ارشيف من : 2005-2008

من اوراق الجرائد...

من اوراق الجرائد...

علق العديد من الكتاب والصحافيين اليوم على خطاب الأمين العام لحزب سماحة السيد حسن نصرالله في الاحتفال الحاشد في مهرجان المقاومة والتحرير في بنت جبيل، وهنا أبرز جاء في التعليقات في الصحف اللبنانية:

كتب جوزف سماحة في صحيفة السفير تحت عنوان "من الانتصار إلى الحصار":

ليس الدليل على أن حياتنا الوطنية تشكو من عيوب أن تمر الذكرى الخامسة لتحرير معظم الأرض الوطنية في الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي من غير أن تعامل بما يليق بها في البلد كله. كلا ليس هذا هو الدليل. الدليل هو أن نستفيق غداة الخطاب الذي ألقاه الأمين العام ل<<حزب الله>> السيد حسن نصر الله وكأن شيئاً لم يحصل.

لو قامت الضجة ضد الخطاب لكان الأمر أفضل. ولكن أن تتجنب القوى السياسية الرئيسية التعليق والنقاش والمساجلة والتأييد والرفض فهذا يوحي أن <<مؤامرة صمت>> تُحاك هي الوجه الآخر لما نلاحظه جيداً من أن الكثيرين يعتبرون أن مسألة بخطورة سلاح <<حزب الله>> يمكن لها أن تحل ب... التدليس.

في العام ألفين، وبعد التحرير، ألقى نصر الله خطاباً في بنت جبيل. تحدث فيه عن الانتصار الشامل لكل اللبنانيين، وعن التواضع، وأورد تلك العبارة المفتاح: <<إنه نصر تاريخي يؤسس لحقبة جديدة ويشطب خلفه حقبة تاريخية ماضية>>. إنه خطاب الانتصار والوعد.

بعد خمسة أعوام، وإثر <<انتفاضة الاستقلال>>، وقبل أيام من بدء الدورة الأولى للانتخابات النيابية، ألقى نصر الله، وفي بنت جبيل أيضاً، خطاباً حذر فيه من <<أن المقاومة مستهدفة... وعلينا أن نستعد لمواجهة هذا الاستهداف>> ودعا إلى <<تحصين سياسي للمقاومة وسلاحها>>. إنه خطاب الحصار والوعيد.

خمسة أعوام هزّت العالم والمنطقة ولبنان. تغيّرت المعطيات تماماً وفي وجهة مخالفة، إلى حد بعيد، لما توقعه نصر الله، ودعا إليه، وتمنّاه، وعمل من أجله. وبكلام أدق تغيّر العالم والمنطقة والتقى ذلك برافد لبناني داخلي نقل المقاومة من حال إلى حال.

لقد تعمّد نصر الله عام 2005 تكرار ما ذكره عام 2000 من شكر لسوريا على دعمها المقاومة ودفعها ثمن ذلك. غير أن لبنان المتشكل هذه الأيام هو، بالضبط، لبنان المتحرّر من سوريا والمتجه، على الأرجح، نحو علاقات صعبة معها. لا يختصر هذا العنوان المشهد كله بالطبع ولكنه مؤشر مهم إلى مضامين التباين بين <<التحرير>> و<<الاستقلال>>.

ليس الحزب مسؤولاً عن الوضع الذي يرسو عليه البلد. لقد أوجدت الانقلابات العاصفة في العالم والمنطقة المناخ العام. إلا أن <<الأخطاء>> الفادحة التي ارتكبها حلفاء الحزب، أو بعضهم، في سوريا ولبنان، ارتدت عليهم وعليه وفرضت، بالتالي، على خطاب 2005 أن يكون متشائماً بقدر ما كان خطاب 2000 متفائلاً.

يتوجب، ربما، أن نعود بعض الشيء إلى الوراء. كلا، لم يعش لبنان قبل التحرير إجماعاً حول المقاومة وما تعنيه من خيار إقليمي، وكذلك فإن الإنجاز نفسه استقبل بتفاوت ملحوظ وصل في حده الأقصى إلى اعتباره غلبة في حرب أهلية تدور بالواسطة. ولم يكن التحرير حاضراً بقوة في انتخابات عام 2000 في حين يحذر نصر الله أنه سيكون كذلك في انتخابات 2005 لكن بمنطق ثأري. والتطورات الداخلية التي حصلت منذ ذلك الوقت مهّدت لما هو جار الآن علماً أن ذلك لم يكن ليحصل لولا التحولات الدراماتيكية في السياستين الأميركية والإسرائيلية ولولا الخيارات الكارثية التي اتخذت في معرض الرد عليهما.

يبقى أننا، اليوم، أمام ما نحن عليه. إنه من باب تحصيل الحاصل القول إن المقاومة مستهدفة. لا يكف المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون والغربيون عن تكرار ذلك ويترجّع صدى تصريحاتهم في لبنان. ووسائل الاستهداف عديدة. تبدأ بالاستفادة القصوى من ارتكابات حلفاء الحزب. وتمر في السعي المحموم إلى <<تجويف>> الوضع اللبناني عبر الانتخابات. غير أنها تسلك دروباً أخرى. منها، مثلاً، أننا نشهد مراجعة تحريفية للثلاثين سنة الماضية. لقد تحدث بعضهم عن <<حروب الآخرين>>

وكان يقصد حروب الإسرائيليين والفلسطينيين والسوريين (وغيرهم) <<فوق أرضنا>>. ولكن الترجمة الأولى لذلك قصرت <<الآخرين>> على الإسرائيليين والفلسطينيين. كان ذلك زمن النفوذ السوري. أما اليوم فيراد لنا أن نقتنع بأن الثلاثين سنة الماضية كانت كناية عن عدوان سوري مستمر على لبنان!

إن العبث بالذاكرة هو تغطية لسياسات معينة ومشبوهة. والقصد الواضح هو استئناف الصراع على مضمون الوطنية اللبنانية. فإذا كان التحرير يضعها في مواجهة إسرائيل فإن <<الاستقلال>> يحاول وضعها، حصراً، في مواجهة العروبة وفي تناقض مع سوريا. والواضح أن القصد من ترسيخ هذه <<اللبنانوية>> فتح ملف المقاومة بسرعة، ملف المقاومة لا ملف السلاح فقط، لأنها واحدة من قوى التأشير في الاتجاه المعاكس.

ويترافق مع هذا العبث تقديم وعود ومغريات ترافق دخول لبنان مرحلة الخضوع للوصاية الأجنبية. ويمتد ذلك من إعادة بناء الجيش وصولاً إلى العون الاقتصادي والوعد الديموقراطي. إن هذه الوعود ستوضع، على الأرجح، في سلة واحدة مع القرارات الدولية وأبرزها 1559 بحيث يكون على لبنان الجديد أن يختار بين طريقين: المروق على الشرعية الدولية ومعه الفقر والتوتر والحروب والصراعات، أو احترام الشرعية الدولية ومعه الازدهار، والاستقرار، والسلام، والحياد.

يمكن الاستطراد في استعراض عناصر الضغط المصاحبة لدخول لبنان العهد الجديد. والواضح أنها أسفرت، حتى الآن، عن استقرار الخطاب السياسي الخاص بمستقبل المقاومة عند موقف من حدين: لا بد من حوار حول سلاح <<حزب الله>>، أو لا بد من حوار لنزع سلاح <<حزب الله>>. وقد أضاف وليد جنبلاط في كلمته في بنت جبيل <<إذا لزم الأمر>> إلى فكرة الحوار. وهذه الإضافة، على أهميتها، لا تلغي أن دول الوصاية، وإسرائيل طبعاً، ستجعل الأمر لازماً بالضرورة.

إن ما فعله نصر الله هو رمي كرة النار في وجه الجميع. فالحوار، في رأيه، هو حول سبيل حماية لبنان من إسرائيل والتمسك بقوة الردع. ويعني ذلك أن الحزب باق على سلاحه مهما كانت الصيغة الجديدة لثنائية الدولة المقاومة. ويفترض، بناء على ذلك، التقدم خطوات إلى الأمام على صعيد بلورة المواقف من هذه النقطة الحساسة.

الواضح أن <<التقدم>> لم يحصل. ربما كان ذلك لأسباب انتخابية. ولكن متابعة دقيقة للأطروحات كلها تفيد أن الداعين إلى الحوار لا ينطقون بكلمة حول المخرج إذا تعثر الحوار، كما أن الداعين إلى نزع السلاح لا يكلفون أنفسهم عناء توضيح كيفية ذلك.

إن في لبنان كثيرين يعتقدون أن سلاح الحزب سيسقط مثل ثمرة ناضجة وأن حسن نصر الله إنما كان يمازحهم عندما قال ما قاله.

ـــــــــــــــــ

وفي "السفير " أيضاً كتب حسين أيوب تحت عنوان :

"السفارات تهتم بخطاب <<السيد>> .. والعبرة في مقاربة السلطة الجديدة لملف المقاومة

جنبلاط في بنت جبيل: بداية شراكة في مواجهة توترات سياسية آتية

لطالما حصر <<حزب الله>> صورة احتفاله السنوي بالتحرير بأمينه العام السيد حسن نصر الله. أما أن يحضر وليد جنبلاط، فهذا استثناء، ولأنه كذلك، تهافت الكثيرون، في الداخل والخارج، وخاصة سفارات عدد من الدول الغربية، في التدقيق بأمرين: الأول خطاب نصر الله والثاني معنى حضور جنبلاط ومضمون كلمته.

في النقطة الثانية تحديداً، لا بأس من رصد ذلك الأسى مجبولاً بعتب الكثيرين من حلفاء <<حزب الله>>. ربما قال بعضهم في سره انه لو علم أن جنبلاط سيدعى إلى بنت جبيل ويلقي كلمة لما كان حضر في الأصل وربما قدم تقريراً طبياً لتبرير غيابه. لقد فوجئ هؤلاء بوليد جنبلاط يحضر حيث يفترضون أنفسهم أصحاب الدعوة أو الأحق بالصورة، خاصة أن الموسم انتخابي ومن غير المستحب شرعاً وسياسةً الغياب. فعلها حسن نصر الله وخيّب آمالهم، فأصبح وليد جنبلاط هو النجم بحضوره وليس البعثي أو القومي أو غيرهما من الذين طالما استخدموا خطاب التخوين ضد جنبلاط، فإذا بمن لم يصدق حقيقة أن التحالف الرباعي، أصبح أقوى من غيره من التحالفات، قد أيقن أن مصطلحات المعارضة والموالاة صارت من الماضي ولا بد من البحث عن توصيفات جديدة للانقسامات السياسية الجديدة. حلف رباعي الخ.

عندما كان وليد جنبلاط في طريقه إلى بنت جبيل، سلك طريق المختارة نيحا جزين الخردلي برج الملوك حولا عيترون بنت جبيل. ليست المرة الأولى يعبر من هناك بعد التحرير. لكن شعوراً راوده إزاء الخطر الذي يحدق بلبنان بعدما أصابه التدويل. <<لعل البلد مقبل على توترات سياسية كبيرة. كثيرون لا يرتبون جداول أعمالهم أو حسب المصطلح المستجد <<أجنداتهم>> ربطاً بتلك الاستحقاقات الكبيرة. من جهة، لجنة تحقيق دولية بقضية اغتيال رفيق الحريري يخشى أن تتدخل دوائر غربية لحرف مهمتها باتجاهات سياسية معينة. من جهة ثانية، هناك القرار الدولي الرقم 1559 الذي صار بنده الثاني، عنواناً لأحد احتمالين لا ثالث لهما، إما الجنون أو التعقل. تماماً كما أكد حسن نصر الله. الرجل يقول للبنانيين: <<سلاحي بتصرفكم، هل تريدونه عنواناً وطنياً إجماعياً من أجل حماية بلدكم أبعد من مزارع شبعا أم لا تريدون ذلك>>؟ يقول وليد جنبلاط.

عندما وصل جنبلاط، استقبل في ملعب بنت جبيل بأكثر مما كان ينتظر. علا التصفيق والهتاف. لولا الأعلام الصفراء، لشعر بأنه على عتبة بلدة شوفية ولكن بحشد ندر أن يصل إلى مئات الآلاف. أرادها الحزب وجنبلاط مناسبة لتكريس المصالحة بين ساحتي الشهداء ورياض الصلح. كان يمكن للمشاركة الجنبلاطية أن تكون عادية، لكنها اكتملت وتميزت بالكلام، وبالإشارات التي أريد لها أن تصل إلى بعض اللبنانيين والى الخارج بالدرجة الأولى.

قال البعض إن <<حزب الله>> كرّس تحالفه مع جنبلاط وتيار المستقبل في بعبدا عاليه. بمجرد أن بثت وسائل الإعلام صورة جنبلاط في بنت جبيل. ربما الأمر محسوب لكن في الحسابات ما هو أبعد من ذلك بكثير. في الأصل، لم يكن جنبلاط ينتظر رداً من الحزب، بل كان الحزب ينتظر الصياغة النهائية للائحة التحالفية لكي يبدي ملاحظاته أن وُجدت أو تبريكاته، فيسلك التحالف طريقه نحو الصناديق مباشرة.

ماذا أبعد من بنت جبيل وبعبدا عاليه؟

ستنتهي الانتخابات في التاسع عشر من حزيران. في العشرين منه، سيكون الهم الأول من يأتي رئيساً للمجلس النيابي الجديد وفي اليوم التالي أية حكومة نريد ومن هو رئيسها؟ بعد ذلك، يأتي دور جدول أعمال السلطة الجديدة. في الطليعة، سينحسم الموضوع الرئاسي سلباً أو إيجاباً، وبعد ذلك، لا بد من التحوط للبند الثاني في القرار 1559. كيف ستقارب السلطة الجديدة موضوع سلاح <<حزب الله>>.

لسان حال العارفين بطبيعة التعامل الغربي مع لبنان في ضوء المسلك المتكامل من الحكومة الميقاتية إلى الانتخابات في موعدها مروراً ب<<قانون الألفين>>، أن أفضل ضمانة لنزع سلاح المقاومة لا تأتي من القوى المسيحية في السلطة الجديدة، بل من المسلمين الذين سيكتسحون ويكتسبون مشروعية كبيرة تؤهلهم هم، لا أحد غيرهم، للقول للمقاومة <<تفضلي بالتي هي أحسن وناولينا سلاحك وإلا..>>.

في بنت جبيل، قال وليد جنبلاط للمراهنين على هكذا مسلك بأنه من الخطورة بمكان أن يكون هناك مجانين في البلد يراهنون على نزع سلاح حزب الله بالقوة. <<هؤلاء مجانين>>. العبارة طالما استخدمها جنبلاط من قبل حسن نصر الله وزاد عليها: <<هؤلاء يريدون تفجير البلد. لا أكثر ولا أقل>>. هل يعني ذلك ان جنبلاط يوافق على نزح سلاح المقاومة بالحوار؟ القناعة الجنبلاطية تقول الحوار ربطاً بوجود قوى أخرى في البلد تملك هواجسها إزاء طائفة مسلحة. يجب أن نعطي ضمانات للآخرين بأن هذا السلاح لا حيثية داخلية له. هذا الامر يعالج بالحوار وإلا ماذا يعني قول جنبلاط في بنت جبيل <<لبنان لا يقوم إلا بالحوار بعيداً عن القرارات الدولية المشبوهة وبتعزيز قدراته لمواجهة أي اعتداء>>. جوهر المعادلة الجنبلاطية ويقول مقربون من جنبلاط، انه على توافق تام بشأنها مع سعد الحريري ان أي حوار يجب أن يضع سقفاً له مرتبطاً أولا بمصلحة لبنان الوطنية العليا ثم الموقع الاقليمي للبنان ثانياً، فإذا اتفق اللبنانيون انه بغياب التسوية من الخطأ أن يفرط لبنان بأوراق قوته وبغياب التسوية الاقليمية، لا يمكن للبنان أن يغامر بأي تسوية منفردة، فإن ذلك يعني في جوهره التوافق على فكرة حماية المقاومة ولا بأس من البحث عن أساليب تخدم هذا الهدف، لكن ليس على طريقة جمع السلاح في المستودعات أو توكيل الجيش اللبناني بمهمة المقاومة!

أراد جنبلاط لمشاركته في مهرجان التحرير الخامس في بنت جبيل، مشهداً ومضموناً وتقاطعاً آنياً وبداية بلورة لرؤية مستقبلية مشتركة. احتار كثيرون في ما يريده حسن نصر الله من وراء الدعوة. قال بعضهم ان <<السيد>> في مأزق ولعله أراد مخاطبة جنبلاط مباشرة وكذلك سعد الحريري عندما استشهد بكلام رفيق الحريري حول إيمانه بالمقاومة ورفضه تنفيذ البند الثاني من القرار 1559 وانه يقسم بولده الراحل حسام انه لن يقاتل المقاومة ولو كلفه الأمر الاستقالة ومغادرة البلد، إنما كان يذكّر سعد الحريري بواقعة يعرفها جيداً لأنه كان حاضراً في تلك الجلسة التاريخية مع والده الشهيد.

لعل المصيبة التي يطرحها خطاب نصر الله أن نقاشاً لبنانياً مفترضاً لم يحصل إزاء مضامينه السياسية. وربما المصيبة الاكبر، حقيقة معرفة أن السفارات الاجنبية في بيروت اهتمت كثيراً بخطاب نصر الله الى حد طلب النص الحرفي من مصادر الحزب الرسمية، أي الاعلام المركزي.

لقد تعمد <<حزب الله>> تعويم جنبلاط شيعياً بعد فترة التباسات طويلة. هناك شراكة تتكون تدريجياً وتجتاز الكثير من الحساسيات وتوطد جسور الثقة في مواجهة أيام صعبة سيواجهها لبنان.

في طريق العودة الى المختارة، حالت الحشود دون العودة من الطريق التقليدية نفسها. اختار عيناتا باتجاه تبنين وصور ومن ثم قعقعية الجسر النبطية صعوداً الى جزين فالمختارة. رحلة دامت حوالى الساعتين تقريباً مر خلالها وليد جنبلاط بصور انتصار تاريخي سها عن بال كثيرين الاحتفال به، حتى ان من يمثلونه في اللقاء البريستولي الوداعي الاخير مرروا عبارة تقول ان لبنان عرف انتصارين في تاريخه الحديث: استقلال العام 43 واستقلال 26 نيسان 2005. وغاب عن بالهم ان فئة كبيرة من اللبنانيين قدمت تضحيات أعطت للبنان والعرب عنواناً تاريخياً هو الخامس والعشرين من أيار ألفين.

ــــــــــــــــــــ

ومن باب الشكر لسماحة السيد نصرالله كما عبر في مقاله كتب عوني الكعكي في صحيفة "الشرق" اللبنانية تحت عنوان:

شارون وكلامه المهين ... هل من يسمع؟

... لا بد من وضع الكلام الذي أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في الولايات المتحدة الأميركية برسم كل العرب، واستدراكاً برسم المجتمع الدولي، فقد قال كلاماً مهيناً للغاية «كل الاتفاقات التي وُقعت مع العرب لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه».. هكذا وبكل بساطة يضع شارون التسويات التي وقّعت مع مصر والأردن وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في خانة الشبهة، وعدم الصدقية.

في مقابل ذلك، لم يُكلف أحد نفسه مشقة الرد عليه، وتحديداً الدول التي وقعت اتفاقات، من «كامب ديفيد»، مروراً بـ«أوسلو» ووصولاً إلى «وادي عربة»، وغير تلك التي اقامت اتصالات خلف الكواليس.

... ولعل الدول الموقعة على تسويات لم تدرك ان عليها ـ في الحد الأدنى ـ الاستنكار الشديد، أقله لحفظ ماء الوجه، ولعلها أيضاً توقن بأن «السلام» الذي تتحدث عنه لم يكن إلا هباء منثورا، وها هو رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون يُعلن ـ ومن أميركا التي تعتبر نفسها راعية لعملية السلام ـ ان كل الذي تم توقيعه لا يساوي شيئاً.

... يحدوني ذلك الى توجيه الشكر الى السيد حسن نصر الله الذي استنكر بشدة كلام شارون، مؤكداً ان الاسرائيليين غير مهيئين للقبول بالتسويات، حتى ولو كانت في مصلحتهم مائة في المائة.

... قد يكون نصر الله الأقدر على الرد، لأنه قائد المقاومة التي حررت الجنوب اللبناني بالقوة، وأجبرت اسرائيل على الانسحاب من دون أي شروط أو أي مفاوضات، هذه المقاومة التي اكدت ـ بما حققته ـ ان "اسرائيل" لا تفهم إلا لغة القوة.

... نقول ذلك، ونحن لسنا من دعاة الحرب، ولكننا في الوقت عينه مقتنعون تماماً بأن خيار المقاومة هو السبيل الوحيد لتحرير اراضينا العربية، ومن سمع رئيس الحكومة الاسرائيلية أرييل شارون لتأكد ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ ان الصفقات والتسويات مضيعة للوقت، وان الاسرائيليين لم يصلوا الى المرحلة التي يستوعبون فيها فكرة السلام، وهم غير قادرين اساساً على التعايش مع الآخرين، وسياستهم قائمة على الاستلاب، ونهب حقوق الآخرين.

... قطعاً، نحن على قناعة تامة بأن الأميركيين لن يكترثوا لكلام عدائي ضد العرب، وهم الذين وعدوا موقعي التسويات بالمن والسلوى، بل على العكس تماماً، فان الادارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن، مؤيدة لإسرائيل، أو كما يقال «تبصم لشارون على بياض».

... على كل حال، فالأمر ليس مفاجئاً على الاطلاق، والكلام الذي أطلقه شارون ليس جديداً، والاهانة التي وجهها إلى العرب الموقعين على تسويات، سبقتها اهانات وتطاول يفوق ما اطلقه من كلام.

... المشكلة الأساسية تكمن في أن لا أحد من عرب التسوية رد ولو بمواقف لفظية، ولكن لا بأس، ما دام هؤلاء الذين وقعوا الاتفاقات، وتبادلوا السفراء مع اسرائيل غير مكترثين، ولا نقول ذلك للتهجم على أحد، فمصر في قلوبنا وذاكرتنا، وهي كبرى الشقيقات العربيات، وشعبها الأبي الرافض للتطبيع بأشكاله كافة لا يزال متمسكاً بقضية أمته.

2006-10-30