ارشيف من : 2005-2008
احتفال جماهيري حاشد بولادة الرسول(ص) وأسبوع الوحدة الإسلامية، السيد نصر الله: ذاهبون إلى طاولة الحوار الوطني أياً تكن الصعوبات السياسية والأمنية،كلمة المقاومة بكل أحرفها لم نكتبها بالحبر وإنما بدماء الآلاف من شهدائنا
مناسبات عدة اجتمعت في واحدة. امتزج الديني بالوطني وبالسياسي، فكانت رزمة من المواقف القاسم المشترك فيها الدعوة إلى الوحدة الإسلامية والوطنية، واستحضار الماضي إلى الحاضر لأخذ العبر وتجنب الوقوع في أهوال الماضي. ساهم التوقيت وتزامن مناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) وأسبوع الوحدة الإسلامية وولادة الإمام الصادق (ع) في إطلالة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله على ما يهم المسلمين في لبنان والعالمين العربي والإسلامي للتشديد على الوحدة الإسلامية بمواجهة هجمة القوى العظمى المسيطرة، حيث لم تعد هذه الوحدة ترفاً فكرياً، إنما حاجة ملحة على خلفية ما يجري في العراق من افتعال للفتنة بين المسلمين، وما يجري في فلسطين من تجويع وتقتيل للشعب الفلسطيني عقاباً له على خياره الديمقراطي، وما يجري من استهداف للجمهورية الإسلامية الإيرانية لمنعها من امتلاك التقنيات النووية للأغراض السلمية لكسر احتكار القوى العظمى لهذه التقنيات.
ولم تكن المناسبات الوطنية بعيدة بدءاً من الذكرى 31 لبدء الحرب الأهلية اللبنانية، وذكرى عدوان نيسان في 96، فكان التذكير بأهوال الأولى لتجنبها وأخذ العبر منها وتحديد خطوط حمراء لعدم العودة لها، والتنبيه من البعض الذي يصل بالبلد إلى حد الحرب، ولكن من دون إطلاق نار، وشدد على "أن العبرة التي يجب أن نأخذها من الحرب الأهلية هي أن نحتكم إلى المؤسسات والحوار"، وأعلن "أنه سيذهب إلى طاولة الحوار الوطني في الثامن والعشرين من نسيان الجاري أياً تكن الصعوبات السياسية".
أما التذكير بالثانية فلتمجيد البطولات والصمود وتكامل الأدوار، وتكريس الوفاء للدماء التي بذلت في تلك المرحلة ومهدت للانتصار في أيار العام ألفين، وإسقاط أهداف العدو في نزع سلاح المقاومة وإجباره على الاعتراف بها كمقاومة في نص تفاهم نيسان متوخياً تضمين رسالة في إيراد هذا الشاهد لمن يهمه الأمر.
في الإطلالة الأولى للسيد نصر الله بعد الكشف عن الشبكة الإرهابية التي كانت تخطط لاغتياله، أفرد حيزاً مهما من كلمته لهذا الموضوع، وأبدى مستوى رفيعاً من الحكمة في التعاطي المسؤول، وأظهر حرصاً شديداً على استيعاب التداعيات السلبية على الوحدة الإسلامية والوطنية، وكان موضع تقدير من اللبنانيين والقيادات السياسية.
وأكد أن هذه القصة "أصبحت في عهدة القضاء، ولا نريد ثأراً ولا نريد انتقاماً. نريد الحقيقة لنعترف ونحتاط وننتبه لأنفسنا ولبلدنا. وإذا لم يثبت شيء على الموقوفين فلا توجد تهمة لنسامحهم بها، واما إذا ثبت أنهم متورطون فأنا كشخص مستهدف لن أطالب بحقي الشخصي ولن أرفع دعوى عليهم وسأسامحهم من الآن".
كما أولى سماحته موضوع الورقة الإصلاحية قدراً مهما من الاهتمام، داعياً إلى نقاش جدي وموضوعي لهذه الورقة بعيداً عن المناكفات السياسية ومؤكداً أنه "لا يجوز أن تستغل هذه المسألة لتكون مادة سجال أو مادة صراع".
الاحتفال بدأ بباقة من التواشيح والمدائح النبوية من وحي المناسبة ثم ألقى الشيخ غازي حنينة كلمة تجمع العلماء المسلمين فشدد على الوحدة الإسلامية ثم تحدث السيد نصر الله:
استهل السيد نصر الله كلمته مؤكداً "أن لا سبيل لعزة وكرامة الأمة الإسلامية إلا بالعودة إلى سبيل ونهج رسول الله (ص) والتوحد خلف رايته الشريفة"، مشدداً على الوحدة الإسلامية التي دعا إليها الإمام الخميني، معتبراً أن مناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) وأسبوع الوحدة الإسلامية "هي مناسبة عظيمة جداً يجب أن نستعين بها على التحديات التي تواجهنا، وأن نستغلها من خلال كل الفرص المتاحة للتعريف بشخصية النبي الأكرم وفضائله وعظمته"، خصوصاً في هذا العام الذي أعلنه الإمام الخامنئي عاماً لرسول الله(ص).
وتحدث عن معنى الوحدة الإسلامية فقال "عندما نتحدث عن وحدة إسلامية أو وطنية، فنحن لا نتحدث عن وحدة دينية واندماجية وتذويبية، فتاريخياً دخل الإسلام الى الكثير من دول العالم وشعوبه ولم يُلغِ خصوصياتها على الإطلاق، ولم يتَّبِع سياسة التعريب، ولم يعمل على قاعدة إلغاء العادات والتقاليد والزي الوطني وما كان يتوارثه هؤلاء الأقوام، بل جاء الى ما اعتبره فاسداً منها فاعترض عليه وسكت عن كل ما هو إرث ثقافي واحترم هذه الخصوصيات. اليوم لا يجوز أن يخاف أحد عندما نتحدث عن الوحدة الاسلامية، فالإمام الخميني (قده) من موقعه الفكري والعلمي حل إشكالا مهماً بالنسبة لنا كمسلمين وحركات اسلامية. كل مسلم في أي بلد يتطلع الى الوطن الاسلامي الواسع والكبير، والدولة الاسلامية الكبيرة والخلافة العادلة والراشدة، لا يستطيع أي مسلم أن ينكر أن في أعماقه شيئاً من هذا. كلنا يطمح لشيء من هذا النوع، ولكن هل هذا يعني أن نتجاهل ونتنكر لدولنا وبلداننا وواقعنا السياسي والاجتماعي. يمكن لكل واحد أن يعيش في بلده في لبنان في سوريا في العراق الخ ... وأن تكون له دولته وحكومته ونظامه، ولكن ينبغي أن تقوم علاقات متينة ووثيقة بين شعوب هذه الدول وبين حكومات هذه الدول، ويمكن أن نقيم اتحاد الدول الاسلامية، يكون أشبه باتحاد الدول الاوروبية التي تتعاون في مصالحها المشتركة".
وأشار إلى أن القوى العظمى المسيطرة على العالم، ينكشف كذبها ونفاقها على شعوب العالم يوماً بعد يوم، وتنقلب على شعاراتها وتمارس ظلما وقمعا ضد الآخرين.
وقال "اليوم الشعب الفلسطيني يعاقب على خياراته الديمقراطية. عندما وقف جورج بوش في بداية ولايته الثانية تحدث 29 مرة عن كلمة الحرية، لكن عندما جاء الشعب الفلسطيني يمارس حريته وينتخب ممثليه انقلبت الادارة الاميركية على شعاراتها وعلى قسمها، وقامت ضد هذا الشعب مع ربيبتها "إسرائيل". الشعب الفلسطيني منذ أن مارس حريته وخياره الديمقراطي هو بين فكي كماشة التقتيل والتجويع. وما فعلته اميركا اليوم (الجمعة الماضي) بمنع مجلس الأمن من إصدار قرار لا يدين "إسرائيل" وإنما يطلب منها بتواضع ولطف وقف اعتداءاتها على الفلسطينيين، يذكرنا بالفيتو الاميركي ضد القرار الذي يدين "إسرائيل" على خلفية مجزرة قانا التي حدثت على مرأى وفي موقع الامم المتحدة! هذا هو الوجه الحقيقي لبوش ورامسفيلد ورايس، وجه مصاصي الدماء. اليوم أميركا تغطي العدو الصهيوني في قتله اليومي للفلسطينيين وتدفع العالم كله لمحاصرة الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية المنتخبة، وهم يظنون أن الشعب الفلسطيني سوف يتراجع أو يتنازل، وهم يخطئون من جديد! يجب أن يعرفوا أن شعوبنا لا يمكن أن تقمع أو تهزم أو تذل، وأثبت الشعب الفلسطيني للعالم أنه أقوى من الحديد والجوع والنفي، ومطلوب من العالم العربي والإسلامي وكل الشعوب والشرفاء في هذا العالم أن يقفوا ويدعموا الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى ما يتعرض له العراق من الاحتلال الأميركي ومن تدخلات واعتراض واشنطن لمصادرة إرادة العراقيين وفرض مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء وصنع الفتنة في الشارع وبين الكتل النيابية المختلفة وقال "هذه هي الصورة الحقيقية للاحتلال في العراق، الصورة التي تشيع القتل والخراب في انحائه".
وتابع "أما في الملف النووي الإيراني، فلعله من أكثر الملفات التي تهتم بها الادارة الأميركية. الإيرانيون مارسوا حقهم الطبيعي. كل دولة في هذا العالم لها حق طبيعي في امتلاك الطاقة النووية، وهذا ليس فيه خروج على القانون الدولي، ولكن ممنوع على إيران والدول التي مثل ايران أن تصبح دولاً غنية مستقلة. هذه هي الحقيقة. هم يعاقبون إيران على نياتها في الوقت الذي يغضون فيه النظر عن مئات القنابل النووية في "إسرائيل"!
ممنوع إحراق لبنان
وتوقف السيد نصر الله عند ذكرى الحرب الأهلية وقال "اليوم، إذا أجرينا استطلاعاً للرأي في لبنان بين الذين عايشوا الحرب فلن نجد أحداً يوافق على اعادة لبنان إليها. جيل الشباب لم يعش الحرب وعلى الجيل الذي عايش الحرب أن يخبره عن أهوال الحرب حتى لا يكون جيل الشباب الأرضية لإعادة لبنان إلى حرب أهلية، وهذه مسؤولية الجميع".
وأكد أن المشروع الأميركي الحقيقي في لبنان هو حرب أهلية، وأن المشروع الصهيوني الحقيقي في لبنان هو حرب أهلية، وبالتالي المشروع الوطني الحقيقي في لبنان هو السلم الاهلي والعيش المشترك وبناء الدولة، لذلك مسؤوليتنا جميعاً أن نحصن أجيالنا التي لم تعش أهوال الحرب والتي قد تؤخذ بالعاطفة والحماسة والانفعال والتحريض الى حيث يريد أعداء لبنان.
أضاف "في نفس الإطار نحن جميعا، وخصوصا القوى السياسية ووسائل الإعلام، علينا مسؤولية كبيرة جداً، وأن ننتبه ونحن نتكلم أو نعترض بأن لا نقع في فتنة التحريض الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، أو التحريض المذهبي أو المناطقي أو العائلي. كلنا نرتكب أخطاءً على هذا الصعيد ـ وأنا لا أريد أن أنزِّه نفسي ـ ولكن في ذكرى الحرب الاهلية يجب أن نكون مسؤولين...لا يكفي أن أقول أنا أو أنت إننا نرفض العودة الى الحرب الاهلية ونحن نمارس سياسةَ وإعلامَ وأدبياتِ وشعارات الحرب الأهلية. بعضنا يصل بالبلد احيانا الى حرب لا ينقصها الا اطلاق النار. يجب أن نتوب وأن نتذكر، ولذلك مطلوب من الجميع أن يقفوا ليقولوا لي ولأي موقع مسؤول: لبنان وشعب لبنان ليس ملكاً لكم ولا لآبائكم، وليس عبداً لكم، هناك خط أحمر، ممنوع إغراق لبنان... ممنوع تدمير لبنان... من يريد الحرب والغرق فليذهب لوحده".
وتطرق السيد نصر الله إلى موضوع طاولة الحوار فقال "في الأيام القليلة الماضية قيل الكثير عن طاولة الحوار الوطني، وأنا أقول، نحن كلبنانيين ليس أمامنا خيار سوى طاولة حوار وطني واللقاء والتواصل والذهاب إلى هناك. أنا سأذهب إلى طاولة الحوار الوطني أياً تكن الصعوبات السياسية والأمنية لأنه ليس هناك خيار آخر أمامنا كلبنانيين. أهم عبرة أو ملاحظة يجب أن نأخذها من الحرب الأهلية هي أن نحتكم إلى المؤسسات... نعم نحتكم إلى المؤسسات. إذا التقينا في 28 نيسان ووصلنا إلى نتيجة فهذا... عظيم. وإذا لم نصل إلى نتيجة، هذا يعني أن رئيس الجمهورية باقٍ، وأن على الأكثرية النيابية والحكومة أن تتعايشا وتتعاونا مع رئيس الجمهورية مدة الولاية المتبقية من أجل لبنان. لا يجوز هنا أن نضع الاعتبارات النفسية أو الحزبية أو الفئوية فوق الاعتبارات الوطنية. هل نبقي البلد معطلاً سنة ونصفاً حتى نبدّل رئيس الجمهورية؟ هناك آخرون يريدون تغيير الحكومة أو إسقاطها، ولكنهم لا يقدرون على ذلك من خلال المؤسسات الدستورية. عليهم أن يتعايشوا مع هذه الحكومة ويتعاونوا معها بما فيه مصلحة لبنان. واليوم هناك مسؤوليات كبيرة أمام الحكومة، وقد شمّرت عن يديها وقالت أنا سأهتم بالوضع الاقتصادي والاجتماعي. لنعطِ الحكومة فرصة لتصلح الوضع الاقتصادي والاجتماعي. قد تكون هناك طروحات تتحدث عن حكومة وحدة وطنية من أجل أن يكون هناك حكومة تستطيع أكتافها أن تحمل هذا الإصلاح الثقيل.(...).
كما توقف السيد نصر الله عند ذكرى عدوان نيسان، وقال: "بدأت الحرب ولها هدف واحد كهدف القرار 1559، دمرت آلاف البيوت، وهجر مئات الآلاف من اللبنانيين من أجل نزع سلاح المقاومة، ولكن المقاومة وشعبها صمدا، فسقط الهدف وبقيت المقاومة وبقي سلاحها وصنع التحرير في أيار عام 2000. في ذلك اليوم لم تحمِ لبنان اتفاقية الهدنة عام 1949 ولم تحمِه الضمانات الدولية والمجتمع الدولي، بل أسوأ من ذلك لقد أدار المجتمع الدولي ظهره للبنان وتركه مستباحاً للطائرات ولآلة القتل والتدمير الصهيونية. في تفاهم نيسان تكاملت الأدوار، المقاومة، الجيش، الشعب، الدولة، ونذكر هنا بالخير دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما قام به في تلك المرحلة. في تفاهم نيسان بقينا لأيام نقاتل، انتبهوا لماذا؟ لأنه في لبنان هناك أناس لا يعرفون ما هي حساسياتنا تجاه بعض التعابير. في النص المكتوب في مسودة تفاهم نيسان أصر الأميركي والإسرائيلي أن يكتبوا كلمة "الميليشيات المسلحة في لبنان"، ونحن رفضنا وبقي النقاش ثلاثة أيام حتى تراجعوا عن كلمة الميليشيات المسلحة. دفعنا دماً حتى لا يكتب في نص نعترف فيه للعالم أننا ميليشيا مسلحة، نحن مقاومة ـ بالنسبة للغرب قد لا تكون كلمة ميليشيا سيئة وهذا حقهم، ولكن بالنسبة إلينا نحن في لبنان كلمة ميليشيا كلمة غير طيبة وغير جيدة ولذلك نصرّ على كلمة مقاومة ـ النقاش هنا ليس نقاش كلمات ولا نقاش مصطلحات، الأمر يتصل بالمعاني. ليعرف العالم كله أن هذه الكلمات التي نصرّ عليها، وأن كلمة مقاومة بكل أحرفها الميم والقاف والالف والواو والميم والتاء المربوطة، هذه الأحرف لم نكتبها بالحبر وإنما كتبناها بدماء الآلاف من شهدائنا والدموع والآهات والعذابات والجوع والخوف وسهر الليالي. هذه المقاومة هي ليست حصيلة قصيدة شعرية أو مقالة نثر إنما هي حصيلة أعز ما يملك الإنسان. نقول لبعض الأخوة اللبنانيين إذا وجدتم مني أو من بعض إخواني في موقف ما تعبيراً غاضباً أو منفعلاً فأرجو أن تتفهمونا لأننا لا نتحدث لا عن شركة تجارية أو بنك نحن نتحدث عن دماء البشر وعرقهم ومستقبلهم".
وتابع "أرادوا حرب عناقيد الغضب للقضاء على المقاومة فأسست المقاومة لانتصارها في العام 2000، وهكذا يجب أن نبني عندما نناقش المستقبل القريب. نحن عندما نتحدث في الإعلام أو على طاولة الحوار عن الاستراتيجية الدفاعية الوطنية لا نناور ولا نضيع وقتاً، وإنما نحن جديون. أليس العاقل هو الذي يعمل بصدق لهدفه؟ أليس هدفنا المعلن والحقيقي هو حماية بلدنا وشعبنا وخياراتنا. إذا كنا أمام طريقين، الأول أن نتحمل وحدنا مسؤولية الحماية، والثاني أن تصبح الحماية مسؤولية وطنية شاملة. الأحمق هو الذي يصر على الأول، العاقل هو الذي يسعى إلى الثاني. نحن بجد نريد أن يدافع لبنان عن كل لبنان، وأن تدافع كل تيارات وأحزاب وطوائف لبنان عن كل لبنان، والبعض الذي يتكلم عن احتكار المقاومة ـ "لقد ملينا هذه اللغة" ـ نقول له "من الذي منع مَن لم يقاوم أن يقاوم؟ واليوم من الذي يمنع من يريد أن يقاوم أن يقاوم؟ حبيبي... تفضل قاوم وأنا سوف أخلي لك المكان".
وجدد التأكيد أننا نحتاج في لبنان إلى استراتيجية دفاع وطني، قوة تحمي لبنان، ما هي هذه القوة ومن هي فليناقَش، لكن فليكن واضحاً لا يمكن حماية لبنان باتفاقية الهدنة ولا بضمانات دولية؟ الضمانات الدولية تعني ضمانات أميركية، وأنا وإخواني وأخواتي لا نؤّمن بوش ليس على لبنان، ولا حتى على هرة في لبنان.
الورقة الإصلاحية
واعتبر السيد نصر الله أن الورقة الإصلاحية بمعزل عن مضمونها، ونفس ما يجري اليوم في الحكومة، هو محاولة جدية لمعالجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي في لبنان. ومن يقدم خطة أياً يكن مضمونها هو مشكور لأنه يقدم محاولة.
وقال: "نحن لن نناقش هذه الخطة بخلفيات سياسية ولا في نكاية سياسية ولا بعقلية أننا نريد تفشيل فلان أو فلان، وإنما بشكل موضوعي علمي ومهني. ما كان في هذه الورقة من مبادئ أو سياسات أو برامج فيها مصلحة لبلدنا سنؤيده وندافع عنه ونحمله على أكتافنا. وما نجد فيه أذىً وضرراً لشعبنا ولبنان سنناقشه ونرفضه ونعبّر عن موقفنا منه وهذا هو الانصاف. وأتمنى أن لا يصبح الموضوع الاقتصادي موضوعا طائفيا. نحن ذاهبون إلى النقاش، لدينا استفسارات عن السياسة اتجاه القطاعين الزراعي والصناعي، وعن مستقبل الوظيفة في لبنان، وعلى ما يبدو أن قانون التعاقد الوظيفي هو أسوأ من قانون العمل الفرنسي الذي اضطرت الحكومة الفرنسية أن تتراجع عنه، موضوع الضرائب والرسوم يلزمه الكثير من النقاش. إذا لم يعالج موضوع الهدر والفساد لا يوجد حل، مهما جلبتم مساعدات من الخارج وفرضتم ضرائب! يجب أن نرى في الورقة الإصلاحية وفي أي معالجة اقتصادية اجتماعية الانسان اللبناني وليس الدولار. لا يجوز ان نحول الورقة الإصلاحية إلى ورقة صراع سياسي في البلد، هذه محاولة جدية مطروحة، والحكومة تعهدت أن تناقش هذه الورقة مع مختلف القوى السياسية في لبنان والفعاليات الاقتصادية والنقابية في لبنان، وسوف تذهب إلى المجلس النيابي ويمكن أن تناقش هناك. فليكن هناك نقاش جدي وحريص وليس بخلفية مناكفة أو تعطيل أو إفشال، لأننا هنا نحن نلعب في ساحة مصلحة لبنان ولقمة عيش الناس، ولا يجوز أن تستغل هذه المسألة لتكون مادة سجال أو مادة صراع.
الشبكة الإرهابية
وقال السيد نصر الله في موضوع الشبكة الإرهابية: "إن هذا الجهد بمعزل عن المعطيات من أوله إلى آخره وبشكل كامل هو جهد مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ونحن لا شاركنا في كشف الشبكة ولا في توقيفها ولا بأي شيء من معطياتها، لأنه بكل بساطة ليس لدينا جهاز أمني يعمل في الطريق الجديدة أو في غيرها من المناطق اللبنانية. نحن لدينا بعض الإجراءات الأمنية التي تحيط بوضعنا، إذا صح التعبير أمن وقائي، وبالتالي أنا قلت سابقاً واليوم أقول المسؤولية الأمنية هي مسؤولية الأجهزة الأمنية، "هذا غير مقدور لنا وغير صحيح وهذه مسؤولية الدولة". وبالتالي الإخوة في المديرية وفي قيادة الجيش وكل من ساهم في هذا الأمر، ولهم مني ومن كل إخواني وأخواتي ألف شكر وتحية"..
وتابع "الجو الذي حصل خلال الأيام الماضية بعد الاعلان الصحفي عن الموضوع، لا مديرية المخابرات أعلنت ولا حزب الله أعلن. هناك صحيفة لديها مصادرها التي استقت منها المعلومات فأعلنت عن الموضوع. نحن عندما سئلنا عن هذا الموضوع أجبنا بأننا أخذنا علماً به، وهو صحيح لكن التفاصيل هي عند الأجهزة الأمنية والقضائية، ولم نرد أن ندخل في تفاصيل حتى نقول هذه "زيادة أو ناقصة". هنا، دعوني أعتب قليلاً، أنا كنت أفضل إذا كان بعض المسؤولين في البلد يرى أن الخبر مضخم أو أنه غير مقتنع أصلاً بوجود هكذا هدف او نية لدى هذه المجموعة، وأن هذه المجموعة بريئة بالكامل مما اتهمت به، نتيجة حساسية الموضوع وطبيعة الجهة التي يتعلق بها الموضوع والشخصية المستهدفة، كانوا يستطيعون القول على كل حال، لا نريد التعليق على المعلومات، والموضوع تحول إلى التحقيق، ونحن نريد انتظار التحقيق وانتهى الأمر. هذا أمر منطقي وهكذا يتصرف رجال الدولة. أما شخص حزبي فهو من موقعه حر أن يفعل ما يريد، لكن رأيي أنه حتى الذي هو في موقع حزبي ونتيجة حساسية الوضع في البلد من الخطأ أن لا يتصرف بمسؤولية".
أضاف "هذا الموضوع ليس فقط موضوعي أنا، موضوع كل الشخصيات السياسية في لبنان أو التي لها مكان أو موقع ما ومودة عند أناس معينين. الدولة والجو السياسي مع بعضنا البعض يفرض علينا أن نتصرف بمسؤولية وبهدوء.
نحن لسنا بحاجة أن تنكشف هذه المجموعة حتى يزيد رصيدنا في الشارع اللبناني. ليس من هنا نحصّل رصيدنا، نحن نبني رصيدنا منذ 23 سنة، ليس من حادثة أو خبرية أو ما شاكل. الآن، هؤلاء الشباب موقوفون وقد حُولوا إلى القضاء العسكري وبدأ التحقيق معهم، وسواء كان موضوع اغتيالي وحده هدف المجموعة وكتبوه واتفقوا عليه ولم يصنعوا من أجل تحقيقه شيئاً، أو بدأوا خطوات أو وضعوا خطة أو قاموا ببعض المقدمات التنفيذية أو أصبحوا على مشارف التنفيذ، أنا الآن لا أستطيع قول شيء". واعتبر أن المنطق الصحيح هو أن ننتظر التحقيق الذي يمكن أن يبرّئ هؤلاء وعندها سأقبلهم في جبينهم. في النهاية التحقيق هو الذي يقول أن هذه المجموعة متورطة بأي مستوى، لكن في الوقت نفسه إذا كان هناك أي تورط بأي مستوى من المستويات، يجب أن أؤكد أننا لا نتهم أي جهة تنتمي إليها هذه المجموعة إن كانت تنتمي إلى جهة. قيل في بعض وسائل الإعلام إن هذه المجموعة تنتمي إلى جهة تسمى حركة الدعوة والتبليغ وما شاكل، وأنا لا أتهم حركة الدعوة والتبليغ ولا أعرف من هي. أو إذ قيل إن هذه مجموعة سلفية، أنا لا أتهم التيار السلفي في لبنان، أو تنتمي إلى تنظيم إسلامي، أنا لا أتهم هذا التنظيم الإسلامي، فضلاً عن أن آتي أنا وأنتم لنتهم الطائفة التي ينتمي إليها هؤلاء، ونقول إن الطائفة السنية في لبنان متهمة بمحاولة اغتيال فلان، هذا خلاف مبدئنا وديننا وشريعتنا وقرآننا، وأكثر من ذلك، أنا أقول، حتى لو نفذت هذه المجموعة مخططها لا يتحمل المسؤولية السنّة في لبنان، وهذا ظلم وخيانة للدماء وتنكر للمنطق القرآني. لا يجوز لأحد لمجرد أن هناك مجموعة معينة كانت تريد أن تقتل فلاناً أو قتلت فلاناً وهي تنتمي إلى الشيعة أن نتهم الشيعة، أو تنتمي إلى السنة أن نتهم السنة، أو تنتمي إلى طائفة مسيحية فنقول المسيحيون في لبنان يريدون قتل كذا وكذا... هذا غير صحيح وغير إنساني. يجب أن نحذر من أي استغلال لحوادث من هذا النوع من أجل التحريض الطائفي".
وأضاف" أنا أريد أن أذكّر خصوصاً الشيعة، أن الإمام علياً (ع) عند استشهاده أوصى وقال: "لا تقتلوا إلا قاتلي". بالنسبة إلينا لو قَتَلَنا أحدٌ فخصمنا فقط هو من قَتَلَنا، لا طائفته ولا تياره ولا أبوه ولا أمه ولا ابنه. حتى الذي يقتلنا، نحن لا ننوي الاقتصاص من أحد، نحن سلمنا أن هناك دولة في لبنان وأننا جميعاً معنيون ببناء هذه الدولة في لبنان، والدولة هي الجهة المعنية بالاقتصاص. المهم بالنسبة إلينا ـ أقول بكل صراحة ـ نحن لا نريد الآن ولا في المستقبل الاقتصاص من هؤلاء إذا ثبتت عليهم التهمة. نحن نريد أن نعرف الخلفية، إذا ثبتت التهمة، هل هذه المجموعة تم تجنيدها من قبل "الموساد" فهذا له حسابه، وإذا تم تجنيدها من مخابرات أجنبية فهذا له حسابه أيضاً، وإذا كانت فكرة ذاتية فلها حسابها كذلك. المطلوب جهد من الجميع، فالموضوع يختلف جداً عندما تُعرف خلفيته، لكن نحن في هذه القصة التي أصبحت في عهدة القضاء، لا نريد ثأراً ولا نريد انتقاماً، نريد الحقيقة لنعترف ونحتاط وننتبه لأنفسنا ولبلدنا، ولا نريد حتى الانتقام. إذا لم يثبت شيء على الموقوفين فلا توجد تهمة لنسامحهم بها، وأما إذا ثبت أنهم متورطون فأنا كشخص مستهدف أعلن أمامكم، وليعتبر هذا إخباراً للقضاء اللبناني، أنا لن أطالب بحقي الشخصي ولن أرفع دعوىً عليهم وسأسامحهم من الآن. وفي هذا السياق، أنا أشكر كل الذين تعاطفوا واستفسروا واستنكروا وعبرّوا عن تضامنهم ومخاوفهم إزاء الذي حصل.
الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018