ارشيف من : 2005-2008
"الهيئة الوطنية" تتعثر بفعل المنطق الطائفي لبعض أعضائها
تمديد المهلة إلى آخر أيار وربما لأشهر عديدة
من كان يظن أن الهيئة الوطنية المكلفة إعداد قانون عادل وشامل للانتخابات النيابية قد تغدو هي الأخرى محل تجاذب وخلاف بين أعضائها؟
لقد حدث ذلك فعلاً، على خلفية التقسيمات الإدارية للدوائر الانتخابية، والتي كانت رست في صيغتها الأخيرة على الدوائر التسع أو الـ13 دائرة مع اعتماد النسبية فيهما.
هذا الأمر دفع عضوي اللجنة من الطائفة المارونية وهما ميشال تابت وزياد بارود إلى الانسحاب منها احتجاجا على هذه التقسيمات قبل أن يعودا مجدداً إلى كنف الهيئة وإنما هذه المرة على قاعدة التشاور والوصول إلى صيغة جديدة من التقسيمات الإدارية تكون محل إجماع من قبل كامل أعضاء الهيئة الذي مدد العمل بها للمرة الثالثة على التوالي إلى أواخر شهر أيار المقبل.
وما يدعو إلى الاستغراب أن هذين العضوين لم يعلنا صراحة عن خطوتهما أمام أعضاء الهيئة، بل أُخذ العلم والخبر عن طريق وسائل الإعلام في اليوم التالي، ليتبين لاحقاً أن انسحابهما يأتي على خلفية رفضهما لصيغة التقسيمات الأخيرة، ما أثار امتعاض رئيس الهيئة فؤاد بطرس، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، حتى أن احد أعضاء الهيئة وهو العميد فايز الحاج شاهين (من الطائفة الكاثوليكية ) ـ وهو على تنسيق دائم معهما ـ تفاجأ بالخطوة التي لجآ إليها، ما حمل الأخير وبطرس إلى اقتراح تعيين بديلين عنهما لاستمرار عمل الهيئة.
هذه الخطوة "غير المهذبة" ـ على حد قول أحد أعضاء الهيئة الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ"الانتقاد" ـ فضلاً عن التعاطف الذي لاقياه من قبل بعض القوى المسيحية دونما أن يسألوا عن الأسباب وماهية هذا الانسحاب وتبريراته، أظهرا أن الهدف من هذا الانسحاب ينطوي على العودة إلى العمل بتقسيم الدوائر الانتخابية على الأساس الطائفي (13 دائرة انتخابية) أي العودة إلى منطق قانون 1960، وبمعنى أوضح فإن المطلوب هو أن تنتخب كل طائفة ممثليها إلى البرلمان، فالمسيحيون ينتخبون ممثليهم، وكذلك الحال بالنسبة للمسلمين، وهذا برأي عضو الهيئة مخالف لاتفاق الطائف، كما هو مخالف لقرار إنشاء الهيئة التي أخذت مبادئها من روح الطائف الذي ينص على أن المحافظة هي الدائرة الانتخابية بعد إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية مع مراعاة قواعد العيش المشترك.
ويشير عضو الهيئة إلى أن "المداولات التي جرت في الأشهر السبعة الأخيرة أفضت إلى وجود صيغتين للتقسيمات الإدارية: الأولى تقول بتسع دوائر انتخابية باستثناء العاصمة (وقد وافق عليها ثلثا أعضاء الهيئة)، والثانية تقول بـ13 دائرة انتخابية باستثناء بيروت، غير أن العضوين المذكورين رفضا رفع الصيغتين معاً إلى مجلس الوزراء، وطالبا برفع صيغة واحدة وهي الثانية، مع العلم أنه بإمكان الهيئة أن ترفع الصيغة الأولى على قاعدة الأكثرية غير أن الفريق الآخر وعملاً بمبدأ "حسن النية" ارتأى ـ وبموافقة رئيس الهيئة ـ أن يتم رفع الصيغتين معاً، وبرغم ذلك رفض بارود وتابت هذا الاقتراح وأعلنا انسحابهما في وقت لاحق". ويضيف هذا العضو "أن بطرس أعرب عن انزعاجه من تصرف هذين العضوين وقال لهما بالحرف الواحد لا يجوز أن تفرضوا رأيكم على أكثرية الثلثين في الهيئة لذلك أقترح أن يتم رفع الصيغتين حتى لا يقال عن الموارنة إنهم مشوا ضد هذه الصيغ".
وأكثر من ذلك فإن "الفريق" الذي هو منه هذا العضو أعرب عن استعداده "القبول" بصيغة الـ13، لكن شريطة أن تجري مراعاة للعيش المشترك، في حين أن المطلوب وفق ـ الفريق المقابل ـ "هبرة" طائفية، ويعطي مثالاً على ذلك كأن يجري فصل قضاء زحلة عن البقاع الغربي، وبعبدا عن المتن، وأقضية الشمال التي في غالبيتها من لون طائفي واحد عن طرابلس. بمعنى أوضح "حيث أمكن الفصل هم مع الفصل، وحيث أمكن الجمع نحن مع الجمع".
ويلفت بشيء من الاستغراب كيف أن بارود الذي يفتش عن دور سياسي ما قد جيّش بعض القوى المسيحية والدرزية، بينها البطريرك صفير، والنائب وليد جنبلاط، بشأن التقسيمات الإدارية، وقدّم مغالطات هي بعيدة عن الواقع، الأمر الذي دفع البطرك صفير في احدى مواعظه إلى الحديث عن الظلم الذي قد يلحق بالمسيحيين عندما ذكر أن إحدى الدوائر الانتخابية التي هي من لون واحد (150 ألف ناخب مسيحي) أضيف إليها (50 ألف ناخب من لون آخر) مع العلم أن هذه الدائرة ولو سلّم جدلاً كذلك سيكون لها أربعة نواب: ثلاثة من لون واحد، وواحد من لون آخر، فأين يكمن الظلم؟
ويقول مصدر مقرب من اللجنة لـ"الانتقاد" إن تمديد عمل الهيئة إلى أيار قد يفتح الباب أمام تسوية الأمور، غير أنه لا يستبعد أن يكون النقاش في التقسيمات الإدارية في غاية التعقيد، وخصوصاً أن "ملائكة" الطوائف السياسية في البلاد حاضرة بقوة على مشرحة الحوار بين أعضاء الهيئة، وبالتالي من "الطبيعي أن يجري مراعاة هذه القوى لأننا لا نسنّ قانوناً لدولة السويد لنسقطه على لبنان".
وإذ أكد أن عودة العضوين بارود وتابت إلى الهيئة لا تعني العودة إلى نقطة الصفر أعلن المصدر أن الهيئة أنجزت عملها الانتخابي بكل تفاصيله من حيث اعتماد النسبية والتأهيل على مستوى القضاء، وتخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة، مروراً بالصوت التفضيلي، وتنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين، وصولاً إلى استحداث "الكوتا" النسائية، وإنشاء هيئة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية.
ويعزو العقدة أمام الهيئة الى الدوائر الانتخابية "لأن لا نص واضحاً لاتفاق الطائف بهذا الخصوص، ولا سيما أن هناك اجتهادات كثيرة فيما يتعلق بتطبيق الطائف لجهة التقسيمات الإدارية، فكلّ يفسّره وفق رؤيته ومفهومه للطائف"، لكنه في المقابل يعتبر أنه "لا يمكننا أن نعمل معايير على المسطرة بل يفترض أن تلحظ هذه المعايير جغرافية الدوائر على الأرض، فهناك دوائر مختلطة وأخرى خلاف ذلك، وبالنتيجة لا نستطيع أن نرضي الجميع، حتى أن مفهوم العيش المشترك الذي نادى به الطائف فيما خص اعتماد المعايير الانتخابية هو محط اختلاف واجتهادات عدة بين أعضاء الهيئة، فالطائف تحدث من جهة عن وجوب مراعاة العيش المشترك، ما يعني أن نؤسس لدوائر انتخابية مختلطة، ومن جهة أخرى يتحدث عن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ما يوحي أن المسلمين ينتخبون نوابهم، والحال نفسه بالنسبة للمسيحيين، مثل هذه المسائل تحتاج لكثير من النقاش قد يمتد لما بعد أيار، وربما لأشهر عديدة.
حسين عواد
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018