ارشيف من : 2005-2008
العمال في عيدهم يفتقدون العيد!
الحركة النقابية في "الكوما" ومطالبها في مهب الريح
احتفل العمال اللبنانيون هذا العام بعيدهم في الأول من أيار وحالهم يقول "بأية حالٍ عدت يا عيد"!
فالحركة النقابية تكاد تكون في "كوما" نتيجة التشتت والانقسام الذي انعكس جلياً في الاحتفالات المتعددة في توقيت متزامن للمناسبة الواحدة!
الحركة النقابية أمام استحقاقات متعددة في المرحلة المقبلة خصوصاً مع طرح ورقة الإصلاح الاقتصادي التي تجنح للنيل من حقوقهم وإسقاط الدور الرعائي للدولة الذي يجعل مصيرهم في مهب الريح.
حلول المناسبة مثقلة بهذه الأجواء جدد التساؤلات حول مصير الحركة النقابية المنقسمة وعدم قدرتها على تفعيل المطالبة بحقوق العمال، وما هي الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي وما هو المطلوب لإعادة الحياة إلى شرايين العمل النقابي وتطويره وفك أسر الحركة العمالية من التجاذبات السياسية.
"تاريخياً كما هو معلوم لم تكن السياسة السبب الرئيس لنشوء الحركة النقابية في العالم، إنما كانت نتيجة انتفاضة عمالية على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في أوروبا آنذاك، وكرست فيما بعد الحياة النقابية على قاعدة تأمين الحقوق الاجتماعية" بحسب ما يقول مسؤول قسم النقابات في بيروت في حزب الله نصري قشاقش لـ"الانتقاد".
ينطلق قشاقش من مقاربة تاريخية للتأكيد بأن أساس العمل النقابي تحقيق المطالب الاجتماعية وحماية حقوق العمال، ودخول "التسييس" في وقت لاحق مع تطور الحركة النقابية وبروز دورها الفاعل فيقول: "إن نشأة الحركة النقابية في العالم كانت في مواجهة السلطة الحاكمة في أوروبا، القابضة على مقاليد الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبالتالي كان استنفار العمال دفاعاً عن لقمة عيشهم مطلباً اجتماعياً إنسانياً بحتاً، غير انه وبعد تطور الحركة النقابية كان من الطبيعي أن تدخل القوى السياسية لتهيمن على الحركة النقابية وتعمل من داخلها، لأنه إذا استطاعت أن توظف هذه الحركة في إطار أهدافها وصراعها عندها بامكانها أن تمسك بالمفاصل الأساسية في العالم".
لبنان الذي لم يكن بمنأى "عن الصراع السياسي العالمي ـ يتابع قشاقش ـ نشأت فيه النقابات نتيجة الحركة الشيوعية العالمية، ولبنان بما يمثل من تنوع ثقافي متعدد كان هدفاً لقوى أخرى على خلاف مع المنظومة الشيوعية، فكانت الساحة النقابية في لبنان محط صراع بين القوى الكبرى، فولدت مجموعة اتحادات كل منها له مرجعيته السياسية العالمية. مثلاً هناك اتحادات نقابية لها بعدها الماركسي مقابل اتحادات لها بعدها البريطاني الأميركي. وفي الوقت نفسه هناك نقابات ذات طابع مسيحي بحت، وعليه بدأ الصراع الدولي في لبنان من خلال هذه النقابات للهيمنة على الواقع السياسي والاجتماعي فيه".
ويضيف قشاقش "صحيح أن العناوين الظاهرية لهذه الحركات لامست الواقع الاجتماعي للناس، وكانت محط شكوى للأغلبية الساحقة للشعب اللبناني، إنما اختزنت في باطنها صراعاً سياسياً بين القوى الكبرى والمنظومات الاشتراكية والرأسمالية، بحيث عملت كل من هذه المنظومات على منع الأخرى من أن يكون لها موطئ قدم داخل الساحة اللبنانية التي كانت تعتبر ساحة مفتوحة ومؤثرة في الساحة العربية.
غير أن ذلك لم يمنع الحركة النقابية من تحقيق بعض المكتسبات الأساسية للعمال، لكن تحقيق هذه المكتسبات لم يمنع يوماً بقاء الصراع السياسي قائماً في جوهر الحركة النقابية، وإن تم في فترة من الفترات توحيد هذه القوى في إطار الاتحاد العمالي العام، لكن الخوف كان يسري دائماً في نفوس القوى السياسية المنضوية في الاتحاد من فقدانها لمواقعها لحساب فئة أخرى. ولا ننسى هنا أن النقابات بما تمثل من قوى شعبية حاضرة للدفاع عن حقوقها ومطالبها، كانت أيضاً مثار قلق للسلطة السياسية التي لا يمكنها مواجهة هذه الحركة وجهاً لوجه، فكان لا بد أن تخطط للهيمنة عليها أو إضعافها بحيث لا تكون قادرة على الوقوف في وجه مشاريعها، وهذا ما حصل في واقعنا النقابي العمالي".
ويسجل قشاقش العديد من المفارقات في الحركة النقابية اللبنانية أهمها:
أولاً: أن الحركة العمالية باتحاداتها ونقاباتها لم تستطع أن تتحول يوماً إلى مؤسسة قائمة بذاتها على مستوى الاكتفاء الذاتي، بل بقيت مرهونة لمساعدات تقدمها الدولة، أو الاتحادات النقابية الدولية.
ثانياً: لم تستطع الحركة النقابية نتيجة الخلافات السياسية الداخلية أن تثبت حضورها كمدافع عن لقمة العيش العامل في لبنان، ما أفقدها أهم عناصر قوتها.
ثالثاً: إن الصراع السياسي الداخلي أفقد الحركة النقابية وحدتها ومناعتها.
رابعاً: أن تطور الحركة الاقتصادية وتوسعها المفرط جعل الحركة النقابية عاجزة عن التصدي والمواجهة، وبالتالي باتت العناوين الاقتصادية الكبرى المدعومة من الدول الاستكبارية تسبق بأشواط الوعي النقابي والحضور النقابي. ويعطي مثالاً على ذلك ان الدول الكبرى يوجد فيها اتحاد أو اتحادان يمثلان أغلبية العمال بحيث تحولت هذه الاتحادات إلى مؤسسات قائمة بذاتها إلى درجة باتت تحدد السياسات الاقتصادية وحتى العسكرية لدولها، بينما في لبنان يوجد 39 اتحاداً تمثل 19% من اليد العاملة"!
ويتابع قشاقش: "انطلاقاً من هذه الصورة كيف يمكن للحركة النقابية المشتتة والمنقسمة أن تواجه فعلاً الضائقة الاقتصادية والاجتماعية لا سيما في موضوع الخصخصة والضمان الاجتماعي، والعقد الوظيفي التي طالعتنا به الدولة مؤخراً؟ فالحركة النقابية في لبنان قبل سنة هي نفسها بعد سنة، عناوينها، خلافاتها، انقساماتها، لا بل بدأنا نفقد باطّراد المكتسبات التي حققها العمال في الفترات الماضية. واليوم بدأ الحديث كيف يمكن المحافظة على الحد الأدنى للأجور، والحد الأدنى للضمان الاجتماعي، والتعليم، والطبابة، والعيش الكريم، وهناك خوف كبير من تردي هذه المستحقات المتدنية أصلا، وبالتالي عن أي عيد يتحدثون؟".
ويسأل قشاقش ماذا يستطيع أن يفعل الاتحاد العمالي العام بعد ازدياد الشرخ بينه وبين نقاباته نتيجة لانعدام الثقة، واتهامه بالغياب الكامل عن أوجاع عماله وآلامهم، خصوصاً في ظل الانقسامات الحادة في الحياة السياسية وغلبة المفهوم الطائفي، وصراع المقاعد على الوعي الاجتماعي الحقيقي؟
ويتابع "إن الواقع النقابي اليوم هو صورة ومرآة للواقع السياسي والاجتماعي القائم، والإصلاح يبدأ من فوق على قاعدة أن تأخذ النقابات دورها الحقيقي التي وجدت من أجله بعيداً عن التحزب والتسييس، وان تضع نصب أعينها الدفاع عن حقوق العمال، وان تحضر في الشارع كلما احتاج الأمر حضورها"، مشيراً إلى أن "بعض النقابات تحولت إلى مجموعات طائفية، وبعضها الآخر تحول إلى مجموعات عائلية، وأخرى إلى دار عجزة حيث بات رئيس النقابة مستعداً بأن يضحي بحقوق عماله شريطة أن يستمر في منصبه!".
ويرى قشاقش أن المطلوب لإعادة الحياة إلى شرايين العمل النقابي عدة أمور أهمها "إعادة الثقة المفقودة بين العامل ونقابته، تطوير الهيكلية النقابية، منع الوراثة في الحركة النقابية، إفساح المجال للطاقات الشابة العاملة أن تقوم بدورها، حضور النقابات بصدق في الساحات، تغليب الوعي النقابي على الحزبية والسياسية، تحويل النقابات إلى هيئات شعبية مدنية أهلية لا إلى مواقع سياسية تستغل المطالب العمالية فيها للدفاع عن مواقع سياسية".
ويخلص قشاقش إلى ما يشبه النعي للحركة العمالية في عيدها مشيراً إلى تشتت الاحتفالات في هذا اليوم، معتبراً أن هذا الأمر يؤكد "أن الصراع هو صراع هيمنة وشخصنة الحركة النقابية". ويقول "مهما كانت الخلافات مستحكمة بين القوى النقابية، يفترض أن يبقى الحل في إطار الاتحاد العمالي العام الجامع لهذه القوى لا في الإطارات الحزبية، وان عودة البعض للاحتماء خلف الطائفة والحزب لهو أكبر دليل على أن العقلية الحاكمة هي عقلية حزبية ضيقة، لا عقلية نقابية مطلبية، وان الوعي النقابي الأصيل هو الذي يناقش كل المشكلات داخل جدران الاتحاد العمالي العام، والصراخ من خارجه لن يجدي نفعاً، لا بل يعمق الأزمة، خصوصاً أن هناك من يسعى إلى تكريس مقولة أنا أو لا أحد".
حسين عواد
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018