ارشيف من : 2005-2008
المعالم الأثرية بين الإهمال ... ونهب الاحتلال!
المعالم الأثرية المهمة التي اكتشفت في الآونة الأخيرة في بعلبك كشفت عن أحد مظاهر الإهمال الرسمي لهذه الثروة التي يمكن أن تشكل مصدراً مهماً لجذب الاستثمارات، وبالتالي تنشيط القطاع السياحي.
لو قدر لهذه المكتشفات أن تظهر في بلد آخر لكان التعاطي معها مختلفاً كلياً عما هو سائد في لبنان حالياً من عدم اكتراث ولا مبالاة بغيضة كانت وما زالت تثير استياء المواطن.
هذه اللامبالاة تنعكس ضياعاً لثروات وكنوز وربما حقائق تاريخية!
وإذا كان التعاطي مع المكتشفات الأثرية في بعلبك يعزز انطباع الإهمال الذي تعاني منه تلك المنطقة، إلا أن الإهمال في متابعة مصير العشرات من القطع الأثرية في المناطق الجنوبية إبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وبقاعه الغربي يأخذ معنى آخر يتصل بأبعاد وطنية وتاريخية وثقافية.
ما يثير الاستغراب إلى حد الذهول أن هناك العديد من القضايا العالقة مع العدو الصهيوني، وهي محل مطالبة بدءاً من تحرير مزارع شبعا وإطلاق الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال، وتسليم لبنان خرائط الألغام، إضافة إلى تمكين لبنان من استخدام حقوقه في المياه، ولكن المطالبة باستعادة الآثار اللبنانية التي نهبها جنود العدو ونقلوها إلى داخل فلسطين المحتلة في شاحناتهم العسكرية والطوافات لم تنل حقها من المطالبة والتحرك المطلوب!
وزارة الثقافة حتى الآن وبعد ست سنوات على التحرير، وبعد ثمانية وعشرين عاماً على الاجتياح الأول للبنان عام 1978 لا تمتلك ملفاً موثقاً أو لائحة بالمسروقات التي يُقال إنها تتجاوز 500 قطعة أثرية، ويقال أيضاً إن بعضها معروض في متاحف العدو في "تل ابيب"!
ثمة شهادات كثيرة لمواطنين لبنانيين أكدوا حصول السرقات، وتقارير شبه رسمية تؤكد واقعة السرقة، تورد "الانتقاد" بعضاً منها في هذا الملف الذي يعالج موضوع الآثار اللبنانية المكتشفة في بعلبك، وطريقة التعاطي معها، وموضوع سرقة الاحتلال اللبناني لقطع أثرية من المناطق الجنوبية، والسرقات الفردية، ويعرض موقف وزارة الثقافة حيال المواضيع المثارة في مقابلة مع الوزير طارق متري الذي وعد بمتابعة موضوع سرقة الاحتلال الإسرائيلي للآثارات شخصياً، والعمل على إعداد ملف يتضمن أدلة قاطعة عن سرقة "إسرائيل" ومن ثم ملاحقتها في المحافل الدولية، ومطالبته المواطنين أو من يمتلك المعلومات مساعدة الوزارة لإعداد هذا الملف.
"الانتقاد"
ـــــــــــــــــــــــ
وزير الثقافة طارق متري لـ"الانتقاد":عندما نمتلك أدلة قاطعة على سرقة "إسرائيل" لآثار لبنانية سنلاحقها في المحافل الدولية
المكتشفات الأثرية التي تجري اليوم على قدم وساق في منطقة بعلبك منذ قرابة الشهر تقريباً فتحت ملف الآثار في لبنان على مصراعيه، لا بل الأهم أنها فتحت الأعين على تلك التي سرقت إبان الاحتلال الإسرائيلي للبنان
"الانتقاد" سألت وزير الثقافة طارق متري عن الآثار اللبنانية المنهوبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابه فأشار إلى "عدم امتلاكه معلومات موثقة بهذا الشأن، وأن الأمر سيتابعه بشكل شخصي مع مديرية الآثار للوقوف على حقيقة الموضوع".
وأكد الوزير متري في معرض رده على سؤال عن المكتشفات الجديدة في بعلبك "أن مديرية الآثار تعمل بشكل جدي، ومن خلال فريق متخصص على إيلاء هذا الموضوع الاهتمام الخاص، ووضع صيغ عديدة يجري مناقشتها للمحافظة على تلك الآثار".
بداية تود "الانتقاد" أن تسألكم عن الآثار التي سرقها العدو الإسرائيلي إبان احتلاله لجنوب لبنان... هل لديكم معلومات عن هذا الموضوع وإثباتات مادية؟
بصراحة هذا الموضوع لا أملك معلومات دقيقة حوله. كل ما أعرفه أن الكثير من الأهالي ذكروا أن "إسرائيل" عند اندحارها من لبنان سرقت الكثير من المكتشفات الأثرية، ولا أعرف ما إذا كانت هذه المسروقات موثقة. وملاحقة الآثار المسروقة من أصعب المهمات لان السارق يواجهك دائماً بعدم وجود دليل قاطع، لكن إذا كان لدينا أدلة قاطعة عندئذ نستطيع أن نتحرك بالمحافل الدولية.
المعلوم أن هناك ما يزيد عن خمسمئة قطعة أثرية تمت سرقتها من قبل العدو؟
.. سأطلع على الموضوع من جانب مديرية الآثار للوقوف على حقيقة الأمر.
هل ستقومون بتحرك رسمي بخصوص هذه المسروقات؟
إذا كانت لدينا معلومات موثقة تسمح لنا أن نتحرك على الصعيد الدولي سنتحرك بالتأكيد ومن دون تردد.
هل تعتقد أن هناك موانع أو معوقات تحول دون إثارة هذا الموضوع؟
لا، المهم عندما تذهب إلى المحاكم الدولية أن يكون لديك حجة قوية.
.. ما دامت القضية بهذا القدر من الأهمية لماذا تبدو مغيبة عن الاهتمام الرسمي؟
من قال ان ليس هناك اهتماما رسميا بالموضوع. بمجرد أن تتكّون لدينا أدلة قاطعة فلن نتردد لحظة واحدة في إثارة الموضوع، لأنه لا يمكن أن نتحرك بناءً على افتراضات أو معلومات غير موثقة، لأننا بذلك نكون قد أضررنا بأنفسنا.
.. لكن هناك شهادات وتقارير ذات طابع رسمي وتقارير إعلامية تثبت ما نذهب إليه، ألا يفترض تشكيل لجنة أو خبراء للتقصي؟
أنا مستعد أن أفعل ما يجب أن أفعله لملاحقة الموضوع... الآثار هي ملك الشعب اللبناني لا مديرية الآثار، والمواطن يفترض أن يكون شريكاً في مساعدتنا لتقديم المعلومات لا بل في حماية الآثارات. وسبق وذكرت بأنني سأطلع من مديرية الآثار على كل المعلومات الموجودة لديها، لكن المهم في الأمر أن يساعدنا الناس خاصة في القرى والبلدات التي سرقت منها الآثار في هذه المهمة.
الاكتشافات الأثرية الأخيرة في بعلبك، وطريقة التعاطي معها أثارت استياء الأهالي نتيجة الإهمال التي واكبها؟
أعوذ بالله... كل أهالي بعلبك بمن فيهم بلديتها وفعاليتها شهود على جدية المتابعة من قبل مديرية الآثار، وخصوصاً أن هناك فريقاً من خمسة أثريين يشرفون بشكل يومي على الحفريات التي تجري في المنطقة، ويعلنون عن كل مكتشف جديد، ويعاونهم في ذلك القوى الأمنية. ما يحصل في بعلبك شيء مهم جداً، لا بل يشكل نموذجاً يحتذى به لكل منطقة، أي أن الكل يتعاون من أجل حماية الآثار المكتشفة. حالياً ندرس ما يجب أن نفعله في المستقبل، وخصوصاً أن تحويل هذه الأمكنة المكتشفة إلى حدائق أثرية هو أمرٌ صعب، لذا علينا أن نفكر بصيغ أخرى كأن ننقل بعض هذه الآثار إلى المتحف الموجود في القلعة بعد توسيعه، أو استحداث حدائق أثرية بجانب القلعة، كل هذه الصيغ تجري دراستها بشكل دقيق، ثم أن حجم الآثار كبير جدا في بعلبك، ولا ننسى أن هناك فئتين من الناس: الأولى تدعوك للتمهل في كشف الآثار، فيما الأخرى تستعجلك في الكشف عنها لأن هذه الحفريات من شأنها أن تنعكس سلباً على مشاريع البنى التحية التي تجري في المدينة. فنحن لا نريد أن نعطّل هذه المشاريع، كما أننا لا نريد أن نستعجل فيها على حساب ما يجري اكتشافه من أثريات مهمة، مع العلم أن أحداً لم يُبد استياءً من عملنا، لكن طبيعة الناس عندنا هي إشعار الدولة دائماً بالتقصير حيال أي أمر تقوم به.
ألا تعتقد انه ينبغي وضع خطة وتمويل لحفظ هذه الآثار؟
لدينا مديرية للآثار تعمل بشكل جيد عبر فريق متخصص، وهناك مشروع لحماية ارث ثقافي ممول من قبل البنك الدولي، ومن الحكومتين البريطانية والفرنسية، ولكن ليس لدينا تمويل أكثر من ذلك، ربما نضطر في المستقبل إلى القيام بحملة لجمع الأموال، وأنت تعرف محدودية ميزانية مديرية الآثار.
أجرى الحوار: حسين عواد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018