ارشيف من : 2005-2008

منطقة بعلبك ـ الهرمل تفتقد لبنان الأخضر!

منطقة بعلبك ـ الهرمل تفتقد لبنان الأخضر!

الحرمان والفوضى بيئة خصبة للتصحر‏

"لبنان الأخضر" لم يعد كذلك، أو إنه في الطريق ليفقد هذه الصفة.. فالاخضرار الذي يتوج المناطق الساحلية أو الجبلية نتيجة المتساقطات المطرية وانتظامها، يكاد ينعدم في منطقة بعلبك ـ الهرمل، لا سيما في الهرمل ومحيطها التي تعتبر الأكثر عرضة لمخاطر التصحر، نتيجة العوامل المناخية المعروفة وتناقص المعدل الوسطي لتساقط الأمطار سنوياً.‏

وبرغم بعض الجهود المبذولة، إلا أن المطلوب المزيد من العمل والخطط الرسمية الشاملة لمكافحة هذه الظاهرة التي بات شبحها يهيمن على تلك المنطقة.‏

ثمة عدد من الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى التصحر، يتقدمها النقص المطرد في معدّلات هطول الأمطار سنوياً، إذ لم تتعدَّ في السنوات الأخيرة عتبة (350 ملم) حدا وسطيا في منطقة بعلبك ـ الهرمل، بينما المعدل السنوي العام هو (450 ملم)، وقد لا يتجاوز في مناطق قضاء الهرمل (150 ملم) سنوياً. ويضاف إلى ذلك ازدياد الطلب على المياه نتيجة ارتفاع معدلات النمو السكاني وما يستتبعه من توسع في استخدامات المياه المتعددة.‏

ويشير خبراء متخصصون في مكافحة التصحر إلى أن الإهمال الرسمي والفوضى شكلا بيئة خصبة دفع بالمنطقة إلى أحضان التصحر. فطلب المياه هدف كل مزارع ومطلب كل مواطن، خصوصاً في تلك المنطقة التي تعاني فقدان مياه الشفة منذ سنوات طويلة نتيجة الإهمال الرسمي وتخلي الحكومات المتعاقبة عن مسؤولياتها، فبادر هؤلاء (المواطنون والمزارعون) إلى حفر الآبار الارتوازية بشكل غير مدروس، فأصبح كل بيت في البقاع يمتلك بئراً، وبعض هذه الآبار قريبة من حرم الأنهار ويصل عمقها إلى مئات الأمتار، ما تسبب بنضوب بعض الينابيع وتحول مجاري الأنهار إلى مجاري موسمية في فصل الشتاء بعد أن كانت تتدفق طيلة أيام السنة! هذا فضلاً عن عوامل التبخر نتيجة الجفاف واستنزاف خزانات المياه الجوفية.‏

رئيس نقابة الفلاحين والمزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي لفت إلى خطورة هذا الموضوع وقال: "بدأنا نسمع بالتصحر في السنوات العشر الأخيرة، لم نكن نسمع هذه الكلمة من قبل، لأن لبنان منذ وجوده كان لبنان الأخضر.. لكن في السنوات الأخيرة تدنى معدّل تساقط الأمطار. مثلاً معدل تساقط الأمطار في تل عمارة يبلغ (600 ملم)، وخلال السنوات العشرين الأخيرة لم نصل إلى هذا المعدل إلا في ثلاث سنوات فقط، بينما كان في كل السنوات الأخرى تحت هذا المعدل، وهذه السنة وصل معدل الأمطار في حده الأقصى إلى (450 ملم). نسبة تساقط الأمطار تتناقص إذاً عاماً بعد عام، وكلما اتجهنا شمالاً نحو بعلبك أو الهرمل يزداد النقص أكثر فأكثر.. وحتى منطقة البقاع الغربي التي تزيد فيها كمية المتساقطات عن هذا المعدل، نجدها هي الأخرى تشهد تناقصاً أيضاً، ومن هذا المنطلق نتحدث عن ظاهرة التصحر وقلّة المياه".‏

ويندفع الترشيشي في حديثه عن التصحر ليشير إلى تنبه الدول المحيطة بنا واتخاذها الإجراءات المناسبة، من دون أن تلحظ في كلامه شيئاً عن إجراءات مماثلة في لبنان.. وقال: "لقد تنبهت الدول المجاورة الى هذه المشكلة، فقامت بإنشاء السدود والمجمعات المائية. تركيا قامت بإنشاء سد أتاتورك الذي يغنيها بالمياه للسنوات الثلاثين القادمة. في سوريا هناك حوالى ثلاثمئة سدّ مائي، وليس بالضرورة أن يكون سدّاً كبيراً، فبعض السدود الترابية تفي بالغرض. في لبنان لدينا مئات الأماكن لتجميع المياه، ونرى المياه حتى أواسط نيسان تذهب هدراً إلى البحر من دون إفادة! الأنهار الكبيرة أصبحت مكبّات للنفايات ومجاري صحية!".‏

ورأى الترشيشي أن سياسة إنشاء السدود والتجمعات المائية من شأنها أن تخفف من ظاهرة التصحر، لافتاً الانتباه إلى نفق اليمونة الذي أنشأه الفرنسيون أيام الانتداب وما زال حتى اليوم يفيد عشرات القرى بمياه الشفة وآلاف الدونمات في الريّ.‏

وتابع: "إن مشكلة التصحر والجفاف يتحمل مسؤولية جزء كبير منها المسؤولون الذين لا يتصرفون بمنطق الدولة، إضافة إلى أن البدائل التي يستخدمها المزارعون يمنعها القانون، ولكن من ينفذ القانون ويراقب إعطاء التراخيص لحفر الآبار؟".‏

وأكد ترشيشي أن عشوائية حفر الآبار الارتوازية تركت تأثيراً سلبياً على الينابيع والخزانات الجوفية التي تزود الينابيع والأنهار، مطالباً الدولة بتحمل مسؤولياتها في هذا المجال من خلال تصحيح سياسة إعطاء التراخيص والضريبة على المياه المسحوبة.‏

ودعا إلى خطة إصلاحية حقيقية لمكافحة التصحر ومواجهته بالطرق العلمية الحقيقية، والمبادرة إلى إنشاء السدود والمجمعات المائية والبدء بحملة تشجير كبيرة والحفاظ على الثروة المائية التي هي كنز لبنان.‏

المقداد‏

يقر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي المقداد باقتراب منطقة بعلبك ـ الهرمل من واقع التصحر الطبيعي والإنمائي، معدداً رزمة من الأسباب الطبيعية سبق أن ذكرت أعلاه، مع إضافة أسباب أخرى تتعلق بالنقص في الوعي البيئي وقال: "من المهم معرفة أنه لبلوغ توازن بيئي ضمن نظام متكامل لاستعمال الأراضي، يجب أن تغطي الغابات حوالى 20% من المساحة الإجمالية، بينما في منطقة البقاع الشمالي لا تتعدى هذه النسبة 1%، وفي لبنان عموماً لا تتعدى 6%".‏

ولفت إلى حلول خجولة لمكافحة التصحر، مشيراً إلى "إطلاق مشروع التحريج الوطني في وزارة البيئة بالتعاون مع البلديات خلال العام 2003، حيث جرى تحريج 305 هكتارات بأصناف حرجية محلية موزّعة بشكل متوازٍ على 23 موقعاً في المحافظات الخمس".‏

وقال: "إن أعمال العناية بالشجرات مؤمّنة مدة سنتين بطريقة تتناسب مع خاصية كل موقع بالتعاون مع البلديات المعنية. وفي المرحلة الأولى، أي سنة 2003، كانت حصة منطقة البقاع 80 هكتاراً توزّعت على: (لالا، بعلول، خربة قنفار، قاع الريم، رأس بعلبك، شعت، الهرمل، راشيا وجديتا)، وقد قامت وزارة البيئة بتلزيم المرحلة الثانية لمشروع التحريج الوطني لسنة 2004، فكانت حصة منطقة البقاع 104 هكتارات توزّعت على: (بوداي، شمسطار، القاع، الفاكهة، الجديدة، بعلبك، راشيا الوادي، الهرمل، سحمر وتجمع بلديات السهل)".‏

وأضاف النائب المقداد: "هذه المشاريع هي مشاريع خجولة جداً نسبة الى حجم المشكلة التي تعاني منها المنطقة، ولا بد من إيجاد خطط للمرحلة المقبلة بمشاركة المجتمع الأهلي والبلديات لوضع حدّ لمشكلة التصحّر التي تزداد يوماً بعد يوم. وهنا أطالب وزارة البيئة ووزارة الزراعة بالمبادرة إلى تنفيذ الخطط المرسومة، ووضع خطط لإعادة الغطاء الأخضر إلى المنطقة وتنفيذ السدود حتى البسيطة منها لحفظ المياه التي تذهب هدراً، فيما العالم يتهافت على البحث عن مصادر مياه".‏

تحقيق وتصوير:عصام البستاني‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30