ارشيف من : 2005-2008
خلط اوراق جديدة على الساحة: جبهة سياسية وطنية معارضة تبصر النور قريبا
بدأت البلاد تتجه نحو عملية خلط أوراق سياسية جديدة، أملتها معطيات محلية وإقليمية ودولية فرضت نفسها على الساحة واستدعت بلورة مواقف واصطفافات تمهيداً لمرحلة سياسية جديدة ستأخذ مداها خلال الأشهر المقبلة.
وفي هذا السياق جاء التحضير لاعلان "الجبهة السياسية الوطنية المعارضة" التي يتوقع أن تبصر النور منتصف أيار/مايو المقبل.
وقد طرح المراقبون العديد من التساؤلات عن مدى الفعالية التي ستنطلق بها هذه الجبهة؟ ومن هي الجهات السياسية التي ستنضوي تحت سقفها؟ وما هو البرنامج الذي ستعمل لتنفيذه؟ وما مدى نجاحها في احتلال موقع متقدم في الحياة السياسية التي تعيش مأزقاً كبيراً على أكثر من مستوى؟
تلفت مصادر متابعة إلى أن مؤشر ولادة هذه الجبهة أملته معطيات عديدة على الساحة المحلية أبرزها وصول قوى الرابع عشر من شباط / فبراير إلى حائط مسدود في ما يتعلق بتطبيق برنامجها السياسي أو "الانقلاب الذي كان لا بد من تحقيقه للامساك بكل مفاصل الدولة"، ومن أبرز أوجه هذا العجز الفشل في إسقاط رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الذي بات بحكم المؤكد استمراره الى نهاية ولايته الدستورية.
ومن هذه المعطيات الاتجاه الجديد الذي سلكه مسار التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فبعد أن كان الملف مسيّساً خلال فترة تولي المحقق الألماني ديتلف ميليس، واستخدامه كسيف مصلت تجاه العديد من القوى والشخصيات السياسية، فإن الأمر تبدل بعد سقوط عدد من الشهادات التي كان يستند اليها في توجيه التهم، وأخذ التحقيق مساره الطبيعي القضائي "حتى الآن" مع المحقق البلجيكي سيرج براميرتس الذي ابتعد عن لعبة التوظيف السياسي، لأي معطيات في سير التحقيق وابتعد به عن الاعلام.
ويضاف الى هذه المعطيات البعد الاقليمي والدولي حيث المأزق الاميركي في العراق، وفوز حماس في فلسطين، وتحول الجمهورية الاسلامية الايرانية الى قوة اقليمية عظمى، وهو ما جعل سوريا تخرج من نطاق تأثير الهجوم الغربي الذي أخذ أشكالاً مختلفة ضدها خلال السنة الماضية.
الجبهة السياسية المعارضة التي وضع الحجر الأساس لإطلاقها خلال اللقاء الذي جمع الرئيس عمر كرامي والوزير السابق سليمان فرنجية في طرابلس الأسبوع الماضي ستكون حسب المعنيين بالإعداد لها جبهة وطنية عابرة للمناطق والطوائف، وإن كان الاعتقاد الذي ساد مؤخراً أن بنيتها الأساسية ستكون في الشمال.
وستضم الجبهة الرئيس عمر كرامي وتيار المردة برئاسة فرنجية، والاتصالات كانت متواصلة مع الرئيس نجيب ميقاتي للانضمام اليها، لكن هذا الأمر لم يحسم. وهنا تلفت بعض الأوساط الى ان اعادة طرح اسم الأخير في بعض "الصالونات" السياسية لتولي حكومة جديدة في الفترة المقبلة للخروج من المأزق السياسي، ربما يأتي في سياق ابعاد ميقاتي عن هذه الجبهة المعارضة. كذلك تستمر الاتصالات مع نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس الذي عادت اللافتات الشعبية المؤيدة له الى الظهور في منطقة عكار بعد تبخر وعود الانماء من قبل النواب الجدد في المنطقة.
كما ستضم الجبهة وجوهاً نيابية سابقة وسياسية شمالية لها حضورها الشعبي الفعلي، والحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب السابق طلال ارسلان وحزب الاتحاد برئاسة النائب السابق عبد الرحيم مراد والتنظيم الشعبي الناصري برئاسة اسامة سعد، كما يجري التواصل مع الرئيس حسين الحسيني لينضم اليها اضافة الى العديد من الشخصيات والقوى السياسية الأخرى.
وستعمل "الجبهة" على اعداد وثيقة سياسية وبرنامج عمل مرحلي، وفي مقدمة الأولويات سيكون المطالبة والعمل لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وتشكيل حكومة اتحاد وطني تخرج البلاد من مأزقها، إضافة الى المطالبة بقانون انتخاب عادل وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو ما عبّر عنه الرئيس كرامي والنائب السابق فرنجية. وسيؤكد البرنامج السياسي للجبهة بحسب أوساط العاملين على إطلاقها على مواجهة المشروع الاميركي الصهيوني في لبنان، والتأكيد بأن المقاومة هي الخيار الوحيد لتحرير الأرض، وبناء علاقات استراتيجية مع سوريا.
وفي هذا السياق، تقول مصادر العاملين على صياغة البرنامج السياسي للجبهة "ان هذه الجبهة ستولد على ركام الوعود الوهمية التي تم إطلاقها من قبل قوى الرابع عشر من شباط منذ أكثر من سنة، خصوصاً ان المواطن يعيش حالة إحباط، والمؤسسات الدستورية في حالة يرثى لها، الأمن والقضاء مدوّلان، وكل شيء يحسم في الخارج. هي محاولة لاعادة لبنان الى اللبنانيين".
وعن اتهامات البعض للجبهة قبل ولادتها بأنها موالية لسوريا تقول المصادر "ان هذه الجبهة هي جبهة الموالين للبنان، وفي مقدمتهم كل القوى الوطنية التي آمنت بعروبة لبنان وقوميته وعدائيته لاسرائيل".
الى ذلك بات من الوضح ان حجم تأثير الجبهة السياسية المعارضة بدأ بالظهور قبل ان تولد، وهو ما دلت عليه التصريحات التي أطلقها ضد أركانها عدد من القوى السياسية المنضوية في صفوف قوى الرابع عشر من شباط، وبالتحديد نواب كتلة تيار المستقبل لا سيما نواب الشمال في هذه الكتلة.
وترى أوساط متابعة ان الأمر يعود لكون التأثير الأكبر لهذه الجبهة ـ برغم كونها وطنية ـ سيكون على ساحة الطائفة السنية. وتشير هذه الأوساط الى حالة تململ على الساحة السنيّة شمالاً من عدم ترجمة الوعود الانمائية التي اعطيت لهم، كما أن تكتل زعامات وقوى سنية شمالية في مواجهة تيار المستقبل في هذه المنطقة سيؤثر سلباً على هذا التيار، مع اشارة هنا الى ما لفت اليه رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري من أنه إذا أجريت انتخابات مبكرة فإنه بالتأكيد سيغير أسماء العديد من نواب كتلته النيابية. في اشارة الى عدم فاعليتهم السياسية والشعبية.
وفي مواقف باقي القوى السياسية من الجبهة فإنه برغم عدم انضمام حزب الله وحركة أمل اليها، فإنه بالتأكيد ستكون هناك مساحات واسعة من التفاهم على العديد من القضايا السياسية لا سيما الموقف من مواجهة الوصاية الاميركية والغربية وقضية المقاومة والعلاقة الاستراتيجية بين لبنان وسوريا.
أما بالنسبة الى التيار الوطني الحر برئاسة النائب العماد ميشال عون، فإنه سيكون مرتاحاً لنشوئها كون العديد من الشخصيات والقوى السياسية المنضوية فيها أعلنت مراراً مواقف تؤيد وتدعم ترشح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وكونه المرشح الأكثر أحقية لتولي هذا المنصب، وهو ما عبّر عنه الرئيس عمر كرامي في أكثر من مناسبة، كذلك الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب السابق طلال ارسلان، وتيار المردة برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية.
على أي حال التحضيرات لولادة الجبهة السياسية المعارضة مستمرة بشكل مكثف، ويتوقع مع ابصارها النور منتصف الشهر المقبل، دخول عامل جديد على الساحة المحلية عبر "معارضة منظمة" سيكون لها مواقفها وخياراتها من سياسات الأكثرية الحاكمة والعاجزة عن الحكم في آن واحد.
هلال السلمان
الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018