ارشيف من : 2005-2008
وزير الطاقة والمياه محمد فنيش لـ"الانتقاد": الخطة الإصلاحية جذرية وانقلابية على كل ما هو قائم
يستعد وزير الطاقة والمياه محمد فنيش هذه الأيام للدفاع عن الخطة الإصلاحية التي وضعتها وزارته للنهوض بقطاع الكهرباء، وهو يصف الخطة بأنها جذرية تشبه "الانقلاب" على كل ما هو قائم اليوم. ويشدد وزير الطاقة على أن نجاح الخطة يبقى مرهوناً بتوفير "المظلة" السياسية، خصوصاً أنها (الخطة) تنطلق من الواقع القائم وصولاً إلى الأهداف المرسومة بحسب رؤية الوزارة الجديدة.
ويبدي فنيش تفاؤلاً بوجود النفط في لبنان، مشيراً إلى "احتمالات واعدة بوجود كمية من النفط على امتداد الشاطئ اللبناني، وأن هذا الأمر يحتاج لإجراءات تسعى وزارة الطاقة لاستكمالها"، وأن هذه الكميات ذات جدوى اقتصادية، ويمكن أن تخفف عنا أعباء ضخمة، لا سيما فيما خص كلفة إنتاج الطاقة".
التقت "الانتقاد" الوزير فنيش وسألته عن الخطة الإصلاحية، وسبل إخراج القطاع من دائرة العجز المقدرة هذا العام بما يزيد عن 1300 مليار ليرة وهنا نص الحوار:
* يناقش مجلس الوزراء في 25 الجاري الخطة الإصلاحية التي أعدتها وزارة الطاقة، ما هي ميزات هذه الخطة وبماذا تختلف عن سابقاتها؟
ـ لا أعتقد أنه توافرت رؤية إصلاحية تفصيلية متكاملة أو مترابطة في السابق كما هو الحال الآن. كانت هناك رؤى لكن من دون آلية تفصيلية. عندما توليت الوزارة اطلعت على مشروع الوزير بسام يمين ومشروع صحناوي، واستفدت من المعطيات التي بني عليها هذان المشروعان، لكن أضفت ما يعالج الواقع الحالي، وصولاً إلى الأهداف المرسومة بحسب رؤية الوزارة الجديدة. أهمية ما وضع اليوم في الخطة الطموحة أنها ترسم سياسة لا علاقة لها بالوزير في حال البقاء أو عدمه، بل ترسم سياسة وزارة تتعلق بموضوع كيفية التعامل مع الكهرباء. المهم في ذلك أن أي رؤية إصلاحية إذا لم تتوافر فيها المظلة السياسية الجامعة تبقى قاصرة عن إدراك غايتها، وستواجه عراقيل وعقبات.
* هل هذه "المظلة" متوافرة حالياً في ظل انشغال السلطة بالملفات السياسية المطروحة على الساحة الداخلية؟
ـ ما أتمناه في ما يتعلق بالشق الاقتصادي والمالي، والكهرباء هي جزء أساسي منه، أن يكون هناك ميثاق شرف، أو اتفاق بين القوى السياسية على أن نحيد هذا الشق عن نزاعاتنا السياسية، بمعنى آخر أن نتعاون لما نتفق عليه كمصلحة عليا في البلد، ولا ندخله في إطار السجالات الداخلية.
* .. لكن هل لمستم لدى السلطة السياسية جديّة في أخذ الأمور على محمل الجد؟
ـ سبق أن لمست الجدية في عدد من المحطات التي تعنى بموضوع الكهرباء.
الخطة الإصلاحية
* إذا أردنا أن نجزئ الخطة الإصلاحية إلى أبواب، على ماذا تقوم، وما هي أهدافها الإستراتيجية؟
ـ كأي خطة اصلاحية يفترض أن تنطلق من الواقع القائم، ومن الأهداف التي تريد تحقيقها. في الواقع هناك نماذج غير صحية تعترض هذا القطاع ولها علاقة بعدم انتظام التغذية، وأوضاع المعامل، ونقل الطاقة، شكوى المواطن، فضلاً عن التعديات على الشبكة حيث يصل الهدر الفني وغير الفني للطاقة إلى 39%. في الوقت الحالي لدينا واقع إداري قديم، إذ يصل مستوى أعمار المستخدمين فوق الخمسين سنة. هذه النماذج من الأعراض تتكرر، ثم هناك دعم مالي يتزايد، خصوصاً مع ارتفاع اسعار المشتقات النفطية عالمياً، ووصل سنة 2005 إلى 600 مليون دولار.
أمام هذه المعطيات، ما هي أهداف هذه الخطة؟
أهدافها: تخفيض كلفة الإنتاج بالنسبة للمواطن اللبناني، ما يعني تخفيف أعباء الدعم المالي عن كاهل الدولة لما له من تأثيرات على الواقع الاقتصادي والمالي، ولكن كيف السبيل؟ سبق أن تم اقرار القانون 462 في المجلس النيابي، ويقضي بتنظيم وتحديث الكهرباء، والتي تبدأ بآليات التشركة (الخصخصة) والتي تعني قطاعي الإنتاج (المعامل) والتوزيع. بالتجربة الإنتاج يتطلب مهارات اقتصادية ومالية وتقنية لجهة الاستيراد بأسعار أقل، ومعرفة أسعار السوق، والتحرك بحسب متطلبات تخفيض كلفة الإنتاج، ويتطلب أيضاً مهارات تقنية لتشغيل المعامل بأكبر فعالية وبأقل تكلفة ممكنة، وهذا يتعذر تطبيقه في ظل إدارة عامة، وبالتالي التوجه النهائي هو في إنشاء شركات عدة في قطاع الإنتاج وأخرى في قطاع التوزيع للوصول إلى تحرير هذا القطاع، بحيث يتمكن المواطن من الاستحصال على الطاقة بواقع 24 ساعة، في إطار من المنافسة السليمة. ولكن بانتظار مستلزمات تطبيق القانون الذي قد يمتد لسنتين، ماذا نفعل؟ هنا تكمن أهمية الخطة التي وضعناها والتي تنتقل بخطوات زمنية مع إجراءات محددة، ومعرفة كل خطوة، وما هو مردودها ومتطلباتها، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجتنا للطاقة بعد عشر سنوات، لا سيما أننا ننتج حالياً 1500 ميغاوات، مع العلم أننا بحاجة إلى 1800 ميغاوات، ما يعني أننا بحاجة إلى مخطط توجيهي للإنتاج وآخر للتوزيع، إضافة إلى إكمال المخطط التوجيهي لنقل الطاقة.
إذاً على ضوء هذه الأهداف وانطلاقاً من هذا الواقع، ما هو المسار الذي يفترض أن نسلكه؟
أولاً في موضوع النقل سنستكمل مشروع الـ220 كيلوفولت. في موضوع الإنتاج هناك خطوات لها علاقة بالمعامل، وأخرى كنا بدأنا بها مثل تلزيم صيانة وتشغيل معملي البداوي والزهراني. كان هناك شكوى عمرها سنوات نتيجة سوء التلزيم، وأيضاً في موضوع الإنتاج، هناك شكوى متكررة من تأخر وصول البواخر المحملة بالمشتقات النفطية، والمواصفات المطلوبة. هذا الأمر تمت معالجته من خلال توقيع اتفاقيتين مع شركتي نفط الكويت والجزائر، أما مشكلة التوزيع (هدر الطاقة) فيتم معالجتها بطريقتين: الأولى من خلال مركز التحكم الوطني المخصص لمعالجة الهدر الفني، والثانية من خلال حملة انطلقت لإزالة التعديات، ومعالجة مشاكل المواطنين، ونحن اليوم في صدد إجراء مناقصة عالمية، الهدف منها تطوير تقنيات المراقبة وذلك من خلال استخدام العدادات الرقمية والقراءة عن بُعد، وبتكلفة ما بين 150 إلى 180 مليون دولار. إضافة إلى ذلك سيصار إلى تقسيم التوزيع إلى عدة مناطق عن طريق اعطاء عقود خدمة للقطاع الخاص الذي يتولى عملية معالجة انقطاع التيار الكهربائي وخلافه بدل مؤسسة كهرباء لبنان، وصولا إلى الربط السباعي، وهذا ينتظر بدوره الانتهاء من محطة كسارة وخط 400 كيلوفولت في أواخر 2006. أما الخطوات الاستراتيجية التي نعمل عليها حالياً، فتلك المتعلقة باستبدال مادتي الفيول أويل والمازوت بمادة الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة. وهناك موردان: الأول من مصر وسيكون جاهزاً مع نهاية العام 2007، والثاني من خلال باخرة عائمة يتم إرساؤها قبالة الزهراني وتقوم بتزويدنا بالطاقة الكهربائية، هذا إذا ما تم التوافق عليها.
* من المعلوم أن خط أنابيب الغاز من سوريا إلى معمل دير عمار قد تم إنجازه منذ فترة طويلة، لماذا لم يوضع موضع التنفيذ بعد؟
ـ أعتقد أن الكميات الموعودة لم تتحقق وفق الجدول الزمني الذي كان مرسوماً لأسباب تتعلق بالوضع السياسي الذي تمر به سوريا. واليوم لم يعد بمقدور السوريين تزويدنا بالغاز المطلوب لمعمل البداوي، وحل المشكلة لن يكون إلا عن طريق خط الغاز العربي (أي من مصر).
* ما هو الوقت المطلوب لتتحقق الخطة الإصلاحية؟
ـ كما ذكرت هناك خطوات بدأنا بها، وهناك جدول زمني لكل إجراء، وصولاً للهدف. أما الإنتاج والتوزيع فمهما تحسن وضع الطاقة لا يمكن أن يبقيا بيد القطاع العام، طبعا مع إبقاء النقل في يد الدولة، حتى الأخير يمكن أن يتحول إلى شركة تملكها الدولة وتدار وفق قوانين القطاع الخاص.
* ماذا عن كلفة الخطة؟
ـ كل خطوة من الخطوات تحتاج لكلفة معينة. هناك مشاريع لا تحتاج إلى أي كلفة لأنه رصدت لها اعتمادات عبر قروض سابقاً، وما تحتاجه اليوم هو التلزيم فقط كما هو الحال بالنسبة لمحطة كسارة، وشبكة الـ220 كيلوفولت، ومركز التحكم الوطني .. هناك كلفة العدادات الرقمية وتتراوح بين 150 الى 180 مليون دولار. أما في ما خص استثمار القطاع الخاص، فنحن سبق أن قمنا بتعديل القانون 462 ليتسنى لمجلس الوزراء الموافقة على أي استثمار قد يقوم به القطاع الخاص بحيث أن قيمة استثمار الـ1000 ميغاوات قد تصل إلى 500 مليون دولار تقريبا.
* .. في الخطة باب يتحدث عن الإصلاح المالي والإداري عبر التدقيق المالي لحسابات الأعوام الماضية بدءاً من العام 2001 لغاية 2005، ألا تعتقد أن مثل هذه الخطوة دونها صعوبات لا سيما أن هناك محميات سياسية؟
ـ لنكن واضحين، هذا المشروع ملزم لشركة عالمية، وهي تنتظر اللمسات الأخيرة لبدء عملها. صحيح هذا الموضوع يشير الى مكامن الخلل، ولكن يقدّم الصورة الدقيقة عن الأداء المالي للشركة.. لماذا نأخذ كل شيء بالسياسة؟
النفط في لبنان
* عاد الحديث مؤخراً عن احتمال وجود كميات من المشتقات النفطية على طول الساحل اللبناني، ما حقيقة الأمر؟
ـ هذا الموضوع ليس جديداً. سبق أن وُضعت دراسة من قبل شركة "ستبروم" العالمية، وقامت بمسح ثنائي الأبعاد للمياه الإقليمية، وقد أُخضع هذا المسح لتحاليل مخبرية من قبل شركة أخرى، وتبين أن هناك احتمالات واعدة بوجود كمية من النفط على امتداد الشاطئ اللبناني. وهذا الأمر يحتاج لإجراءات نحن في صدد استكمالها، أولاً من خلال وضع قانون لتشريع الشركة التي ستقوم بعملية التنقيب. ثانياً تحديد مناطق وجود النفط بشكل دقيق، وهذا يحتاج إلى مسح آخر، ونحن أنجزنا التفاوض مع شركة عالمية ووفق شروط لا تكلف الدولة أعباء مالية للقيام بهذا المسح، ولتسويق الدارسة ولعمليات التنقيب، فضلاً عن تسوية الوضع القانوني للمنطقة الإقليمية البحرية المسمّاة بالمنطقة الخالصة (وهي المنطقة الخارجة عن إطار حدودنا البحرية الإقليمية، أي المنطقة الفاصلة بين كلا الدولتين المتجاورتين للمياه الإقليمية)، ولا أعتقد أن المشروع بمجمله قد ينتهي قبل ست أو سبع سنوات.
* ما الجدوى الاقتصادية في حال تم استخراج النفط من لبنان؟
ـ هناك جدوى اقتصادية كبيرة جداً، وهذا يخفف عنا أعباء ضخمة لا سيما فيما خص كلفة إنتاج الطاقة.
حوار حسين عواد
الانتقاد/ مقابلة ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018