ارشيف من : 2005-2008

حقوق المساهمين والمودعين تترنح بين حكومة وأخرى..."المتعاونون": من يعينهم؟

حقوق المساهمين والمودعين تترنح بين حكومة وأخرى..."المتعاونون": من يعينهم؟

انعقاد الجمعية العمومية للتعاونيات في لبنان يوم الأحد الماضي وما خلفه من إشكالات منعت إتمام انتخاب مجلس إدارة جديد لها، أعاد ملف التعاونيات إلى الواجهة مجدداً، خصوصاً لجهة المستحقات العائدة للمساهمين والمودعين، فضلا عن مستحقات التجار والمصارف والمقدرة بـ110 ملايين دولار، وهي مستحقات بدأ الحديث عنها مع نشوء الأزمة قبل ست سنوات.‏

وبرغم هذه المدة الطويلة، إلا أن الأزمة بقيت تراوح مكانها، مع العلم بأن مجلس الوزراء عام 2004 أصدر قرارا قضى بصرف سلفة 50 مليون دولار!‏

أزمة التعاونيات كما هو معلوم بدأت مطلع شهر حزيران/ يونيو من العام 1999 وأخذت أشكالا متعددة من التجاذبات السياسية بين أصحاب الحق، أي المساهمين والمودعين، ومن تولى فيما بعد إدارة التعاونيات من قبل "الشركة المتحدة للأسواق المركزية"، وهي شركة سعودية يتولى إدارتها اللبناني وليد شحادة. وكان جرى يومها تشكيل لجنة موقتة برئاسة سعيد كلش مهمتها عقد جمعية عمومية لانتخاب مجلس إدارة جديد وحل المشاكل العالقة.‏

يبلغ عدد المساهمين والمودعين في قطاع التعاونيات بين 18 إلى 20 ألف مساهم، وهؤلاء يعتبرون أصحاب الحقوق الذين لم ينصفوا حتى الآن نتيجة انهيار هذا القطاع وسجن مديره العام آنذاك منير فرغل ثلاث سنوات بتهمة اختلاس أموال.‏

ومع سجن الأخير بدأ فصل جديد من المراوغة وشد الحبال بين أصحاب الحقوق من جهة والمولجين بحماية هذا القطاع من جهة أخرى، ومن خلفهم طبعاً الدولة التي وضعت يدها على هذا المرفق المهم.‏

وأسفرت حركة الاعتصامات واحتجاجات المساهمين عن صدور قرارين عن مجلس الوزراء في نهاية العام 2004 حملا الرقمين 25 و27، وكانا نتيجة وعد قطعه رئيس الحكومة رفيق الحريري للمعتصمين الذين اعتصموا في حينه أمام مقر مجلس الوزراء. وقد شُكلت لجنة وزارية برئاسة الوزير عصام فارس توصلت إلى صيغة اتفاق متكامل حول شكل الحل المطروح، وهو رصد مبلغ 45 مليون دولار لتغطية تكاليف السلفة، ويوزع على الشكل الآتي: الدفع للمساهمين والمودعين ما قيمته 70% من قيمة أموالهم نقداً، على أن يدفع الجزء المتبقي أي 30% أسهماً، بحيث تكون حصة المساهمين 26 مليون دولار، ويعطى للتجار ما نسبته 30% من قيمة أموالهم. غير أن مجلس الوزراء رصد حينها مبلغ 50 مليون دولار كسلفة إفساحاً في المجال لتسوية أفضل، وذلك في 18/8/2004. كما صدر قرار مماثل بهذا الصدد في 27/12/2004، غير أن ما أُقر ظل حبراً على الورق.‏

وبعد مماطلة وتسويف تقدم وزير الزراعة آنذاك علي حسن خليل بمشروع قانون يقضي بتأمين سلفة 50 مليون دولار وكيفية تسديدها وصرفها، غير أنه لم يطرح على جدول أعمال مجلس الوزراء. ثم جاء بعده الوزير طلال أرسلان وعمل على إعداد مشروع قانون جديد، إلا أنه كسلفه لم يطرح أيضاً على المجلس. وبعد ذلك جاء الوزير طراد حمادة ليضع مشروعاً آخر، لكن من دون أي جدوى.. إلى أن جاء وزير الزراعة الحالي طلال الساحلي ووضع هو الآخر مشروعاً في العام 2005، لكنه لم يبصر النور أيضاً.‏

وأمام هذه المعضلة تفاجأ المساهمون بلجوء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى تأليف لجنة استشارية مهمتها محاورة أصحاب الحقوق مجدداً بهدف الوصول إلى صيغة لتنفيذ القرارين 25 و27، إلا أنها هي الأخرى بقيت مداولاتها دون المستوى المطلوب.‏

ويقول مندوب المساهمين محمد قاسم لـ"الانتقاد": بعد صدور أربعة مشاريع قوانين من قبل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الزراعة، "يبدو أن هناك "قطبة" مخفية يحاول تمريرها بعض أوساط رئيس الحكومة، وهي تسليم قطاع التعاونيات إلى "الشركة المتحدة" المشغلة حالياً لهذا القطاع بأرخص الأسعار، وبالتالي ليس لدى الحكومة أي استعداد لتنفيذ توصية الرئيس رفيق الحريري بإعطاء المساهمين حقوقهم كاملة.‏

ويعتقد قاسم أن السنيورة يماطل في دفع المستحقات ريثما يحظى بمموّل لتغطية قيمة هذه السلفة، وهو يشير إلى أنه في المرحلة الأخيرة قُدمت عروض عدة للرئيس السنيورة، آخرها عرض مقدم من شركة مختلطة لبنانية ـ سعودية، وأخرى كويتية أخذت على عاتقها تغطية هذه السلفة.. هذا عدا عن أن موجودات التعاونيات العقارية وسواها التي تقدر قيمتها بـ100 مليون دولار، بإلامكان رهنها لضمان تسديد هذه السلفة، ومع ذلك لم نصل إلى حقوقنا بعد!‏

وتمظهرت الأزمة الكامنة بكل تجلياتها خلال الجمعية العمومية الأحد الماضي، حيث شهدت إشكالاً بين قاسم والحرس الخاص لرئيس اللجنة الموقتة للتعاونيات محمد زعرور، ما أدى إلى تأجيل أعمال الجمعية العمومية حتى إشعار آخر.‏

ولفت قاسم إلى أن ما جرى يوم الأحد كان سابقة وقال: "في تاريخ الحركة الديمقراطية والنقابية لم نكن لنلحظ وجود حرس خاص بلباس عسكري كالذي حصل بالأمس داخل قاعة الانتخاب. نحن كنا محاطين بمجموعة أشخاص غير معروفي الانتماء، أشكالهم كانت مخيفة، حيث عمدوا إلى مهاجمتي ومهاجمة المساهمين، ظناً منهم أنهم بأسلوبهم الإرهابي يمكنهم أن يؤثروا في معنويات المساهمين، لا سيما كبار السن والنساء".‏

واتهم قاسم رئيس اللجنة الموقتة محمد زعرور والمدير العام للتعاونيات سعيد كلش بالتزوير وقال: العملية الانتخابية جرت برغم عدم توافر لوائح الشطب، ورفض تسليم المساهمين نسخة عنها لتمكينهم من إدارة هذه العملية. وثانياً: شطب سبعة أسماء من أبرز مرشحي المساهمين من لائحة الترشيح ومنعهم من خوض الانتخابات، علماً بأنهم تقدموا بطلباتهم وفق الأصول القانونية. ثالثاً: اشتراك موظفي "الشركة المتحدة" ترشيحاً وانتخاباً خلافاً للقانون ولكتاب المدير العام للتعاونيات في وزارة الزراعة جوزف طربيه الذي منع بموجبه ترشح أي موظف نظراً للتضارب المصالح. هذا فضلاً عن أن رئيس اللجنة الموقتة زعرور انتهت ولايته وطعن بها أمام قاضي الأمور المستعجلة، وهو ترأس لائحة أضيفت إليها أسماء عدد من المرشحين من خارج الدوام وبعد انتهاء مهلة تقديم الترشيحات!".‏

وتابع: "أثناء انعقاد الجمعية العمومية أوعز رئيس "اللجنة" زعرور لأحد حراسه بأن يهجم على المنصة ويعمل على تحطيمها لكي يجد مبرراً لإنهاء الجلسة، وهذا ما حصل بعدما شعروا بأن المساهمين سيفوزون بالانتخابات، وبعد أن كنا قدّمنا خطاباً مدروساً وهادئاً مبيّنا التجاوزات والمغالطات، وطلبنا من مندوب وزارة الزراعة أن يدوّن هذه المغلطات والتجاوزات".‏

وفي ما يشبه الرد على ما قاله رئيس نقابة العمال في التعاونيات غالب دغيم، من أن حل الملف لن يكون بالجمعية العمومية أو بإجراءات شكلية، بل عبر توافق سياسي بين رئيس الحكومة ووزير الزراعة قال قاسم: "يؤسفنا هذا الكلام، فلو كان هناك فعلاً هذا الحرص على قرار الحكومة وعدم تسييسه لما كان يفترض عليهم أن يخوضوا المعركة ضد المساهمين، بل كان من المفترض أن ينسقوا معنا.. مع العلم بأنه جرى التنسيق فيما بيننا، غير أننا فوجئنا قبل 24 ساعة بأن هناك ضغوطا مورست على الجميع من قبل الفريق الآخر ليشكلوا لائحة ضد المساهمين ويقوموا بهذه التجاوزات دفعة واحدة". ويضيف قاسم: "إذا كانوا بالفعل يريدون تنفيذ قرار الحكومة فلماذا دعوا أصلاً إلى الجمعية العمومية؟ لماذا الانتخابات وكل هذه البلبلة"؟‏

ولفت قاسم إلى أن "الفريق الآخر" يريد وضع اليد على التعاونيات لمصلحة "الشركة المتحدة" التي صرفت حتى الآن نحو ألف موظف على مرأى ومسمع وموافقة بعض القيادات السياسية، وأقفلت نحو 23 فرعا مع صرف موظفيها بالكامل.. وهناك توجه نحو إقفال 12 فرعاً من أصل 26 المتبقية حتى الآن لمصلحة تفريخ فروع لـ"المخازن الكبرى" المالكة للشركة المتحدة التي تأسست برأسمال خمسة ملايين ليرة! وبالتالي كيف يمكن لنا بعد اليوم أن نثق بهؤلاء ليشرفوا على الانتخابات، وعلى صرف سلفة 50 مليون دولار"؟!‏

ويكشف مصدر متابع رفض الإفصاح عن اسمه، أن الرئيس السنيورة اشترط أن يكون أعضاء لجنة المستشارين (المذكورة أعلاه) التي شُكلت من اقتصاديين وماليين بهدف حل ملف التعاونيات ضمن مجلس الإدارة الجديد عن طريق تمليكهم أسهما في التعاونيات بعد تنازل أحد المساهمين عن أسهمه لهم، غير أن هذه الترشيحات رُفضت من قبل مدير عام التعاونيات لعدم قانونيتها. إلا أن المفاجأة الثانية تمثلت بوجود أسماء المستشارين على لائحة المرشحين يوم الأحد الماضي!‏

حسين عواد‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو2006‏

2006-10-30