ارشيف من : 2005-2008
من اوراق الجرائد...
صحيفة "السفير"
انتخابات الجنوب... بعد بيروت: الديموقراطية في وجه التدخل الدولي
طلال سلمان
لم تكن تنقص المرحلة الثانية من الانتخابات النيابية، والتي جرت أمس في جنوب لبنان (بمحافظتيه)، "الرمزية" التي تحكم نتائجها إلى حد بعيد..
فلن يستطيع إنسان إلا أن يتوقف أمام موعدها الحزيراني الذي يتزامن مع الذكرى الثالثة والعشرين للاجتياح الإسرائيلي للبنان، وقد بدأ من الجنوب وامتد إلى العاصمة بيروت حيث أنتج بعض ثماره المرة سياسياً، وهي قد جددت الحرب الحروب الأهلية العربية الدولية فيه لعشر سنوات أخرى تقريباً..
(ولننسَ، مؤقتاً، الذكرى المرة الأخرى عن الهزيمة العربية الشاملة أمام العدو الإسرائيلي في 5 حزيران 1967..)
كذلك فإن هذه الجولة الثانية من جولات الانتخابات النيابية قد جرت في مناخ الذكرى الخامسة لتحرير الجنوب بالمقاومة، أي بدماء المجاهدين البواسل، معزّزة بالدعم السياسي الرسمي لبنانياً وسورياً (وإيرانياً) وبالصمود البطولي لشعب لبنان بطليعته الجنوبية..
.. وهو مناخ قد تعرض لبعض رياح السموم، في الفترة الأخيرة، أي بعد صدور قرار مجلس الأمن (1559) عشية فعلة "التمديد" التي وفرت له "الذريعة" للتدخل و"الجمهور السياسي" المستعد لقبولها واعتمادها في نقض التسليم بشرعية المقاومة، والقبول بمبدأ مناقشة سلاحها وكأنها بالفعل "ميليشيا"، ينقض استمراره في يدها وجود الدولة ويهدد مواطنيها!
ثم كان الزلزال مع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي طالما شكّل بموقفه الرسمي فضلاً عن الشخصي ضمانة إضافية للمقاومة وشرعيتها، حتى يومه الأخير، مع التذكير دائماً بدوره المميز في "تفاهم نيسان 1996" الذي انتزع لهذه المقاومة بفضل الدعم السوري والإيراني المفتوح والتفهم الفرنسي إقراراً دولياً بشرعيتها يحمل تواقيع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا إضافة إلى إسرائيل..
(أليس من المفارقات أن يكون قرار مجلس الأمن 1559 قد صدر بمبادرة غير ودية وغير مفهومة تماماً، من فرنسا، التقطتها الإدارة الأميركية وذهبت بها إلى مجلس الأمن لإضفاء الشرعية الدولية عليها بذريعة "تأديب" سوريا والضغط عليها للخروج من لبنان.. مع القفز عن "إنجازهما" التاريخي قبل ثماني سنوات والذي نفى عن المقاومة صفة الميليشيا، وكاد يقدمها على الدولة في لبنان..)
في انتخابات الجنوب كان يستحيل تعطيل "الذاكرة"، وبالتالي كان يستحيل أن يتعامل الجنوبيون مع عملية الاقتراع وكأنها مجرد مفاضلة بين أشخاص المرشحين. حتى الانتماء الحزبي لهؤلاء بات معياره مرتبطاً بالماضي، بما هو "بطاقة انتساب" إلى مقاومة الاحتلال، والدفاع عن الأرض وناسها، أكثر منه وعداً بمزيد من الخدمات المحلية ومشاريع الإنماء التي كان التحرير يوجبها "فرض عين" لكن الوعود والتعهدات تبخرت مع نهاية الاحتفال بذلك اليوم الأغر الذي صار عيداً رسمياً بشكليات مسيئة وكفى الله المؤمنين...
للتحرير في الجنوب قداسته الوطنية، أيضاً.. فالإسرائيليون الذين خرجوا، بالأمس فقط، ما زالوا على مرمى النظر، وسلاحهم الهائل في أيديهم، ومشروع هيمنتهم معلن. للخطر هنا رائحة الدم. ليس الحديث عن المخاطر التي تتهدد الجنوب والجنوبيين مجرد تقدير سياسي، أو استكشاف لاحتمالات قد تقع وقد لا تقع. ومجلس الأمن ليس مصدر الشهادة بالوطنية، وقد فقد في نظر أهل الأرض من بسطاء الناس صفته المرجعية. إنه يتحدث عنهم وكأنهم أعداء سلام في وطنهم وليسوا محرريه، أو كأنهم ضد الديموقراطية والحرية والسيادة وليسوا من أبطالها.
وبالتالي فقد كان على الجنوبيين أن يقولوا كلمتهم بأعلى الصوت، وبما يشبه الإجماع، وبمعزل عن أشخاص المرشحين... (وكان محتماً أن يدفع مقاوم ممتاز مثل أنور ياسين ضريبة إضافية، لأنه كان يربط بين المقاومة التي تحفظ الأرض وتحمي الوطن، وبين حقوق المواطن المقاوم في وطنه. لقد وصل الفرز في الوقت غير المناسب..).
الحساب مع "النواب" مرجأ، حتى لو كان التقصير في مجال الخدمات فاضحاً، وفي اختيار أهل الإدارة سيئاً ومعيباً. الحساب بحت سياسي الآن، وعلى الموقف لا على الخدمات. لا مجال لترف المقارنات وطلب الكمال في ظل ضرورات المواجهة (كأنما الموظف الرديء يصير مقاتلاً ممتازاً إذا دق النفير)..
ما علينا من النقد الآن، لنتذكر القرار 1559، وما يدبر في بيروت بطلب من العواصم البعيدة وبضغط منها، لمستقبل المقاومة في لبنان (بعد تحريره من الهيمنة السورية) بل ولمستقبل لبنان ذاته..
لقد قالت بيروت "نعم" للرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي بذل دمه على مذبح السيادة والاستقلال (وينسون المقاومة!!)..
وها هو الجنوب يقول "نعم" لشهداء الأمس الذين يجهرون بأنهم أعدوا أنفسهم للشهادة غداً، في مقاومة مشروع ضرب الحرية والاستقلال والسيادة بقرار التدخل الدولي.
ذلك أن هذا القرار الدولي قد يكون مطلباً، في جهات أخرى من لبنان، وقد يتحكّم في اختيار "نواب" تلك المناطق الطوائف... فلكل جهة من هذا الوطن الصغير شعارها الذي يحكم صوتها الانتخابي، ونادراً ما تلتقي الشعارات!
... وإنه لسؤال شرعي يفرض نفسه في هذه اللحظة الانتخابية: كم سيكون عدد النواب المؤيدين لتنفيذ القرار 1559، وكم سيكون عدد معارضيه؟!
وثمة سؤال إضافي: كم من النواب سيكونون "أبناء شرعيين" لهذا القرار الدولي، والذين ربما رأوا فيه أو طلب إليهم ان يروا فيه أقصر الطرق لتحقيق السيادة والاستقلال؟!
ذلك ان الانتخابات النيابية، بجولاتها المتلاحقة زمنياً، والمظلّلة جميعاً بالشعارات الفخمة التي تشمل إلى الحرية والسيادة والاستقلال المقاومة والتنمية، تكشف حجم الافتراق في التوجهات السياسية بين المناطق والطوائف (وهي أحياناً تتداخل حتى تكاد تكون واحدة) حتى ليبدو وكأن كل منطقة طائفة، "دولة" أو "أمة" قائمة بذاتها، وأن الرباط الجامع بينها اضطراري لا مهرب من التسليم به تحاشياً للدخول في المجهول... سواء أكان هذا المجهول " الفتنة" أو "فيدرالية الطوائف" تحت ظلال القرار الدولي 1559، الذي تبدى لكثيرين وكأنه اطلاق نفير للحرب الأهلية في لبنان، سواء بمفاعيله الداخلية المباشرة أو بشقه الفلسطيني أو باستثماره لسوء الإدارة السورية للشأن اللبناني من أجل تلغيم العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
ففي هذا الوطن الصغير عظيمة هي الاشكالات والخلافات والاختلافات التي تتحكم بعواطف أهله (ومناطقه!!)... والانتقال من جولة انتخابية إلى أخرى (إذا ما استبعدنا الكاريكاتور وزجليات الفولكلور اللبناني) يكاد يعادل الاغتراب داخل البلد الواحد..
في لحظات يتبدى وكأن اللبنانيين يقترعون ضد بعضهم البعض، لكأن كلاً منهم وعينه على خيار الآخرين، فإن ذهبوا شمالاً ذهب يميناً وبالعكس..
والتجوال بين الشعارات المرفوعة في المناطق (المتداخلة) للوائح بين المتنافسين يكاد يشعرك انك إنما تتجول في قارة تتكون من دول عدة ومناخات عدة يربط بها الأمر الواقع أكثر مما يربطها الشعور بالوحدة باعتبارها ضرورة حياة، وباعتبارها طريق المستقبل وليس ارثاً ثقيلاً محمولاً بالاضطرار!.
الانتخابات النيابية في لبنان دولية بالكامل. حتى تفاصيلها المحلية جداً تنزلق، فجأة، لتصب في نهر التدويل الذي يتبدى وكأنه سيفتح أبواب المجهول أمام اللبنانيين المترفين بنعمة الديموقراطية.
ليس انها تجري بقرار دولي منع الاعتراض على القانون الأعرج، وفرض التقيد بالموعد وكأنه "مقدس" لا يأتيه التأجيل من خلفه ولا من قدامه، وليس انها تجري تحت رقابة دولية تعددت فصائلها وفرقها سواء منها المستورد أو المحلي، والتي اتيح لها ان تتعرف على "غرائب المخلوقات" في هذا البلد البلا داخل، وهذه الدولة قيد التأسيس، منذ قيامها وحتى الساعة (حتى لا نقول: حتى قيام الساعة!!)..
وليس ان قادة الدول الأعظم والأكبر يتابعون تفاصيلها، على مدار الساعة، ويحفظون أسماء الاقطاب، ويتصلون بالمرجعيات والقيادات المؤثرة، مباشرة أو بالواسطة،
بل لأنهم يراهنون على امكان استخدام نتائج هذه الانتخابات في حركتهم التالية تجاه لبنان، من ضمن خطتهم للمنطقة التي يمكن قراءة عناوينها على الأقل في العراق المضيعة وحدته وهويته بعد استقراره، وفلسطين المضيع مستقبلها بعد حاضرها المغطى بدمها.
على أن ثمة أملاً يمكن ان تعززه النتائج النهائية لهذه الجولات الانتخابية: ان تأتي بأكثرية تلتزم اتفاق الطائف طريقاً إلى إعادة صياغة السلطة، وتحصين لبنان في وجه التدخل الدولي، وترميم ما تم تخريبه من مشروع سلمه الأهلي سواء بسوء ممارسة السلطة أو بانهيار الإدارة السورية وانسحابها الاضطراري بطريقة آذت اللبنانيين بقدر ما آذت سوريا ومستقبل العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
ان القاسم المشترك بين انتخابات بيروت وانتخابات الجنوب، وقد حكمهما معاً دم الشهادة من أجل حرية لبنان وعروبته واستقلاله، هو اتفاق الطائف، باعتباره "مخرج النجاة" من المأزق الذي استولد مآزق عدة قد تتحول إلى كوارث مستقبلاً.
فالناخب الجنوبي يعرف، مثل الناخب البيروتي، ان ما نفذ من اتفاق الطائف لم يكن الجوهري من بنوده ومن مضمون تلك البنود، وأن الغرض قد حكم طريقة التنفيذ، في السياسة كما في الاقتصاد والاجتماع والإدارة..
والناخبون، هنا وهناك وفي سائر المناطق، يعرفون ان الاعتصام باتفاق الطائف قد ينقذ أو يخفف من المخاطر المدمرة للتدويل، إذا ما اتخذ قاعدة لإعادة بناء الدولة، وأولها السلطة، وموقعها على خريطة منطقته وعلاقته بأهله فيها، وموقفها من العدو الإسرائيلي، الذي لا يترك فرصة لتجاهله أو للافتراض بأنه قد غير طبيعته أو تخلى عن أطماعه في المنطقة برمتها والتي تتقاطع حتماً مع اطماع الاحتلال الآخر، الأميركي، الذي يظلل الآن معظم الأرض العربية قبل العراق وبعده..
فالدم الفلسطيني يشع بحيث لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهله أو يتغافل عن السبب في تفجره في وجه عدوه الإسرائيلي.
.. وصورة الجرافات الإسرائيلية وهي تقتلع زيتون التاريخ وأجداث الأجداد، والدبابات وهي تدمر المدارس وتسحق كراسات الأطفال، وكذلك صور الجنود ووحوش المستوطنين وهم ينهالون ضرباً على النواب العرب، وطليعتهم عزمي بشارة، فضلاً عن صور جدار الفصل العنصري وهو يفصل الأم عن ابنها والزوج عن زوجته والشعب عن وطنه، لا تحتاج إلى من يؤكد عليها.
إن هذه الانتخابات النيابية مطلوب منها ما هو أكثر من العفو عن الماضي، بقوانينه المغلوطة، وجرائمه التي مرّ عليها الزمن.
إن المطلوب منها أن تأتي بمجلس نيابي يمكن أن يباشر التأسيس لدولة تقوم على وحدة صلبة تملك دليل عمل ممتازاً لها اسمه اتفاق الطائف..
فهل يمكن أن نأمل بالعفو عن هذا الاتفاق الذي نفذ أقله وبطريقة انتقائية فلا قامت دولة ولا تمّ تحصين الوحدة الوطنية بما كان يمكن أن تشكل قوة طاردة للتدخل الدولي..
ــــــ
صحيفة "السفير"
على أمل ألا تجيء نتائج الجولات الانتخابية التالية بما ينسف هذا الأمل.. المتواضع!.
عون يقاطع والشيعة أيضاً وصفير يرفض نقض الاتفاق السابق بتأجيل الملف الرئاسي
هل يواجه تحالف جنبلاط الحريري قرنة شهوان لحود وحده؟
ابراهيم الامين
ليقم السياسيون من جماعة الأوصياء الجدد في لبنان بهذا الاختبار: إذا حصل وأن حُدد موعد لشخصية منهم في السفارة الفرنسية. ثم تلقت الشخصية نفسها دعوة لها في السفارة الاميركية لكن في وقت الموعد الأول نفسه.. كيف تتصرّف؟ الأرجح أن يكون الاعتذار من الفرنسيين؟
وليد جنبلاط المح مؤخراً إلى أن فرنسا قد تشهد تراجعاً في نفوذها وتأثيرها في لبنان. وردّ الأمر إلى أسباب داخلية فرنسية والى المناخ القائم في أوروبا. لكن هذه الخلاصة ليست محل إجماع عند القوى المتابعة للدور الفرنسي. وإن كان ثمة من لاحظ تبدلاً في المتابعة الاميركية لجهة حشد المزيد من القوى والمزيد من التدخل والمزيد من الكلام في الملف اللبناني. لكن ذلك يعني أن الأمور تسير باتجاه تعديلات من نوع تسارع الضغوط المتطابقة، أو ما يسميه مراقبون ب"تراجع نقاط التمايز" بين الجانبين إزاء تفاصيل الملف اللبناني.
وإذا كان متعذراً فهم الأسباب الإضافية لهذا التقارب الآن، فإن الأمر يعود إلى بعض الملاحظات التي يمكن من خلالها فهم نوعية المتابعة الأميركية والفرنسية للأحداث الجارية. مثل الاهتمام التفصيلي بطريقة تصويت القوى السياسية، او ما حصل في بيروت بين "حزب الله" وتيار الرئيس رفيق الحريري في بيروت. أو الإلحاح الاميركي على سماع تفصيلات لوجهات نظر القوى الحليفة له في لبنان الآن إزاء المرحلة المقبلة ما بعد الانتخابات. وقد تولى دبلوماسيون أميركيون مناقشة عدد من شخصيات المعارضة حول جدول أعمال "المرحلة نصف الانتقالية". وتبين أن هذه التسمية تعود الى ان استحقاق الانتخابات يفترض أنه مرّ، وانه لم تعد هناك إمكانية لتعطيله باي شكل من الاشكال. حتى ان التقييم الذي أُجري عقب جريمة اغتيال الشهيد سمير قصير توصل الى خلاصة انه لا يمكن تقديم أي عنوان سياسي على عنوان إنجاز الانتخابات. وهو الأمر الذي أدّى إلى إرباك في خطة تحالف جنبلاط الحريري قرنة شهوان لاستعجال الإطاحة بالرئيس إميل لحود. وهو ما اعتبره البطريرك الماروني نصرالله صفير نقضاً لاتفاق سابق معه وبرعاية أميركية وفرنسية يقول بأن ملف رئاسة الجمهورية مؤجّل بكل تفاصيله الى ما بعد الانتخابات. والخلاف الذي حصل في ضوء جريمة اغتيال قصير، لم يعد فتح النقاش حول الامر، بدليل ان التحالف الثلاثي اعتبر ان الجريمة تشكل سبباً كافياً لتعديل الاولويات.
لكن الذي حصل هو ان العماد ميشال عون رفض الانضمام الى هذه الخطة وهو يرى فيها استهدافاً له أكثر ما يرى فيها استهدافاً للحود الذي يعتقد عون جازماً أنه لن يُكمل ولايته. وقد ارتكب تحالف البريستول من الأخطاء التكتيكية ما تكفي للإشارة الى أنه مستعجل القضاء على "الشرعية الشعبية" للجنرال العائد بشعارات وبرنامج يتناقض مع التركيبة القائمة أو التي سوف يجدّد لها، بمعزل عن التقييم العملي لهذه الشعارات او لقدرة عون وتياره على المضي بها نحو التنفيذ. لكن عون وهو الذي يمثل القوة الشعبية الأبرز مسيحياً والتي تليها "القوات اللبنانية" بفارق كبير. لم يعد يريد استغلال هذه القوة خارج الاطار الاستثماري، وهو يعرف ان التحالف الثلاثي لن يكون بمقدوره تجييش تظاهرة شعبية ضخمة وجامعة مثل 14 آذار تحت عنوان لا يوافق عليه العماد عون. ما دفع إلى الغاء تحرّكات كانت مقررة أمام القصر الجمهوري، لأن الخشية كانت من ان التحرك سوف يكون على شكل غير مستحبّ في تركيبة لبنان الحالية، أي تحرّك سني درزي بوجه رئيس ماروني. والسبب الآخر يعود الى ان "القوات اللبنانية" نفسها غير قادرة على قيادة تجييش شعبي في ظل الاجتياح الكبير للتيار العوني للشارع المسيحي. عدا عن ان "القوات" تعمل بوحي صفير الذي حذّرها من أي مواجهة مع العونيين وهي مواجهة من شأنها لو وقعت أن تقضي على ما تبقى من القوة السياسية للمسيحيين.
أما صفير فهو يرى الأمر ضمن سياق مختلف. فهو على انزعاجه من المشهد السياسي المسيحي القائم حالياً، وعدم موافقته على سلوك العماد عون تحديداً، الا انه لا يرى في "قرنة شهوان" الابن الصالح الذي أحسن قيادة أمور العائلة. ولذلك فهو أخفى قسما كبيرا من امتعاضه من طريقة ادارة الملف الانتخابي، ونزل عند الرغبة الاميركية والفرنسية بعد التصعيد لمنع التوتير أكثر، حتى انه ابتعد كثيراً عن الأضواء. وكان يهتمّ أكثر من السابق بنفي صلته بأي سجال انتخابي يتم من على باب بكركي. الا انه لا يمكن معارضة العنوان السياسي الذي يعمل عون تحته والذي يقول برفض اختيار الممثلين المسيحيين من قبل المختارة وقريطم. هذا عدا عن خشية صفير الدائمة من أن إسقاط الرئيس إميل لحود الآن يعني وضع البلاد والمسيحيين أمام احتمال الفراغ الذي قد يطيح بالانتخابات النيابية، وأمام احتمال اختيار الغالبية الإسلامية المسيطرة على المجلس النيابي بالتحالف مع شخصيات مسيحية ضعيفة لرئيس جديد من النوعية التي لا تعيد للموارنة ما يحتاجونه على مستوى الرئاسة الأولى.
الأمر الآخر يتصل بأن التقارب الذي قام لأسباب سياسية ومن ثم انتخابية بين التحالف الثلاثي وبين التيار الشيعي الابرز في حركة امل وحزب الله لم يشمل ابداً الموقف من رئاسة الجمهورية، باعتبار أن مشكلة الشيعة مع لحود موضعية وتتصل بعناوين وسلوكيات محددة تخص أمور الدولة مقابل تفهم وترحيب وحفظ جميل من جانب هذه القوى لأول رئيس جمهورية يكون جزءاً من قيادة تيار المقاومة في لبنان، والشيعة بغالبيتهم يعرفون أن لحود تلقى ضربات كبيرة من جانب قوى سياسية محلية ومن جانب عواصم كبرى بسبب موقفه من المقاومة وليس لأسباب أخرى. واذا كان الخطاب السياسي لكل من "امل" و"حزب الله" لن يعترض على توافق إجماعي على ملف رئاسة الجمهورية إلا أن هذه القوى لن تنخرط في معركة لإسقاط لحود عنوة. وبالتالي فإن أي تحرك يقوم به تحالف جنبلاط الحريري "قرنة شهوان" لن يحظى بتغطية او بدعم من جانب الكتلة الشيعية الكبرى. بينما يمكن لهذا التحالف أن يستفيد من التوافق الانتخابي القائم الآن مع "حزب الله" و"امل" باتجاه النيل من قوة العماد عون. وهذا يعني انه في حال قرر التحالف الثلاثي المضي في معركة الإطاحة عنوة بلحود فسوف يكون هذا التحرك خالياً من دعم "حزب الله" و حركة "امل" والتيار العوني والبطريرك الماروني. وهذا سبب كافٍ لأن يكبح التحالف الثلاثي حركته هذه. وبالتالي المضي في المعركة الانتخابية.
تكتيكياً كان على التحالف الثلاثي الانتباه إلى أنه من الصعب إدارة البلاد بوجهة واحدة فقط. وما كان مأمولاً من هؤلاء بوجه عون إثر جريمة اغتيال قصير، يبدو أنه أتى بنتائج معاكسة. هذا في اللحظة التي لم تنطلق بعد الحملة الانتخابية الحقيقية للتيار العوني، والتي سوف تتضمن إعادة الاعتبار الى السجال الداخلي حول طريقة بناء الدولة. أو ما يُعرّف عنه عون ب"معركة ضد الفساد".
إلى جبل لبنان درّ!
ـــــــ
صحيفة "النهار"
مرحباً بالربيع... فما عاد جدار برلين ممكناً !
غسان تويني
في غمرة الأحداث المأسوية التي يعيشها لبنان، وتجري انتخاباته النيابية في ظلّها، ثم تحاول، او يحاول اللاعبون تجاهلها مدعين الترفّع حيناً، ومتلبّسين بالغطرسة والجهل أحياناً...
في غمرة هذه الأحداث يتطلّع الأكثرنا معرفة باسرار الشرق الأوسط (وعالمه العربي المتزايد زلزلةً يوماً بعد يوم)... يتطلّع هؤلاء الى المؤتمر القطري العاشر الذي يعقده حزب البعث الحاكم في دمشق – الشام ببعض الرجاء والكثير من التشكيك.
البعض يستهول ان يكون "الآتي أدهى وأعظم" ويمضون في رسم سيناريوات الحروب المرئية وغير المرئية قائلين ان سوريا المضطربة ستحاول تدعيم كيانها الداخلي بزعزعة جيرانها... "ومن أحقّ وأسهل منالاً من لبنان؟".
بينما ثمة بعض آخر لا يزال يحلم – وبطوباوية مقبولة – بأن يأتي الصيف المطل علينا بربيع دمشق الموعود تزيّنه الورود السورية العطرية، انما في غير زي أكاليل دفن الموتى!!!
محلل دولي – ولا اقول "مراقباً" حتى لا يساء الفهم – مشهود له بحسن التحليل، اتصل بي أمس يقول ان العلّة في الحزب الحاكمِ سوريا، لانه يتردّد على عتبة الربيع بسبب ما يمكن تسميته "الغورباتشيوف – سندروم"... أي ان الحكم والحزب هناك تسربلهما عقدة التخوّف من تحوّل الربيع الى "بيريسترويكا" تفتح الأبواب والنوافذ على الهواء الحر العطر، فاذا بالعواصف هي التي تدخل وتطيح حكم الحزب وقياداته، بمن فيها... الغورباتشيوف السوري أياً يكن، ولو كان الرئيس البشّار بالذات.
تناقشت والمحلل الدولي وقلت له ان تفكّك الحزب الشيوعي وانهيار الاتحاد السوفياتي لم يبدآ مع غورباتشيوف بل مع خلفاء ستالين، خروشوف وجماعته، و"الترويكا" التي حكمت الاتحاد السوفياتي بعد ذلك الى حين طويل... ويجب ألاّ ننسى ما باح به خروشوف من أن تقرير اللجنة المركزية عن فظائع العهد الستاليني وفضائحه ظلّ نائماً في ذاكرة الحزب سنتين وربما أكثر، ولا أحد يجرؤ حتى على البوح لنفسه بما سمع منه (وقد تلي علناً، ثم طوي سراً دفيناً) ربما بفعل استمرار الخوف من الطاغية ستالين ولو بعد الوفاة...فأين ستالين في سوريا؟
وهل سبق بشّار الأسد خروشوفٍ ما وضع تقريراً عن عهدٍ طوته سوريا ولا تزال اسراره اسراراً مكتومة دفينة؟
و كيف يمكن ان يتحوّل الرئيس البشار او أي زعيم آخر الى غورباتشيوف، يفرقع النظام بمجرّد دعوة الحرية الى المؤتمر القطري؟
لم نحسم أنا وصديقي المحلل الدولي (وكان أحرى بي أن أصفه بالمراقب التاريخي، او فيلسوف التاريخ... اذذاك كان يمكن أن يكون سمير قصيرٍ بالذات، لم يمت بعدّّّ!!!) – أقول: لم نحسم الموقف ولا صار عندنا جواب جدلي نتفق عليه، غير الظن ان المؤتمر العتيد سيجتمع، واحشاء الحزب يسكنها في آنٍ واحد الخوف الفظيع من ربيعٍ يكون صيفاً عاصفاً، والأمل العظيم في أن يكون الربيع هو طريق الانقاذ والتغيير الى الأفضل، والخروج بسوريا من تخبّطها في العزلة وفي أزمات ليس عندها مَن يساعدها على التوصل الى حلول ترضية لها مقبولة ومعقولة.
وطبعاً لأننا نحن لبنان، ومنه وفيه، يؤرقنا السؤال ولا تقلقنا الأجوبة الممكنة، لأننا "المساحة" (ممنوع ان نستمر نقول: "الساحة"، ولو صارت!!!) نعم "المساحة العضوية" التي يزهر فيها ربيع دمشق، ولبنان يسقيه ويزيده يناعاً... أو تهبّ فيها العواصف "الشامية" (والرياح الشمالية): اغتيالات كتلك الموعودة وانفجارات ومشاريع حروب أهلية (وتنشأ من أسوأ ممارسة لانتخابات الديمقراطية البرلمانية التي كنا نعلّل النفس بتصدير أحسنها الى سوريا)... وكلها في متناول الشقيقة التي سحبت جيوشها الجرارة انما خلّفت وراءها كل ادوات الاجرام المخابراتي والعصابات المافيوية غير المأجورة ولا المنظورة، ولو في زي أحزاب وأشباه أحزاب... فضلاً عن الشركاء الذين يظنون انهم حلفاء ولا يعرفون ماذا يفعلونّ!
... ولنفترض اننا، صديقي المحلل الدولي وأنا، توجهنا بالسؤال الى خبير ينصحنا وينصح الحكم اللبناني المتعثّر المثقلة حكومته "الحيادية" بمئة همٍّ وهمّ. فماذا يقول الخبير؟
أجاب الخبير:
أولاً: مطلوب من لبنان الخروج من الخجل والوجل. الخجل من مصارحة سوريا بنصحها وتحذيرها ودعوتها الى "الربيع التغييري"، ويكون مشتركاً. والخروج من الوجل أي من الخوف من أخطار تصدير سوريا ازماتها، اغتيالات وتفجيرات وحروباً "وقائية" (لها)... بل الخوف من تحذير سوريا من أن لجوءها الى كل هذه "الممكنات"، الثابت انها في متناولها، نتيجته ستكون انفجار سوريا ربما قبل ان ينفجر لبنان الذي اثبت شعبه انه قادر على القفز الى الوحدة الوطنية (نعم، القفز) فور تعرّضه للخطر. وهذا ما حدث من شباط الى آذار، ولعله لا يزال ولو في ظاهره متأزماً !
ثانياً: مطلوب من الحكومة اللبنانية – أياً يكن موقف رئيس الجمهورية، ولا نقول "مصيره"... – أن تصدّق انها حكومة وان في متناولها الحكم. وان الحكم احتراز أولاً، فعليها أن تتّخذ كل التدابير للوقاية من امكان "اللا–ربيع"، وفي طليعتها الحراسة الذاتية (ولا تسأل عن المعنى، الجواب بكل ما في المعاني وأبعادها) والإطباق بقوة بل بطش على كل ما ومن يثير أو يمكن أن يثير ريبة أو شكاً... والمعنى في قلب الحكم وعلوم الحكومات!
ثالثاً: مطلوب من الحكم ان يتهيّأ ديبلوماسياً واعلامياً للجوء الى تشغيل الحصانة الدولية التي تحتضن بشرعيتها الاممية لبنان وديمقراطيته التي لا تزال عليلة... مثلاً قرار مجلس الأمن الآخر (اي غير الـ1559الطيب الذكر!) المتعلق بالارهاب ورقمه 1566وذلك عند أول حركة او عملية مريبة تدلّ على ان "العاصفة آتية لا محالة"، فنطلب لأنفسنا أكثر مما يطلب الاخوان الفلسطينيون لحماية أنفسهم وأرضهم والمؤسسات... ولا نفقدنّ الأمل في الظفر بذلك، فلبنان هو الأقدر.
حتى ينجح لبنان في خطّته هذه – مع رجاء ألاّ تحوجه الظروف اليها، بل يأتيه الربيع السوري بما يفرح قلوبه وقلوب السوريين، والمجتمع الدولي المتلهّف الى مثل ذلك...
حتى ينجح لبنان، يجب ان تفرض الحكومة (التي جاءت، نتيجة قرار لبناني – عربي – دولي، لاجراء انتخابات حرّة ونزيهة تعيد لبنان الى الشرعية الدستورية غير المطعون فيها)... نقول: يجب أن تفرض الحكومة، بكل وسائلها المشروعة وأولها الحوار الديمقراطي، على جميع "المتصارعين" في الانتخابات عهد شرف مضمون قانونياً بعدم سلوك المنزلقات الشريرة التي يتمناها لنا الأعداء كلهم، أينما كانوا... ولو برز ان بينهم "أشقاء"، لا فرق!
مفهوم؟
يجب ان نُفهم بعضنا بعضاً، وأن نتفاهم، لنوجّه الرسالة صفاً واحداً الى الصديق قبل العدو، والشقيق قبل الغريب. ولنهتف كلّنا معاً للربيع السوري المأمول، بصدق وغفران ومحبة مستعادة مستديمة.
لأن لا ربيع وصيف تحت سقفٍ واحد... ولا خوف من غورباتشيوف، لأن ليس ثمّة في تاريخ سوريا (بعد؟) خروشوف يريد فضح أية ستالينية.
ونحب أن نظنّ اننا لسنا هنا، من جانبي الحدود، في ظلّ أي نظام سوفياتي متهاوٍٍٍٍ. وقد زال زمن تشييد "جدار برلين" في أي مكان في العالم، من غير أن يهب العالم لهدمه.
مفهوم، كذلك؟
مفهوم؟ الأفضل أن يصير مفهوماً، حتى لا تهبّ عواصف جهنّم على جانبي الحدود!
ـــــــــــــ
صحيفة "الشرق"
قراءة هادئة في كلام لحود
عوني الكعكي
آثرنا مخاطبة فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود بكلمات هادئة، على الرغم من ان تصريحه الاخير لم يكن هادئاً على الاطلاق، وقد جاءت كلماته في زمن يتطلب حكمة متناهية منعاً لمزيد من التشنجات لا حدة في التعبير كنا لا نتمناها من فخامته.
... استوقفنا التصريح، واعادنا بالذاكرة الى خطاب القسم الذي لم ينفذ منه اي بند، بل على العكس تماماً فقد كان هذا الخطاب الحاد في مظهره، المستغرب في مقاصده، يؤشر الى مرحلة لا استقرار، وقد حوّل السياسة الى عمل كيدي، ما دفع بالبلاد الى شد حبال وتجاذبات كبيرة.
... منذ بدايات العهد تم افتعال اشكاليات مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي رفض حينها تكليفه بتشكيل الحكومة، على الرغم من نيله اكثرية اصوات المجلس النيابي، وقام الرئيس لحود بعد ذلك بفتح ملفات في محاولة لايذاء الرئيس الحريري، ولكن مع ذلك فإن اي تهمة مستندة الى قواعد قانونية لم تكن موجودة في هذه الملفات، ولكن مع ذلك استمرت المضايقات، حتى ان الوزير فؤاد السنيورة كان مهددا كل يوم باختلاق تهمة له لادخاله السجن، ونذكر في هذا الاطار مهيب عيتاني الذي تم ادخاله السجن وعادت المحكمة وبرأته، وطال الامر محافظي بيروت وجبل لبنان وعبد المنعم يوسف، وقد ثبت بعدها ان كل الاتهامات باطلة، ولا تمت الى الحقيقة بأي صلة.
على مدى السنتين الاوليين من العهد استعملت كل الوسائل القهرية ضد الرئيس الحريري، حتى جاءت انتخابات عام 2000 ورد اللبنانيون على العهد، واستطاع الرئيس رفيق الحريري ان يحقق انتصارا بما يشبه المبايعة لسياساته من اللبنانيين، على الرغم من ان قانون الـ 2000 وضع لتحجيمه وهزيمته.
... المنطق يقول انه كان على الرئيس لحود تقديم استقالته في عام 2000، لأن رد الشعب اللبناني على العهد، وتحديدا في بيروت باجماع على مبايعة الحريري كان ادانة للعهد وسياساته، وبصراحة اكثر وضوحا، لقد افشل الرئيس لحود باريس-2، واجهض كل انجازاته، وقد اضاف الى فشل سياساته وبطريقة تراكمية ضرب الاقتصاد، ولكن كل الشعب اللبناني كان في ذلك الوقت يحرص على الامن، حتى ولو على حساب السياسة والاقتصاد، ولكن وقوع الزلزال الكبير والمتمثل باغتيال الرئيس الكبير رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما، وبعدها اغتيال الزميل سمير قصير، وقبل ذلك محاولة اغتيال النائب مروان حماده، كل ذلك اكد من دون اي لبس ان العهد كما فشل في السياسة والاقتصاد، فشل ايضا في الأمن...
هنا ادرك ناس هذا الوطن حجم التداعيات التي اصيبوا بها، وهم يتساءلون اليوم كيف لهم الاستمرار تحت قيادة هذا العهد الذي اثقل كاهلهم، واصابهم في عيشهم ومعاشهم وفي امنهم، علما ان حجم الدين العام كان في بداية العهد حوالى الـ 16 مليار دولار، وها هو اليوم يرتفع الى اربعين مليار دولار، ويقال اكثر من ذلك بسبب هذا العهد وسياسته الكيدية التي اتبعها.
... الآن، الرئيس لحود يقول «سنفضح رموز الحملة الجائرة في الوقت المناسب، والسؤال، لماذا ينتظر فخامته؟ ولماذا لا يصارح اللبنانيين، لوضع النقاط على الحروف كما قال؟!
... إن فخامته مطالب اكثر من اي وقت مضى بالبوح بما يعرفه، اذا كان فعلا ما قاله يخدم المصلحة العامة، ونحن نشك في ذلك.
... اننا بالطبع لا نحبذ المس بمقام الرئاسة الاولى، ولكننا في الوقت عينه نطالب المقام الرئاسي بوقفة شجاعة وموضوعية، إذ ان فشل سياسات العهد يتحمل مسؤوليتها من وضعها ونفذها.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018