ارشيف من : 2005-2008

مزارع شبعا لبنانية: حقائق تاريخية وواقع جغرافي

مزارع شبعا لبنانية: حقائق تاريخية وواقع جغرافي

استحوذت قضية لبنانية مزارع شبعا على حيز كبير من النقاش داخل جلسات الحوار الوطني، وخلصت النتائج الى الاجماع على لبنانيتها وسقوط ادعاءات المشككين في هويتها. وهذا السقوط لم يكن ليحصل نتيجة تسوية تفترض تنازلاً من هنا أوهناك، انما كانت نتيجة قوة الحق الذي لا يمكن تجاهله. فالوقائع التاريخية والجغرافية وحتى ذاكرة أهالي المنطقة تؤكد هذه الحقيقة التي فرضت نفسها على مجريات النقاش. وفي ما يلي لمحة عن هذه المزارع وتلك الحقائق التاريخية والواقع الجغرافي.‏

ان شبعا ومزارعها هي وحدة عقارية وسكانية وإدارية، وتعتبر هذه المزارع جزءا لا يتجزأ من قرية شبعا. وكذلك تلال كفر شوبا هي جزء لا يتجزأ من قرية كفر شوبا، وجميعها أرض لبنانية وهي التالية: المغر، زبدين الفوقا، زبدين التحتا، النخيلة، فشكول، البرّاق، رمتا، بسطرة، برتعيا، كفر دورة، الربعة، خلة غزالة، مراح الحلول، برختا، القفوة، المرج، النقار، حربيا، مشهد الطير، جبل الروس، كرم الزيتونة.‏

ومزارع شبعا لبنانية وتلال كفر شوبا لبنانية وفقاً لحقائق تاريخية وواقع جغرافي أبرزها الآتي:‏

1 ـ القرار رقم 318 الصادر عن الجنرال غورو في 31 آب 1920 الذي يختص بالحدود اللبنانية والتنظيم الاداري المؤقت الذي صدر لدولة لبنان الكبير.‏

2 ـ القرار رقم 3066 الذي يختص بتنظيم دولة لبنان الكبير ادارياً، حيث جعل محافظة مرجعيون تتألف من مركز المحافظة (32 قرية) ومديرية حاصبيا وفيها (26 قرية) ضمنها شبعا والنخيلة، ما يعني أن الوحدة الادارية والعقارية والسكانية لشبعا ومزارعها هي ضمن الحدود اللبنانية، وأن قرية النخيلة وتلال كفر شوبا أتت ضمن القرار المذكور، ما يؤكد أن حدود قضاء حاصبيا الجنوبية تصل الى خط الحدود مع فلسطين، وبالتالي فإن مزارع شبعا التي تقع مباشرة وراء النخيلة تعتبر جزءاً من الأراضي اللبنانية وضمن حدود الدولة اللبنانية.‏

3 ـ ان الاتفاق الفرنسي ـ البريطاني عام 1923 جعل حدود فلسطين الشمالية تبدأ من قرب بانياس وتتجه بخط متعرج بعض الشيء باتجاه المطلة، وأن فلسطين لا دخل لها بجبل الشيخ الذي هو جبل لبناني ـ سوري.‏

4 ـ ان ترسيم الحدود طبقاً لاتفاق "بوليه ـ نيو كامب" أوصل الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية من النقطة الحدودية (1) على الناقورة الى النقطة (39) على بعد حوالى ألف متر غرب بانياس.‏

5 ـ ان المسح الجغرافي الذي حصل بين لبنان و"اسرائيل" عام 1949 (اتفاق الهدنة) يؤكد هذه النقطة المشار اليها أعلاه في الفقرة السابقة، أي النقطة (39).‏

6 ـ الخرائط الاسرائيلية لعام 1932.. "موشيه برافر" في كتابه عن حدود أرض "اسرائيل" يقول: "إن مكان التقاء الحدود الاسرائيلية ـ السورية ـ اللبنانية هو أسفل جبل الشيخ على بعد مئات الأمتار من شمال قرية بانياس، ويمتد من هناك خط مباشر حتى مرتفعات الجبل".. ما يعني أن الأراضي الواقعة بين مجرى نهر الحاصباني وجنوب جبل الشيخ تعود جميعها للسيادة اللبنانية وضمنها مزارع شبعا والنخيلة وتلال كفر شوبا.‏

7 ـ إن الكثير من الخرائط وضع مع مزارع شبعا والنخيلة وتلال كفر شوبا ضمن الأراضي اللبنانية، لا سيما منها خرائط رئيس القسم الجيولوجي أيام الانتداب "L.DU BERTRET والعالم الكبير "رينه دوسو" والخريطة الإنكليزية الصادرة عام 1932 والخرائط الإسرائيلية ومعظم الخرائط اللبنانية وخريطة العالم الكبير "بيزانسون".‏

8 ـ إن شبعا ومزارعها مسجلة في الدوائر العقارية اللبنانية، وأهلها يدفعون الضرائب للدولة اللبنانية في صيدا.‏

9 ـ ان السلطة القضائية اللبنانية تمارس صلاحياتها هناك، بما في ذلك المحاكم.‏

10 ـ ان مستندات جمركية كثيرة لدى أهالي شبعا ومزارعها صادرة عن قائمقام مرجعيون.‏

11 ـ إن مزارع شبعا خضعت لإشراف مأمورين يحافظون على الأحراج، ومنهم المرحوم ميشال رستم والخفير المرحوم الشيخ معروف قيس وثالث من آل سرحان.‏

12 ـ رسالة من الحكومة السورية تحت رقم 584/124/53 تاريخ 29/9/1946 تقر بأن مزارع شبعا لبنانية.‏

13 ـ بعدما نشط التهريب في المنطقة عام 1955، سمحت لجنة لبنانية برئاسة المرحوم اللواء جميل الحسامي بأن يضع السوريون مركز مراقبة عسكرية في مزرعة زبدين، لكن المزارع عموماً كانت تحت السلطة اللبنانية حتى تسلم الفصائل فلسطينية المنطقة بعد عام 1965، والذي كُرس باتفاق القاهرة عام 1969. لكن مجلس الوزراء اللبناني لم يصدر أي قرار يشير إلى تخلي لبنان عن سيادته على شبعا ومزارعها.‏

14 ـ ان مزارع شبعا كان لها مخاتير منهم: الشيخ مصطفى عبد الله والشيخ محمد سرحان. وهناك وثيقة مهمة موقعة من مخاتير مجدل شمس وجبانة الزين السوريتين ومزارع شبعا اللبنانية توضح الحدود اللبنانية ـ السورية في مرحلة الانتداب.‏

15 ـ ان الحكومة السورية أرادت إجراء مسح عام عام 1944 في منطقة الحدود، فاتصلت بالحكومة اللبنانية وشكلت لجنة لهذه الغاية، وكان رئيس الجانب اللبناني القاضي رفيق الغزاوي وجرى الاتفاق على وضع الحد الفاصل بين مغر شبعا ومزارع شبعا اللبنانية.‏

16 ـ في فترة العشرينيات (1920 وما فوق) طرحت عدة مشاكل حدودية بين لبنان وسوريا حول قرى: طفيل وينطا ويحفوفا ومزرعة دير العشائر التي أعيدت إلى لبنان، ولكن لم تطرح شبعا ومزارعها مشكلة حدودية، ما يعني انها محسومة الانتماء للسيادة اللبنانية. وهناك نقاط حدودية على امتداد السلسلة الجبلية الموازية لوادي العسل انطلاقاً من مبدأ أن الحدود بين لبنان وسوريا تبعاً للقرار (R.L 27 ) الصادر في 4 شباط عام 1935 يجب أن يتبع خط انحدار المياه.‏

17 ـ وفي فترة الأربعينيات (1940 وما فوق) حصلت اجتماعات بين المسؤولين اللبنانيين والسوريين أقرت خلالها هوية المزارع. وكذلك عام 1964 باعتبار أن مزارع شبعا ضمن الأراضي اللبنانية، بعدما تدهورت العلاقة بين البلدين أواسط الخمسينيات (1950 وما فوق)، ونتج عن ذلك بعض المشاكل عندما أقدمت السلطات السورية على إقامة مخفر للدرك وآخر "للمجاهدين" في مزارع شبعا وذلك عام 1957، على حد ما جاء في مذكرات الرئيس سامي الصلح، وأنذر السكان بوجوب تقديم بيانات عائلية تتضمن قبولهم الهوية السورية بدلاً من اللبنانية حتى اتصل الرئيس الصلح يومذاك بالسفير المصري في دمشق محمود رياض وشرح له الوضع، وأصدر قرارا رقم 493 تاريخ 14/12/1957 إلى السلطات اللبنانية في مزارع شبعا بضرورة تسجيل كل الحوادث والتجاوزات وبذل أقصى الجهود للمحافظة على لبنانية مزارع شبعا.‏

18 ـ وقبل احتلال "اسرائيل" مزارع شبعا بدءاً من العام 1967، كانت السيادة الفعلية عليها للدولة اللبنانية قضائياً وضريبياً وأمنياً برغم وجود قوات سورية في بعضها. وشكلت لاحقاً "لجنة لبنانية ـ سورية ترأسها عن الجانب اللبناني العقيد انطوان الدحداح، وكان من بين أعضائها أمين عبد الملك وفوزي ساروفيم، وترأسها عن الجانب السوري محافظ دمشق آنذاك عبد الحليم خدام، وجرى الإقرار مجدداً بأن تكون الحدود الدولية هي الحدود الإدارية للقرى.‏

وانطلاقاً من كل ذلك وبرغم وجود تخطيط وتحديد عام للحدود، فإنه لا يوجد ترسيم وتثبيت خاصة في المزارع المذكورة أعلاه.‏

وإذا اعتبرنا أن الحدود تسير على خط انحدار المياه على قمم السلسلة الشرقية، أو اعتبرنا الحدود الادارية للقرى هي الحدود الدولية، فإن مزارع شبعا بما فيها النخيلة وتلال كفر شوبا تقع ضمن الحدود الدولية للبنان.‏

إلى جانب هذه الحقائق التاريخية والواقع الجغرافي المشار اليهما أعلاه، فإن أراضي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا مسجلة في الدوائر اللبنانية، والسكان يتبعون لبنان في الأحوال الشخصية ويمارسون حياتهم الانتخابية في لبنان، والإدارة اللبنانية تديرهم منذ العام 1920.. مع الإشارة إلى أن اتفاقات حصلت منذ عهد الانتداب اعتبرت وادي العسل هو الخط الفاصل بين لبنان وسوريا، وأقرت جميعها بأنها داخل لبنان. إضافة إلى ان الاعترافات التسعة السورية بلبنانية مزارع شبعا، بدءاً من حديث رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية ومساعده ومندوب سوريا لدى مجلس الأمن الدولي إلخ.. هي مهمة في القانون الدولي، وتؤكد حق لبنان الثابت.‏

أما بالنسبة للنخيلة، ولمزيد من الإيضاح، فهي جزء من أرض لبنان، وقد أكدتها القرارات الصادرة عن الانتداب الفرنسي بدءاً من العام 1920 مروراً بالقرار الإداري الصادر عن المفوض السامي الجنرال "ساراي" عام 1925 واعتبارها آنذاك إحدى قرى مديرية حاصبيا، وقد استمرت لبنانية في عهد الانتداب حتى الاستقلال، ولا تزال حتى اليوم وفقاً للقانون الاداري اللبناني كقرية لبنانية ويدفع سكانها الضرائب، وهم مسجلون في دوائر النفوس اللبنانية وانتخبت أكثر من مرة وهناك محاضر بذلك. والنخيلة ذكرت في المراسيم المتعلقة بالتنظيم الاداري الصادرة عن السلطة اللبنانية، لا سيما منها المرسوم رقم 18 تاريخ 12/1/1953 باعتبارها من قرى قضاء مرجعيون، وفي المرسوم رقم 19 تاريخ 14/4/1953 عند تعديل المرسوم 18 المذكور ولحظها من قرى قضاء حاصبيا، وكذلك في المرسوم 11 الصادر عام 1954، وفي المرسوم 116 الصادر 1959، وفي المرسوم 252 تاريخ 24/2/1983 الذي ما زال معمولاً به حتى اليوم.‏

كما وردت في القوانين الانتخابية وفي إحصاء السكان اللبنانيين، ناهيك عن أن خط النفط "التابلاين" يمر في خراج البلدة وصولاً إلى البحر المتوسط، وحصلت مشاكل طرحت أمام القضاء اللبناني، وخضعت شركة "التابلاين" لأحكام هذا القضاء، ما يعني لبنانية النخيلة المسجلة أراضيها في الدوائر العقارية اللبنانية وتتبع دائرة المحافظة في صيدا، وكان فيها مركز الجمارك اللبنانية أيام الانتداب.‏

ملاحظة: المادة 2 من الدستور اللبناني تمنع تخلي الدولة اللبنانية عن أي جزء من أرض لبنانية، وبالتالي فإن النخيلة هي وحدة عقارية ذكر أن الدولة اللبنانية لم تتحفظ عليها عند وضع الخط الأزرق، بل تحفظت على 4 مناطق هي: رميش والعديسة والمطلة ومنطقة مزارع شبعا، الا اذا اعتبرت ان النخيلة هي احدى قرى منطقة مزارع شبعا التي تناولها التحفظ. وتجدر الاشارة إلى ان النخيلة يملكها لبنانيون من آل الأميوني وآل شهاب، وتقع في أقصى الزاوية الجنوبية ـ الشرقية من قضاء حاصبيا، وتبتعد عن بيروت 118 كلم، ويفصلها عن مغر شبعا 1500 متر باتجاه الجنوب الغربي، وتقع على بعد حوالى ألف متر شمال خط "بوليه ـ نيوكامب" انطلاقاً من عين اللدان وعين تل القاضي، وعلى بعد ألفين متر من شمال غرب نقطة تلاقي الحدود اللبنانية ـ السورية ـ الفلسطينية التي هي النقطة (39).‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30