ارشيف من : 2005-2008

ورشة مناقشة مشروع قانون الجامعة اللبنانية تُظهّر الخلاف:تجاذب بين سلطة الوصاية وأهل الجامعة حول الإصلاح

ورشة مناقشة مشروع قانون الجامعة اللبنانية تُظهّر الخلاف:تجاذب بين سلطة الوصاية وأهل الجامعة حول الإصلاح

ظهّرت ورشة مناقشة مشروع قانون الجامعة اللبنانية المقترح من قبل وزير التربية خالد قباني في قصر الأونيسكو ليومين متتاليين الخلاف بين سلطة الوصاية المتمثلة بوزارة التربية والتعليم العالي وأهل الجامعة.‏‏

هذا الخلاف ترجم مقاطعة للورشة من قبل عدد كبير من الأساتذة الجامعيين الذين يسجلون ملاحظات على المشروع شكلاً ومضموناً، ويتوجسون من محاولات لتمرير المشروع بطرق التفافية بعيداً عن مرجعية مجلس الجامعة.‏‏

يتحدث العديد من الأساتذة الجامعيين عن مغالطات رافقت مشروع اقتراح قانون الجامعة الذي تناولته ورشة النقاش في الأونيسكو، وهي تبدأ من الشكل لتنتهي عند المضمون. ويسجل هؤلاء الأساتذة الملاحظات الآتية:‏‏

في الشكل كان يفترض بوزير التربية إحالة المشروع إلى مجلس الجامعة بعد إعادة تشكيله كونه الإطار الوحيد الصالح لمناقشة أي قانون للجامعة، والذي تعود له كلمة الفصل إيجاباً أو سلباً، غير أن الوزير قباني أصر على طرحه خارج الإطار القانوني من خلال ورشة العمل التي دعا إليها بعض الأكاديميين، وهو أمر مخالف للمادة 17 من قانون تنظيم الجامعة التي نصت على مرجعية مجلس الجامعة في البت بأي مسألة تخص الجامعة.‏‏

النقطة الثانية التي أثارت امتعاض الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، هي أن اللجنة التي شكلها وزير التربية لصياغة مشروع القانون الجديد بدت مجتزأة، إذ أنها لا تمثل مختلف قطاعات الجامعة وكلياتها وفروعها، وأكثر من ذلك اعتمدت هذه اللجنة السرية في عملها، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول طبيعة المشروع والمراد منه!‏‏

النقطة الثالثة التي أثارت استياء المعنيين تتعلق بطريقة توزيع الدعوات حيث جاءت استنسابية بامتياز، الأمر الذي فسره البعض بأن الوزير قباني يريد تمرير المشروع بطريقة التفافية، وبأقل قدر ممكن من الاعتراض.‏‏

أما في المضمون، فبنود المشروع فيها ما يزيد من تعقيد آلية القرار في الجامعة، من خلال استحداث مجالس ومواقع جديدة، وبالتالي إعاقة حركة القرار لمصلحة البيروقراطية بدءاً من رئاسة الجامعة وصولاً إلى الهيئة التنفيذية، إضافة إلى زيادة الهدر وتحميل الجامعة أعباء إضافية.‏‏

في هذا الإطار يقول عضو الهيئة التنفيذية في رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور عبد الله زيعور لـ"الانتقاد" إن ضم نظام تعليمي جديد (LMD) إلى صلب مشروع القانون هو خطأ جسيم، لأن نُظم التعليم تتغير باستمرار، الأمر الذي يجعل من المشروع فاقداً لمفهومية الثبات المطلوبة، إذ أنه لا يمكننا أن نغير القانون كلما طرأ تغير في النظم التعليمية، وهذا يستدعي بطبيعة الحال عزله عن مشروع القانون، وإلا يُعتبر منافياً لقوانين الجامعات العصرية وأعرافها.‏‏

وفي ما خص مجلس الأمناء (المشروع الجديد) ـ وهو عبارة عن مجموعة من الفعاليات تضم أشخاصاً من المهن الحرة وتربويين وشخصيات معروفة ـ فيخشى زيعور من "أن يتحول مع الوقت الى مجلس ملي للطوائف ويصبح بمثابة سلطة وصاية، وهذا ما لا يريده أهل الجامعة".‏‏

ويضيف د. زيعور "من سلبيات المشروع أنه يعيد صياغة "الفروع" وتوزيعها في المناطق على قاعدة المحاصصة الطائفية، هذا فضلاً عن أنه يحرم الفروع مما يسمى بتدريس الحلقة الثانية (أي الماستر ومدتها سنتان) وحصر التدريس في الفروع في السنوات الثلاث الأولى (إجازة)، ما يفرض على الطلاب الذين يريدون استكمال دراستهم أن ينتقلوا إلى العاصمة، مع ما يشكل ذلك من أعباء مالية إضافية على الطلاب وهدر للوقت، وهذا بمجمله مناف لما يسمى بالإنماء المتوازن الذي نص عليه اتفاق الطائف".‏‏

ويتابع "ثمة كلفة عالية لإعادة صياغة الجامعة في المشروع الجديد، (على أساس خمس وحدات جامعية للكليات المتشابهة) خاصة لجهة تشكيل المجالس الأكاديمية، والبحثية والتخطيط، والرقابة، وتقويم الأداء، وكلفة إعفاء من التدريس، وهذه الأخيرة تضر بمصلحة الجامعة التي هي بأمس الحاجة إلى ساعات تدريس، خصوصاً بعد "الانتفاخ" في عدد الطلاب الجامعيين الذي تجاوز هذا العام الـ75 ألف طالب".‏‏

ويؤكد د. زيعور أن "المشروع" يعرّض الجامعة لمزيد من التدخلات السياسية والطائفية على مستوى توزيع الوحدات والأعضاء في المجالس الأكاديمية، وهذا من شأنه أن يضعف مسيرة الجامعة اللبنانية التي تعاني أصلاً منها فيعيق عملها وتطويرها، وإذا كان الهدف من المشروع في جزء منه تفعيل العمل الإداري لجهة الإسراع في المعاملات الإدارية فإن الواقع مغاير تماماً، ذلك أن مفهوم الروتين الإداري المعمول به حالياً كُرس أكثر فأكثر مع المشروع الجديد، على اعتبار أن توقيع أي معاملة قد يستغرق شهوراً طويلة لبتّها نظراً لكثرة الموقعين (رئيس القسم في الجامعة، نائب العميد، العميد، مروراً بمجلس الوحدة، ثم رئيس الوحدة، وصولاً لرئيس الجامعة)!‏‏

من جهته يسأل عضو مجلس المندوبين لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور بسام الهاشم لماذا لم ينطلق وزير التربية ـ إذا كان بالفعل يريد إصلاحاً ـ من مشروع القانون الذي أُعد في السابق وتبناه مجلس الجامعة عام 2002 بدل أن يقفز فوقنا"؟‏‏

ويعتبر د.الهاشم أن "وزير التربية تجاوز صلاحياته كوزير‏‏

للوصاية لا أكثر ولا أقل". ويسأل مجدداً من أين له هذه الصلاحية، ومن أين أتى بها ليدعو إلى مؤتمر حول الجامعة اللبنانية وإصلاحها خارج الأطر الشرعية!‏‏

وقال: "إن الأولوية اليوم ليست الشروع في بحث قانون جديد للجامعة، بل في إصدار مشروع قانون تنظيم المجالس الأكاديمية الذي كان أقره مجلس الجامعة ورابطة الأساتذة ومجلس الوزراء ولجنة التربية قبل أن يتوقف في لجنة الإدارة والعدل، لا سيما أن الرئيس رفيق الحريري كان قد تعهد في كانون الأول/ ديسمبر 2003 السير به، وعلى أساسه تم تعليق الإضراب المفتوح".‏‏

ويأخذ الهاشم على قباني تشكيله لجنة صياغة المشروع من أعضاء تم اختيارهم بطرق مزاجية، لا بل من "وحدة توجه"، بدليل انه من أصل ثمانية أعضاء تم اختيار ستة معروفين بتوجهاتهم التي أسبغوها على المشروع، فيما العضوان الآخران كانا بمثابة "شرّابة خرج"، وهذا معناه أن قباني لم يراع تنوع الآراء داخل الجامعة ليتصف المشروع بالمصداقية بالرغم من تحفظنا أصلا على طريقة طرح المشروع".‏‏

ويرى د.الهاشم أن مقتل المشروع يكمن بالدرجة الأولى بأنه لا يزال "يضعنا في نقاش أيديولوجي عقيم، في حين أن المطلوب وقبل أن نبحث في أي قانون جديد أن نسأل عن ماهية الوظيفة المطلوبة من الجامعة، عندئذ نعرف ما إذا كنا نريد "مركزة" الجامعة أم لا"؟‏‏

ويضيف: "نحن في التيار الوطني الحر نقول إن وحدة البلد لا يمكن أن تتعزز إلا عن طريق احترام المناطق وتعزيز وضعها من خلال نشر صروح الجامعات فيها، والذي يحصل اليوم هو مركزة الجامعة وتقسيمها إلى خمس وحدات: كل واحدة تضم عددا من الكليات والمعاهد، في حين أن المطلوب هو إيجاد خمس مناطق جامعية تكون حاصلة على الاستقلال الذاتي، على أن تكون ممسوكة بقاعدة وسيطة وهي المجلس الأعلى للجامعة، في حين أن الوحدات لا تسمح بتنويع البرامج ولا تحقق الغاية الأساسية المنشودة من خلال نشر الجامعات في المناطق، ولا تسهم في الإنماء المحلي، هذا فضلا عن تشابك الصلاحيات وتعقيدها، على اعتبار انه في المشروع الجديد تغدو "العمارة" (الجامعة) مقسمة إلى خمسة طوابق: القسم، الفرع، الكلية، الوحدة، وأخيراً مجلس الجامعة، وتكون جميعها مرتبطة بالمركز، وهذا يشكل عائقاً أمام اتخاذ أي قرار اداري، أو البت في أي معاملة إدارية".‏‏

ويخلص د .الهاشم إلى القول "الواضح أن المشروع وان طمأن أهل الجامعة في الأطراف بعدم المس بالفروع، ولكنه يترك الباب مفتوحاً لجهة الدمج وربما الإلغاء تحت عناوين وذرائع قد تجد لها مسوغا من قبل أهل الربط والحل".‏‏

حسين عواد‏‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ الانتقاد1155 ـ 31 آذار/مارس 2006‏‏

2006-10-30