ارشيف من : 2005-2008

الحزام الأمني الإسرائيلي ينتقل إلى ما وراء الحدود؟!

الحزام الأمني الإسرائيلي ينتقل إلى ما وراء الحدود؟!

حالة التأهب غير المسبوقة للجيش الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية منذ دحره عن جنوب لبنان في العام 2000، حولت المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة إلى منطقة عسكرية تحكمها إجراءات أمنية مشددة. وبلغت هذه الحالة الذروة مع التعليمات المشددة للجنود والمستوطنين على السواء بتقييد حركتهم ومنعهم من الاقتراب من السياج على طول الحدود اللبنانية. وتزامنت هذه الإجراءات الميدانية مع تهديدات القادة العسكريين والسياسيين بعدم وقوف "إسرائيل" مكتوفة الأيدي في حال أقدم حزب الله على تنفيذ عملية نوعية كمحاولة اسر جنود إسرائيليين...‏

هذا الوضع، حرص الإسرائيلي على تظهيره إعلامياً وسياسياً بما يخدم أهدافه، ولكن العديد من المراقبين سجلوا ملاحظات عدة يمكن أن تساهم في تسليط الضوء على بعض جوانب هذا الأداء ودلالاته:‏

ـ المشهد الأول الذي لفت اهتمام المتابعين والمراقبين هو الطابع "الدفاعي" المحض الذي حرصت وتحرص "إسرائيل" على الظهور به، وكأن استمرار احتلال الأرض واعتقال الأسرى اللبنانيين ليس تماديا في الاعتداء، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما يجعل "إسرائيل" تبدو وكأنها الطرف المستهدَف، وتكتفي في المقابل بالتحذير والتهويل الذي لم يخرج حتى الآن عن الحد المتعارف المخالف لديدنها منذ إعلان الكيان الإسرائيلي عام 1948 والمتعارض أيضا مع سوابقها التاريخية واستراتيجية الضربات الاستباقية والوقائية على حد سواء، وبما يفترض أنه يتلاءم مع حجم القوة العسكرية التي تمتلكها، وتكتفي أيضا بالإجراءات الاحترازية الميدانية للحؤول دون نجاح المقاومين في تحقيق أهدافهم، برغم تعارض هذا الاكتفاء جذرياً مع المكانة التي يحتلها مفهوم الردع في منظومة الأمن القومي الإسرائيلي ودوره في استمرار وجود "إسرائيل" وتحقيق الشعور بالأمن...‏

ـ وفي ما يخص مفهوم الردع أيضاً، بعد كل المراحل التي مر بها الصراع بين المقاومة الإسلامية في لبنان والعدو الإسرائيلي والنتائج التي تحققت، والإقرار المتكرر من قبل قادة العدو العسكريين والسياسيين على حد سواء، فضلا عن المعلقين الإسرائيليين بمختلف اختصاصاتهم، بفعالية قوة ردع المقاومة الإسلامية، من المفاجئ وجود من يشكك بواقعية وجدوى استمرار جهوزية المقاومة في تحقيق نتائج ردعية تنعكس أمناً واستقراراً وحماية للبنان. وإذا أحسنّا الظن بخلفية البعض، فإننا لا نجد سوى تفسير وحيد بأن هؤلاء حاولوا فهم الردع من خلال تعداد ما يملك كل طرف من أسلحة تدميرية، والمقارنة الرقمية بين ما بحوزة الأطراف، متجاوزين تجربة أكثر من عشرين سنة من المقاومة، وما ترتب عليها من نتائج، ليس كبح جماح العدو سوى إحداها، في حين أن توافر حالة الردع مرتبط بمجموعة من العوامل منها تقويم ورؤية العدو لمدى قدرة المقاومة، ومناعة مجتمعها ومدى صلابتها، ومستوى تصميمها على فعل كل ما هو مطلوب من اجل إسقاط كل تهديداته، وهو ما عاينته دوائر القرار في الكيان الإسرائيلي في العديد من المحطات المفصلية التي مر بها الصراع، فضلا عما كُشف مما لدى المقاومة من قدرة على تطوير واجتراح تكتيكات عسكرية قادرة على التعويض عن الهوة القائمة في موازين القوى العسكرية، وهو أمر شهد به القادة العسكريون الإسرائيليون أنفسهم، ولاحظه كل من حاز الحد الأدنى من مواكبة مسار تطور المقاومة الإسلامية.‏

ـ إضافة إلى ما سبق، تبقى الأهمية القصوى للواقع الميداني الأصدق تعبيرا عن حقيقة ما يسوده من معادلات، والمُعبِّر عن العوامل المبلورة لها، وتكفي الإشارة إلى المشهد الأخير الذي آلت إليه الأمور إذ بعد أن كان العدو يتبنى، من ضمن استراتيجيته، إقامة حزام أمني في عمق الأراضي اللبنانية، انتقل الآن ليقيم ما يشبه الحزام الأمني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة والمحاذية للبنان بحيث وضع قيودا على حركة الجنود والمستوطنين داخل مستوطناتهم وبينها، ومنعهم من الاقتراب من الخطوط المتاخمة للبنان؟!‏

علي حيدر‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1156 ـ 7 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-30