيجة منطقية، حيث ان هذه الأرض اللبنانية هي محتلة من قبل العدو الصهيوني، ومن الطبيعي مواصلة العمل بكل الأساليب لتحريرها، وفي مقدمة ذلك خيار المقاومة العسكرية. على أنه بات على الحكومة الآن التحرك نحو الأمم المتحدة لإبلاغها بنتائج الحوار حول إجماع اللبنانيين على لبنانية مزارع شبعا.
وفي ملف العلاقات بين لبنان وسوريا فقد أجمع المتحاورون على أهمية بناء علاقات مميزة بين البلدين تستند الى روحية اتفاق الطائف. وفي هذا الإطار تسجل الأوساط المراقبة ان هذا البند قد أدى الى تحقيق الفصل الرسمي بين ملف التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وملف العلاقات مع سوريا. ويأتي ذلك بعد قرار مسبق اتخذه رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري في هذا الاتجاه، وهو ما هيأ الأرضية أمام إخراجه الى العلن في مؤتمر الحوار.
وفي هذا السياق تسجل الأوساط سقوطاً مدوياً لشعارات بعض أطراف قوى الرابع عشر من شباط التي أطلقت في الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس الحريري الشعار الأول الذي سقط، وهو شعار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي قال فيه: "يا بيروت بدنا الثأر من لحود ومن بشار"، وشعار رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي قال فيه: "البحر من أمامكم والعدو من ورائكم".. وقد بدا لافتاً التصريح المقتضب للنائب وليد جنبلاط بعد جلسة الحوار الذي أعرب فيه عن انزعاجه من النتائج بطريقة لبقة حيث "تمنى التوفيق للرئيس السنيورة في الشام". وهنا تلفت بعض المصادر الى تحضيرات لزيارة سيقوم بها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى سوريا لمناقشة العلاقات الثنائية انطلاقاً من نتائج مؤتمر الحوار، كما لا تستبعد المصادر إعادة تحريك المبادرات العربية بين لبنان وسوريا بعد الأرضية التي وفرتها نتائج الحوار بين اللبنانيين. ويتوقع تحقيق انفراجات واضحة في العلاقات خلال القمة العربية التي ستنعقد نهاية الشهر الجاري في الخرطوم.
في الملف الفلسطيني نجح مؤتمر الحوار في وضع أطر معالجة شاملة لهذه القضية تبدأ مع تكريس توافق اللبنانيين على رفض التوطين وتكريس حق العودة ومعالجة القضية الإنسانية للفلسطينيين، وصولاً الى إجراء حوار بين الحكومة اللبنانية والفلسطينيين لإنهاء وجود السلاح خارج المخيمات ومعالجته داخلها.
وتلفت أوساط متابعة في هذا الإطار الى أن الحوار هو القاعدة الأولى والأخيرة في معالجة هذا الملف، وبذلك تكون انتهت المقاربة الخاطئة لهذا الملف، والتي استندت في الفترة الماضية الى المدخل الأمني، ما أفضى الى توتر كاد يصل الى الخطوط الحمراء في معالجة هذا الملف. كما أن هذا الموضوع سيكون محل متابعة انطلاقاً من قرارات مجلس الوزراء، وسيكون هناك اجراءات مطلوبة من الحكومة بعضها له الطابع القانوني لجهة مسألة الحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين، ومنها حق التملك والعمل.
الاستحقاق الرئاسي
الغموض ما زال يسيطر على كيفية معالجة ملف الاستحقاق الرئاسي على طاولة الحوار يوم الأربعاء المقبل، وإذا كان فريق الرابع عشر من شباط يتحدث عن إحراز تقدم من خلال اعتراف الجميع بوجود أزمة حكم، فإن الطرف الآخر وتحديداً التيار الوطني الحر، يعتبر أن أزمة الحكم لا تخص الرئاسة الأولى فقط، بل تنسحب على السلطة الإجرائية بمجمل الملفات. وعليه فإن مسألة الرئاسة الأولى تكون تفصيلاً أمام هذا الوضع.
مصادر معنية تستبعد طرح الملف الرئاسي على طاولة الحوار بشكل مباشر، انما سيكون النقاش في الكواليس، خصوصاً أنه يوجد على الطاولة أربعة مرشحين لرئاسة الجمهورية، فضلاً عن أن أطرافاً أخرى ليست على الطاولة لها رأيها الأساسي في هذا الملف، خصوصاً البطرك الماروني نصر الله بطرس صفير، اضافة الى العاملين الإقليمي والدولي، وهو ما تدركه جميع القوى السياسية الجالسة على طاولة الحوار.
سلاح المقاومة
وبشأن بند السلاح الذي أرجئ الى جلسة الأربعاء المقبل، فإنه بات خارج سياق النقاش، لأنه بعدما أجمع المتحاورون على لبنانية مزارع شبعا فإن ذلك إجماع ضمني على استمرار المقاومة لتحريرها، وعندما تتحرر ينتقل النقاش حينها الى وضع استراتيجية دفاعية لمواجهة الخطر الصهيوني على لبنان.
وقد عبّر عن هذا المنحى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عندما أكد في تصريحه بعد انتهاء جلسة الحوار، بقاء خيار المقاومة، والأمر نفسه عبّر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري في مؤتمره الصحافي عقب انتهاء جلسة الحوار.
وفي الإجمال، فإن نتائج الجولة الثانية للحوار أفضت الى تكريس الثوابت الوطنية، وكان لبنان واستقرار سلمه الأهلي هو الرابح الأول. وإذا كان لا بد من تحديد قوى خاسرة فإنه يأتي في المقدمة الذين اتخذوا مواقف متشنجة قبل ان يعودوا الى طاولة الحوار مضطرين لالتزام معطيات وقواعد عمل تفرضها المرحلة السياسية.
ومن الملاحظات أن ما جرى التوصل اليه من نتائج في جولة الحوار الثانية يقترب الى حد بعيد من ورقة التفاهم الموقعة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو ما قد ينسحب أيضاً الأسبوع المقبل على البند المتعلق بسلاح المقاومة.
ـــــــــــــــــــــ
الرئيس بري: أجمع المتحاورون على لبنانية مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وتحديدها وفق الأصول
عقب انتهاء الجلسة الثانية عشرة من الحوار رفع رئيس مجلس النواب نبيه الجلسات الى الأربعاء المقبل في 22 الجاري وعقد مؤتمراً صحافياً أذاع فيه ما توصل إليه الحوار من تفاهمات بالإجماع، بحضور رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وعدد من النواب.
وقال: "في الثاني من آذار، في بداية الحوار، انتهى ذلك اليوم بإعلان ان المتحاورين أجمعوا على موضوع الحقيقة ومتفرعاتها في ما يخص الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي أقر موضوع لجنة التحقيق الدولية وموضوع المحكمة الدولية وموضوع توسيع مهمات لجنة التحقيق. بعد ذلك وعلى مدى أيام عديدة، توصل المتحاورون الى اجماع وتوافق تام على مواضيع عدة لا تقل أهمية في ما يتعلق بالموضوع الوطني عما سبق أن أُقر.
في الموضوع الفلسطيني، انطلاقا من وثيقة الوفاق الوطني وما نصت عليه تحت عنوان بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية، والتزاما لمضمونها وبعد تأكيد ضرورة احترام الفلسطينيين سلطة الدولة والتزام قوانينها ورفض التوطين ودعم حق العودة للإخوة الفلسطينيين، اتفق المجتمعون على ما يأتي:
أولا: حث الحكومة اللبنانية على متابعة جهودها في معالجة المسائل الحياتية والاجتماعية والإنسانية بالنسبة الى الفلسطينيين داخل المخيمات والفلسطينيين المقيمين خارجها في لبنان، مع ما يقتضيه ذلك من تسهيلات قانونية ومن متابعة جادة لدى المجتمع الدولي، وتحمل مسؤولياته لتأمين العيش اللائق الكريم للفلسطينيين لحين عودتهم الى ديارهم.
ثانيا: بناء على قرار مجلس الوزراء في موضوع معالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتزامه لجهة إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في مهلة قدرها ستة أشهر، ومعالجة قضية السلاح داخل المخيمات مع تأكيد مسؤولية الدولة اللبنانية والتزامها حماية المخيمات الفلسطينية من أي اعتداء، التزم المجتمعون العمل الجدي لتنفيذ ما ورد أعلاه ودعم جهود الحكومة للتوصل الى ذلك من طريق الحوار.
ثالثا: اعتبار الفقرة الواردة في مقدمة الدستور لجهة ان لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، جزءا من ميثاق العيش المشترك.. وقد نصت الفقرة "ي" من الدستور على ان لا شرعية لأي سلطة تناقضها.
أضاف الرئيس بري: "أما في موضوع العلاقات اللبنانية ـ السورية، انطلاقا مما ورد في مقدمة الدستور لجهة أن لبنان الوطن السيد الحر المستقل عربي الهوية والانتماء، وما تكرس في وثيقة الوفاق الوطني "الطائف" لجهة العلاقات المميزة التي تقوم بينه وبين سوريا، والتي تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وبعد تأكيد ضرورة التنسيق والتعاون بين البلدين في شتى المجالات بما يحقق مصلحتهما في إطار سيادة كل منهما واستقلاله، اتفق المجتمعون على أن تنمية هذه الروابط تقتضي إرساءها على قواعد ثابتة وواضحة تؤدي الى تصحيح ما شاب هذه العلاقات من خلل، وذلك عبر:
أولا: عدم جعل سوريا مصدر تهديد لأمن لبنان أو جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا، وسلامة مواطنيهما في أي حال من الأحوال. ومن أجل ذلك يقتضي ضبط الحدود بينهما من الجانبين ودعوة الحكومة اللبنانية الى اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك من جهتها.
ثانيا: تكريس قاعدة عدم تدخل أي من الدولتين في شؤون الدولة الأخرى الداخلية.
ثالثا: إقامة علاقات ندية بين الدولتين مبنية على الثقة والاحترام المتبادلين تتجسد في أقرب وقت ممكن بإنشاء علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان وعلى مستوى السفارات.
رابعا: تفعيل ودعم اللجنة المشتركة بين البلدين لمتابعة إنهاء ملف المفقودين والمعتقلين في البلدين بالسرعة الممكنة.
أما على صعيد ما يتعلق بمزارع شبعا، فقد أجمع المتحاورون على لبنانية المزارع، وأكدوا دعمهم للحكومة في جميع اتصالاتها لتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وتحديدها وفق الإجراءات والأصول المعتمدة المقبولة لدى الأمم المتحدة. ويبقى ايضا انه جرى نقاش ولكن لا يزال ايضا في حاجة الى متابعة، في موضوع رئاسة الجمهورية، وقد أجمع المتحاورون على وجوب مناقشة الموضوع لمعالجة أزمة الحكم القائمة في البلد.
كذلك في ما يتعلق بسلاح المقاومة، لا يزال هذا الامر قيد النقاش. ومن أجل ذلك ومن أجل أمور أخرى ايضا لا تزال في حاجة الى علاج، أُرجئت الجلسة الى الاربعاء في 22 الجاري".
وأكد الرئيس بري في حوار مع الصحافيين أن هناك إصراراً من كل المتحاورين وإجماعا في هذا الموضوع من كل المتحاورين على متابعة القضايا لكي لا تكون مجرد كلام، يعني كل واحد سيساعد بقدر ما يستطيع من ميدانه.
وأجاب رداً على سؤال: "اذا كان الموضوع الفلسطيني وموضوع مزارع شبعا، وإذا كانت المواضيع التي تتعلق بالعلاقات بين لبنان وسوريا هي المواضيع السهلة، فأسأل: ما هي المواضيع الصعبة الباقية؟".
وسُئل: بعد الاتفاق على لبنانية مزارع شبعا، هل آلية تحريرها تكون عبر المقاومة؟ أجاب: "لقد تلونا نصوصا باللغة العربية، وفي هذه النصوص شقان: شق يتعلق بالتثبيت في الأمم المتحدة، نقول كيف ستتم الطريقة وندعم الحكومة اللبنانية فيها، والمهم ان يكون اللبنانيون مجمعين على هذا الأمر، وقد أجمعوا عليه. والشق الثاني لم ندخله في هذا الموضوع، ولكن حق المقاومة هو دائما حق مشروع لنا".
سُئل: هل هذا يعني ان الموضوعين اللذين لا يزالان قيد النقاش، أي رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة، مترابطان؟
أجاب: "إطلاقا، ليس هناك علاقة بينهما، فكم مرة قيل في الاعلام وفي التعليقات ان موضوع مزارع شبعا مرتبط بالمقاومة وبموضوع رئاسة الجمهورية؟ ها نحن بتتنا المسألة".
سُئل: هل اللجوء الى الأمم المتحدة يعني أنكم استبعدتم خيار المقاومة؟
أجاب: "بالعكس، خيار المقاومة باقٍ باقٍ باقٍ حتى يتحرر آخر شبر من أرض لبنان.. بالعكس هذا الأمر وسيلة ضغط ولا ربط بين الاثنين".
هلال السلمان
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018