ارشيف من : 2005-2008
المجلس الدستوري عنوان للسجال:قوى 14 شباط تحاول تكريس التعطيل
بات ملف المجلس الدستوري بجميع تشعباته السياسية والقانونية والدستورية من أبرز العناوين المطروحة على الساحة المحلية حالياً، وهو مرشح ليبقى كذلك خلال الأسابيع والأشهر المقبلة نظراً للسجال الحاد والمتصاعد بشأنه بين القوى السياسية المختلفة حوله، وخصوصاً بين التيار الوطني الحر الذي قدم طعناً بالقانون الجديد للمجلس ويريد أن يقوم المجلس الحالي بواجباته الدستورية، وفريق الرابع عشر من شباط الذي أطاح بالمجلس الحالي ويريد إنشاء مجلس جديد على قياس حساباته السياسية ومصالحه الضيقة.
الكباش الكبير الحاصل على خط المجلس الدستوري يسير على خطين متداخلين: الأول يدفع باتجاهه فريق الرابع عشر من شباط لجهة السير في الآلية الموصلة إلى ولادة مجلس دستوري جديد يستند إلى القانون الذي مررته الأكثرية في الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب، والذي امتنع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود عن توقيعه لمخالفته الدستور، حيث نشر بعد شهر على هذا الامتناع وبدأت الإجراءات العملية لإنفاذه بتقدم أكثر من سبعين قاضياً لعضوية المجلس الذي يتألف من عشرة أعضاء.
وبعد انتهاء مهلة تقديم الترشيحات الثلاثاء الماضي يفترض ـ اذا سارت الأمور كما تشتهي الأكثرية ـ أن يُعيَّن أعضاء المجلس العشرة خلال مهلة شهرين تنتهي في السادس والعشرين من آب/ أوغسطس المقبل، على أن يعين مجلس الوزراء خمسة وينتخب مجلس النواب الخمسة الآخرين. إلا أنه دون ذلك تعقيدات وعقبات كثيرة، منها فتح دورة استثنائية، لأن المجلس النيابي الآن خارج العقد العادي منذ آخر أيار/ مايو حتى أول ثلاثاء من تشرين الأول المقبل.
والخطوة التالية الآن بعد تقديم الترشيحات هي بحسب ما ينص القانون الجديد، أن يُدعى المرشحون إلى جلسة مقابلة مع لجنة نيابية مؤلفة من هيئة مكتب مجلس النواب وسبعة أعضاء من لجنة الإدارة والعدل، حيث يجري في هذه المقابلة استيضاح المرشح حول سيرته الذاتية والمهنية وآرائه، على أن ترفع اللجنة محاضر المقابلات التي تجريها إلى المرجعين اللذين يحق لهما تعيين الأعضاء وهما مجلس الوزراء ومجلس النواب.
وفي هذا السياق تطرح أوساط متابعة العديد من التساؤلات حول الاستعدادات الحاصلة لولادة المجلس الدستوري الجديد، وهل سيكون من السهل تشكيل اللجنة التي ستنظر بأوضاع المرشحين دون عقبات؟ وهل ستفتح دورة استثنائية قريباً للمجلس النيابي لتمرير انتخاب الأعضاء الخمسة الذين هم حصته؟ وهل يمكن أن يجري ذلك وفق المنطق الأكثري لفريق الرابع عشر من شباط، سواء في مجلس الوزراء أو مجلس النواب؟ وهل يستطيع هذا الفريق أن يمرر ملف المجلس الدستوري وفق هذا التوجه في هذه المرحلة التي يبدو فيها في وضع ضعيف على أكثر من صعيد سياسي، بعد فشل مشاريعه في إحكام سيطرته على جميع مفاصل السلطة؟ وحتى لو جرى التعيين والانتخاب هل سيستقبل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود أعضاء المجلس الدستوري الجديد ليؤدوا قسم اليمين أمامه، وهو الذي رفض قانون المجلس الدستوري مرتين لمخالفته الدستور؟
تساؤلات عديدة تطرحها مصادر متابعة لتشير الى أن هذا الملف لن يكون من السهل بته في الفترة القريبة المقبلة، وتحول دونه صعوبات كثيرة. فتشكيل اللجنة النيابية يحتاج الى مشاورات معمقة، وهي ستأخذ كثيراً من التجاذبات قبل التئامها. ومرسوم فتح الدورة الاستثنائية لم يتوافق بشأنه رئيسا الحكومة والجمهورية. وأما الخيار الآخر الدستوري الذي يمكن اعتماده لفتح الدورة الاستثنائية، فهو تقديم عريضة من الأكثرية المطلقة في مجلس النواب ـ أي خمسة وستين نائباً ـ الى رئيس الجمهورية، حينها يصبح رئيس الجمهورية ملزماً بفتح الدورة.. إلا أن هذا الخيار دونه محاذير وإحراج للأكثرية النيابية، لأن مجرد إعداد هذه العريضة وتوجيهها الى الرئيس لحود يعني اعترافاً رسمياً به وبدستورية موقعه. وعليه تتجه الأمور الى فترة زمنية طويلة في هذا الملف بما يشبه ما جرى في مجلس القضاء الأعلى الذي استمر التجاذب حوله قرابة ثمانية أشهر.
ثانياً: أما على الخط الآخر، فإن هناك قوى سياسية أساسية ترى ضرورة أن يقوم المجلس الدستوري الحالي بدوره وواجبه القانوني بدل أن يبقى في حال اعتكاف منذ شهور طويلة، نتيجة التدخلات السياسية للحؤول دون ذلك. وهذا التوجه يقوده التيار الوطني الحر ودعمه في ذلك حزب الله. وقد كانت الخطوة العملية الأولى على هذا الصعيد في اللقاء الذي عقده تكتل التغيير والإصلاح برئاسة العماد ميشال عون مع عدد من قضاة المجلس في مقره الخميس الماضي بحضور عدد من نواب كتلة الوفاء للمقاومة، لمعرفة الأسباب الحقيقية لاعتكاف المجلس وعدم قيامه بصلاحياته وواجباته الدستورية. وكانت النتيجة دخول القضاة في عملية مذاكرة لاتخاذ الموقف المناسب مع ما يمثل أمامهم من وقائع، منها انتهاء مدة عدد من الأعضاء، وهو ما توجد له حلول ضمن نص القانون الذي ينظم عمل المجلس الحالي، التي مؤداها بقاء صلاحيات العمل للأعضاء ريثما يُعيَّن البدلاء.
ويريد التيار الوطني الحر أن يقوم المجلس بدوره في بت الطعون التي تقدم بها ضد عدد من نواب الأكثرية في الانتخابات النيابية التي جرت العام الماضي، والطعن الذي تقدم به بقانون المجلس الدستوري الجديد.
وتؤكد أوساط التيار أنه سيواصل خطواته على هذا الصعيد ولو وصلت الى حد رفع دعاوى قضائية على أي عضو في المجلس الدستوري يتخلف عن القيام بواجباته، بحيث يكون قد حنث بقسم اليمين الذي أداه على هذا الأساس. وفي سياق متابعة هذا الملف، جاء اللقاء الذي جرى بين وفد من كتلة التغير والإصلاح ورئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة الثلاثاء الماضي.
في كل الأحوال السجال حول الملف الدستوري مرشح للاستمرار فترة طويلة من دون ان تحل العقبات التي تحول دون قيامه بواجباته الدستورية. وسواء بقي عمل المجلس الدستوري الحالي معطلاً أو أن المجلس الجديد لم يسلك طريقه نحو الولادة في الفترة المقبلة، فإن فريق الرابع عشر من شباط مستفيد في كلا الحالين، لأن هدفه هو تعطيل بحث الطعون النيابية المقدمة من تكتل التغيير والإصلاح بعدد من مقاعد النواب المنتمين الى فريق الأكثرية، والطعن بالمجلس الدستوري الجديد، اضافة الى عدم البحث في الطعن المقدم حول قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية.
هلال السلمان
الانتقاد/مقالات ـ العدد1168 ـ 30 حزيران/يونيو2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018