ارشيف من : 2005-2008

آثار لبنان المنهوبة: حاخامات أشرفوا على "السرقة المنظمة"

آثار لبنان المنهوبة: حاخامات أشرفوا على "السرقة المنظمة"

لماذا لا نطالب العدو بإعادة ما اغتصبه من جنوب لبنان؟‏

لم تلقَ سرقة الاحتلال الصهيوني للآثار اللبنانية إبان اجتياحاته المتعددة للبنان لا سيما في عامي 78 و82 الاهتمام المطلوب على الرغم من الشهادات الكثيرة والتقارير الرسمية التي تؤكد هذه السرقة. هذا الموضوع قلّما اثارته الحكومة اللبنانية رسمياً في المحافل الدولية أو مع المنظمات الدولية المعنية أو نظمت حملات إعلامية لاستعادة الآثار المسروقة على الرغم من روايات وشهادات كثيرة تتحدث عن سرقة الاحتلال للآثار، ونقله كنوزاً لبنانية إلى المتاحف الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة. وهنا بعض شهادات عن عمليات السرقة الصهيونية المنظمة للآثار اللبنانية في الجنوب:‏

عمليات السرقة تعود إلى فترة الاجتياح الاسرائيلي الأول للبنان عام 78، حيث قام العدو بنبش عدد من المدافن ونقل عشرات النواويس وعدد من التماثيل والقطع الذهبية الأثرية التي تعود الى الحقبة الرومانية، إلى فلسطين المحتلة عبر قاطرات مغطاة بخيم حتى لا يراها الاهالي والقوة الدولية التي كانت آنذاك في الجنوب.‏

وقد أكد القائمقام السابق لمنطقتي صور وبنت جبيل غسان حيدر هذه الرواية في تقارير رفعها الى الدولة اللبنانية في حينه، وقال لـ"الانتقاد":‏

"(...) أوردت شهادات لقوى الأمن الداخلي وبعض الأهالي والقوة الدولية العاملة في الجنوب، ان الاسرائيليين عمدوا خلال اجتياح الليطاني إلى تطويق منطقة قبر حيرام في حناويه ـ قانا وقاموا بإجراء حفريات لمدة أربعة أيام بعد أن قطعوا الطريق العام من صور الى قانا، ونقلوا عشرات النواويس والتماثيل بواسطة الطوافات الى داخل فلسطين (...)".‏

وأضاف حيدر: "(...) أكثر من ذلك، باشر الاسرائيليون حفريات مماثلة في تلة قدموس الى الشرق من صور حيث توجد نواويس مسيحية وكنائس قديمة عملوا على نبشها والاستيلاء على محتوياتها من التماثيل والفخاريات والزجاجيات والصلبان الذهبية، كما استولوا على مذبح اثري يوناني وفسيفساء وأوانٍ ذهبية(...)".‏

وقد أكد راعي أبرشية صور للروم الكاثوليك المطران يوحنا حداد "ان الاسرائيليين بالفعل استولوا على قطع أثرية من مغارات قانا التي تعود الى أيام السيد المسيح(ع)"، وطالب باستردادها.‏

وكشف مسؤول المواقع الأثرية في الجنوب علي بدوي ان الاسرائيليين فتشوا عن آثار في مناطق الجنوب المختلفة اثناء اجتياحي 78 و82، وعثروا على مقتنيات وقطع ونفائس أثرية تعود الى العصر الروماني والفينيقي ونقلوها الى داخل فلسطين وسط تكتم شديد.‏

وأشار بدوي الى أن مصلحة الآثار في صور آنذاك استطاعت "ان تهرب مجموعة من النواويس الرومانية الى بيروت، ووضعتها في أماكن آمنة تحسبا من سرقتها من جانب قوات الاحتلال".‏

وأضاف: "(...) بعد أن وصلت القوات الإسرائيلية الى صور في حزيران 82، كانت المناطق الاثرية في صور قصفت بالطائرات والمدفعية ومن البحر ما الحق بها ضررا كبيرا. وفي الحملة البرية على صور عمد الإسرائيليون إلى نبش الأماكن الأثرية في أكثر من منطقة ابرزها صور والنبطية(..)".‏

ويأسف بدوي لأنه ليس "هناك أي احصائية رسمية للآثار المسروقة سوى ما كشفت عنه بعض المصادر الاجنبية والتسريبات الاسرائيلية نفسها، اضافة الى ما يشاع عن امتلاك الكيان الاسرائيلي وتحديدا ما يسمى بـ "بمجموعة موشي ديان الاثرية"، قطعا ونفائس تعود الى الحقبتين الرومانية والفينيقية تعود بمعظم مصادرها الى مناطق الآثار في جنوب لبنان".‏

وكان النائب الراحل علي الخليل قد أبلغ قيادة القوة الدولية في الجنوب بصفته نائب صور بضرورة وقف الاسرائيليين عند حدهم ومصادرة الآثار المسروقة التي كانت تنقلها شاحنات عسكرية اسرائيلية عبر بوابة الناقورة في طريقها الى فلسطين المحتلة.‏

وأشارت مصادر مطلعة الى ان الاسرائيليين نقلوا على مدار الشهر الاول من اجتياح الـ82 ما مجموعه 500 قطعة اثرية نفيسة من منطقتي صور وبنت جبيل الى داخل فلسطين. وقد عُرض بعضها في متاحف "تل ابيب" والقدس على أنه مكتشفات اسرائيلية، كما بيع بعضه عن طريق التهريب الى متحف قبرص وعدد من المتاحف الخاصة في واشنطن ولندن.‏

وكانت مديرية الآثار قد طلبت مرات عدة باسترداد الكنوز اللبنانية المعروضة للبيع لكنها لم تنجح في ذلك.‏

وتؤكد شهادات عدد من الاهالي القاطنين بالقرب من المناطق التي تعرضت للسرقة "ان الاسرائيليين كانوا يمنعون التجوال في المناطق المذكورة، ويصنفونها مناطق عسكرية ثم يباشرون أعمال التنقيب عن الآثار، وبعضهم كان بلباس مدني وآخرون بلباس عسكري، حتى ان بعض الحاخامات (رجال الدين الاسرائيليين) كانوا يشاركون في اعمال التنقيب والسرقة.‏

وقال المواطن محمد عطية (يقع منزله بالقرب من قبر حيرام) لـ"الانتقاد": "ان الاسرائيليين اطلقوا النار في الهواء على عدد من الأهالي الذين خرجوا من منازلهم لرؤية ما يجري من حفريات حول القبر، وانه شاهد بأم العين إخراج تمثال ذهبي من تحت القبر جرى نقله بواسطة هليكوبتر الى فلسطين المحتلة".‏

وقالت المواطنة مريم دبوق (حي الرمل في صور): "ان الاسرائيليين عثروا على تماثيل ذهبية ترمز الى العجل المقدس ومجموعة من الرؤوس الذهبية التي تمثل أميرات العهد الملكي الروماني ووضعوها بصناديق خشبية".‏

ويشير الدكتور وجيه ابو خليل (القليلة) إلى أن الآثار لم تتعرض فقط للسرقة، إنما إلى التخريب وذلك من خلال القصف، وقال "إن الاسرائيليين قصفوا في العام 96 منطقة عمران الأثرية والتاريخية في تلة القليلة ما ادى الى الحاق اضرار بالاثارات الموجودة في تلك المنطقة".‏

الأضرار التي لحقت بالآثار اللبنانية خلال الاحتلال الإسرائيلي جراء عمليات القصف ما زالت شاهدة على آثارات صور وقلعة الشقيف وتبنين، إذ كثيراً ما تعرضت هذه المواقع للقصف الصهيوني بالطائرات والصواريخ قبل الاستيلاء عليها وتحويل بعضها إلى مواقع عسكرية، فضلاً عن الورش اليومية للتنقيب عن الآثار وسرقتها وبيعها في السوق السوداء.‏

السرقة الصهيونية للآثار اللبنانية في المناطق الجنوبية ومحاولات تخريبها غبر الغارات والقصف عدوان آخر على لبنان يضاف إلى أشكال العدوان الأخرى المعروفة، ويستحق تحركاً رسمياً وشعبياً لإعادة الكنوز اللبنانية المسروقة التي تعود إلى حقبات تاريخية. اللبنانيون الذين يصرون على تحرير ما تبقى من أرضهم واستعادة أسراهم، وتحرير حقوقهم لديهم نفس العزيمة والصبر لاستعادة آثارهم المسروقة... وحماية تاريخهم من السرقة، وكذلك حماية مستقبلهم ووطنهم.‏

محمد جعفر‏

2006-10-30