ارشيف من : 2005-2008
كيف نحمي أجور العمال؟
الأجر لغة هو الثواب والمكافأة، أما من الوجهة الاقتصادية فهو ما يأخذه العامل جزاء عمله من المؤجر له. ويستخلص من النصوص القانونية أن الأجر هو مجموع ما يدخل في ذمة العامل المالية في مقابل العمل الذي يؤديه لصاحب العمل سواء كان هذا المقابل نقدياً او عينياً، وبصرف النظر عن الاسم الذي يطلق عليه وعلى طريقة حسابه، وسواء تقاضاه من رب العمل أو من زبائنه.
والأجر مسألة في غاية الأهمية إذ أن فكرة قانون العمل تقوم أساساً على حماية الأجر بجوار تنظيم العمل. وله، أي الأجر، وضعه الخاص في الحياة الاقتصادية للمجتمع، حيث أن مجموع الأجور في مجتمع ما إنما يشكل غالبية القوة الشرائية فيه. وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك الى التضخم او الى الانكماش.
أما على الصعيد الاجتماعي والانساني فالاجر يشكل المصدر الاساسي لا بل الوحيد الذي يعول عليه العامل في معيشته ومعيشة عائلته، واحاطة الاجر بوسائل الحماية من شأنها الحفاظ على الاستقرار والامان الاجتماعي، وخصوصا ان العمال يشكلون شريحة لا يستهان بها من المجتمع.
اضافة الى ذلك فإن الاجر هو الركن الاساسي لتحديد مبلغ تعويض الصرف من الخدمة، وتعويض نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، او لتحديد مبلغ الراتب للعامل او لورثته عند تطبيق نظام طوارئ العمل والامراض المهنية في قانون الضمان الاجتماعي.
بناءً على ما تقدم فالأجر حري بكل رعاية وتنظيم وسهر من المشترع بطريقة متحركة في ضوء التقدم الهائل والخاطف للمكننة والانفجار السكاني وانهيار الحدود بين الدول وارتفاع وتيرة التنافس بين المجتمعات والافراد على السواء، وتفشي القيم الاستهلاكية وتحول الكماليات الى ضرورات بين ليلة وضحاها.
ولعل التحدي الاكبر الذي يواجه المشترع هو في الدفاع عن القيمة الشرائية للأجور في وجه التضخم النقدي والمالي وارتفاع اسعار السلع التي تبدو في سباق محموم مع الاجور، دون ان يبدو مجدياً في احوال كثيرة تدخل المشترع لرفع حدها الأدنى، ولا سيما أن هذا التدخل كثيراً ما يكون مسبوقاً بالزمن أو واقعاً بعد فوات الأوان، ما حدا بالمشترع أحياناً إلى اعطاء مراسيم الحد الأدنى للأجور وزيادة غلاء المعيشة مفعولاً رجعياً، كما نادى البعض بفكرة السلّم المتحرك للأجور، ولكن النتائج أظهرت على الدوام بأن هذه الحلقة الجهنمية المفرغة لا تنتهي. حتى أن بعضهم شبه هذه المعالجة بأن الرواتب ترقى على الدرج بينما الأسعار ترتقي في المصعد.
إن اصدار مراسيم تشريعية ترفع الحد الأدنى للأجور بشكل مستمر دون الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية قد يؤدي في وقت ما إلى إعسار رب العمل وعدم قدرته على تسديد أجور عماله، إذ أن عجلة الاقتصاد البطيئة لن تساعده على تأمين أجور عماله، ما سيؤدي بدوره إلى إغلاق المؤسسة، وفي ذلك ضرر للطرفين.
ووفقاً لبعض النظريات والدراسات التي تطرقت الى موضوع الأجور التي تم تطبيقها في بعض الدول المجاورة فإن الحل يقضي بسن قانون يضع الرواتب عند حد أدنى معقول ومناسب على أن تدفع الشريحة الأولى من هذا الراتب بموجب قسائم تموينية صالحة لشراء كميات محددة من السلع الأساسية لحياة الجماهير من مواد غذائية ومحروقات وبطاقات تأمين صحي وتعليمي، على أن تصرف الخدمات مقابل هذه البطاقات من مخازن ومؤسسات (تشارك فيها الدولة والضمان الاجتماعي والقطاع الخاص والنقابات) ويسدد أثمانها رب العمل الذي أصدرها بغض النظر عن القيمة السعرية لهذه السلع في السوق.
وإذا كان هناك كلام حول زيادة الاجور فهذا الأمر حالياً صعب جداً إن لم نقل إنه مستحيل، وبالتالي يمكن أن يقتصر الأمر على حمل الشركات القادرة على تعزيز وضع العامل والموظف لديها، لكن لا يمكن دفع الشركات إلى الافلاس، بل يجب التركيز على الشركات والمحال التجارية التي تستطيع ان تريح العامل.
وفي كل الاحوال فإن كل تحصين لشروط عقد العمل لمصلحة الاجراء يساهم في تحصين أو في جعل هذا الاجر كافيا، وبالتالي تأمين مستوى معيشي أفضل لهم ولعائلاتهم، لا بل وإكرامهم وعدم تعرضهم لذل الفقر والحاجة.
يأتي عيد العمال هذا العام والوضع المعيشي للشريحة الأكبر من العمال في لبنان من سيئ إلى أسوأ، ما يجعل عملية البحث عن حلول أمراً ملحاً للغاية، وأن تكون هذه الحلول مبنية على مصالح العمال بالدرجة الأولى، أمراً أكثر إلحاحاً.
غادة عيسى
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018