ارشيف من : 2005-2008
دينامية سياسية متجددة للمعارضة تنتج جبهات ولقاءات متعددة:إعادة تموضع لاستعادة الشارع المأخوذ على حين غرة
شهدت الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة دينامية لافتة لقوى المعارضة وإعادة تموضع جديدة لهذه القوى بعد تراجع قسري منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
هذه الدينامية تشير إلى إعادة خلط الأوراق على الساحة الداخلية في المرحلة المقبلة، وهي بدأت من الشمال منذ مدة وتوّجت مع الاحتفال الكبير في طرابلس بذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي، ومن ثم إعلان ولادة "اللقاء الوطني اللبناني" الذي يضم الرئيس عمر كرامي والوزيرين سليمان طوني فرنجية وطلال أرسلان، إضافة إلى قوى سياسية أخرى، ثم إطلاق تيار المردة رسمياً في ذكرى اغتيال الشهيد طوني فرنجية. أما العاصمة، فشهدت بدورها انطلاق لقاءات وفعاليات سياسية، الأول باسم "لقاء بيروت الوطني" والثاني "اللقاء الوحدوي الإسلامي"، والثالث متوقع أن يبصر النور في المرحلة المقبلة تحت عنوان "التحالف الوطني"، ويضم الأحزاب الناصرية والقومية والوطنية والإسلامية. هذا فضلاً عن إعلان الوزير السابق وئام وهاب ولادة "تيار التوحيد اللبناني"، إضافة إلى قوى سياسية فاعلة متعاونة فيما بينها منها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر.
الواضح أن من يراقب المشهد السياسي الداخلي في الآونة الأخيرة يرى أن ثمة دينامية آخذة في التبلور يوماً بعد يوم، ويأخذ هذا الاصطفاف أهميته بعد شعور هذه القوى بأن هناك من يريد اخذ البلد وتحت مسميات الحرية والسيادة والاستقلال إلى المجهول، لا بل نقله من ضفة إلى أخرى، أي خارج منظومة الصراع العربي الإسرائيلي، ثم السير به في ركب الفتنة الطائفية كمقدمة لزعزعة النسيج الداخلي اللبناني، واستسهال وضع اليد عليه من قبل الوصي الجديد الذي يتخذ من رموز 14 شباط "منصة" لتحقيق رغباته وتطلعاته التي لم تعد خافية على احد.
وتعتقد مصادر سياسية مطلعة أن الحيوية التي تشهدها الساحة السياسية المعارضة ليست عائدة إلى استعادة هذه الأطراف لدينامية النشاط السياسي فحسب، بل إلى الحيوية التي استعادت الشارع الذي أُخذ على حين غرة خلال السنة الماضية بمناخات من التعبئة المشوهة والقائمة على الاستخدام المفرط للمال والإعلام وشحذ الغرائز، وفجأة اكتشف الناس أن القضية ليست معرفة حقيقة من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا حماية وسيادة واستقلال لبنان، ولا تصحيح العلاقة اللبنانية ـ السورية، إنما نقل لبنان من موقع إلى آخر في الصراع العربي الإسرائيلي"، وكان من المستحيل على هذه الشرائح اللبنانية الواسعة أن تساير القيادات التي تحمل هذا المشروع إلى ما لا نهاية!".
وإذا كان البعض يقف عند دلالات "عدد" المهرجانات واللقاءات التي عقدت في الآونة الأخيرة للاستدلال على أهمية المنحى السياسي الجديد التي تشهده البلاد، فإن المصدر المذكور يلفت إلى حجم الحشود الشعبية التي شهدناها في كل من طرابلس وزغرتا والتي "تذكّرنا على سبيل المقارنة التاريخية بصلاة عيد الفطر التي أمها المفتي حسن خالد في الملعب البلدي في صيف 83 وكانت نقطة تحول بارزة في إعلان نهاية نظام الرئيس أمين الجميل آنذاك بعدما انكشف مشروعه الحقيقي (اتفاق 17 أيار)".
ويرى المصدر نفسه "أننا أمام تحول سياسي نوعي شهدته الساحة المسيحية أولاً من خلال التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر كونه وضع سقوفاً لبنانية وطنية تأخذ بعين الاعتبار موقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي، ووفق وظيفة وطنية محددة، و"اليوم الساحة الإسلامية في نقاط ضعفها تستعيد الحيوية لتصحيح الخلل الذي أصاب البلاد خلال السنة الماضية عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
أما لناحية دلالات التحرك شمالاً، فيقول المصدر إن لتحرك الفريقين السياسيين (كرامي وفرنجية) دلالات "رمزية" لكون الشمال كان محطة مفصلية في تحديد هوية النظام السياسي أثناء الانتخابات النيابية الأخيرة، وقد بذلت حينها جهود هائلة، وأنفقت أموال طائلة من أجل حسم المعركة واستبدال هذين الفريقين بتمثيل مشوه عبّر عنه تحالف غير طبيعي وغير قابل للخيال بين شرائح إسلامية عريقة في عروبتها من جهة وتيار "القوات" الذي يجاهر بالعداء لسوريا، وفي أحسن الأحوال الحياد تجاه "إسرائيل"، وهذا يذكرنا ببدايات سقوط المشروع الأميركي الإسرائيلي على يد الرئيسين الراحلين سليمان فرنجية ورشيد كرامي "لذا كان الهوى شمالياً".
وفي رصده لمناخ قوى 14 شباط حيال انطلاقة الجبهات المعارضة يتابع المصدر "أن الفريق الحاكم كان سوّق وروج لمفاجآت ينتظرها من تقرير المحقق الدولي سيرج برامرتز يعوض نقاط الضعف التي سلّم بها بعد تظاهرة العاشر من أيار وما رافقها من حشود شعبية وتعبيرات سياسية جامعة. وهذا الفريق لم يخف الهستيريا التي أصابت الكثير من رموزه، وخيبة الأمل من الرهانات المعقودة على نتائج التحقيق بعدما بدا واضحاً له أن زمن العبث السياسي في التحقيق قد تراجع إن لم يكن قد وضع جانباً، فضلاً عن أنه لم يدخر أوراق قوة ليستخدمها فيما بعد، إذ أنه استهلك كل رصيده وبات في مرحلة الحساب الدائم، وخصوصاً أن الأميركي شعر أن لا امكانية لتغير ميزان القوى في المنطقة بالقدرة العسكرية الإسرائيلية الأميركية، وان لا مجال للمخاطرة باللعبة الشيعية السنية كون أنظمة الخليج أول المتضررين منها، وان المعادلة الشعبية في لبنان في مرحلة عد تنازلي يوماً بعد آخر". وبالتالي الطريق الوحيد المتاح اليوم ـ والكلام للمصدر نفسه ـ لقطع الطريق على من يريد أخذ البلد إلى الهلاك هو في تبني دعوة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويعتبر احد المقربين من الرئيس عمر كرامي وعضو "اللقاء الوطني اللبناني" خلدون الشريف أن ما يحصل اليوم على الساحة الداخلية وتحديداً على الساحة الشمالية، إنما يندرج في سياق تكوين تيارات سياسية تلتقي في أهدافها على معارضة الأداء الحكومي الذي يعتمد أساليب ترويعية وتجويعية من أجل إحكام السيطرة على مقاليد السلطة والاستفراد بها، ثم العمل على الإتيان بأخرى ينبثق عنها نظام انتخابي جديد، وذلك بهدف إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ويعزو سبب "التأخير" في تحرك المعارضة إلى الآن إلى تكتيكات سياسية وأخرى "أخلاقية" كانت اعتُمدت في حينه، من قبيل أنه لا يجوز أن نتعاطى مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلا كحدث جلل، وبالتالي لا يصح فيه البازارات السياسية أو إظهار المواقف الكامنة عند هذه القوى المعارضة، فالكل كان يترقب ما يجري بهدوء، ويعتقد بأن هذه الأكثرية ستتعامل مع القيادات السياسية والشعبية بمنطق جديد مختلف عما كان سائداً، فإذ بنا نراهم يصادرون الحياة السياسية في لبنان، ويختزلونها وفق منطق استخباراتي ساد طوال اثني عشر عاماً، ومن هنا جاء توقيت التحرك بعدما فقدنا الأمل من إمكانية تحسن أداء هذه السلطة.
وينفي الشريف الإشاعات عن ضغوطات سورية مورست على الجبهة بهدف توسيعها وضمها شخصيات محسوبة مباشرة على النظام السوري، وقال "نحن أصلا لا نخضع للضغوط، والكل يعرف أن مسألة الضغط على كرامي غير واردة".
وعن الإضافة "النوعية" المتوقعة لهذا اللقاء على الساحة الداخلية، يقول الشريف ان هذا الأمر مرتبط بأداء اللقاء كون الأخير ليس حالة برلمانية، بل حالة شعبية، وقد رأى من رأى حجم الحشود الشعبية من طرابلس إلى زغرتا، وسيرى رويداً رويداً حجم الحشود التي باتت تشعر اليوم أنها تنتمي إلى هذا المعسكر".
ويبدو حزب الله غير المشارك عملانياً في هذه اللقاءات مرتاحاً لهذه الدينامية، ووجد عضو المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي فيها "عاملاً إيجابياً يفضي إلى توازن سياسي في البلد، ويجعل الطروحات الوطنية ذات لون غير طائفي أو مذهبي كما يرغب البعض بدليل أن هذا النوع من الاصطفافات حقق التنوع السياسي والطائفي وحتى الفكري، مع ما يعني ذلك من مصدر غنى وتحصين للمقاومة التي هي في رأس أولويات حاملي هذه التوجهات".
ويقول قماطي "إن خروج القوات السورية من لبنان وما سبّبه من هيجان مذهبي فَرض على القوى المشار اليها الانكفاء الطوعي بغية احتواء الفورة المذهبية"، وباعتقاده أن الأمور قد هدأت اليوم نسبيا بعدما أصبح صوت العقل هو المرجح، وبالتالي نجد أن هذه القوى أخذت تبلور نفسها وتتأطر سياسياً بهدف "العودة" إلى الوحدة الوطنية والتمسك بهوية لبنان العربي وبالمقاومة والاهتمام بالقضايا العربية والقومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فضلاً عن مواجهة الفتنة الطائفية التي حاول الأميركي زرعها بين اللبنانيين".
وأضاف: "إن قوى 14 شباط باتت تعيش اليوم حالة من الريبة والخوف مما يحصل على الساحة الداخلية، وهي بذلك تحاول أن تمارس فعل "الانتقام" من خلال توصيف هذه اللقاءات على أنها غير "قابله للصرف"، والقول بأنها وجدت بدافع سوري مباشر، لكنها في قرارة نفسها تهابها وتتعامل معها بحذر".
ويخلص قماطي إلى نصيحة يسديها إلى "الأكثرية" بأن تتوقف عن توتير الأجواء السياسية، وعن إطلاق اتهامات التبعية بحق الآخرين لئلا تتهم هي بالتبعية الأميركية الإسرائيلية، وان تتعاطى بطريقة متوازنة ومرنة تجعل الحوار أساساً للوصول إلى تفاهمات، إن لم نقل على الأقل تنظيم اختلافاتنا.
حسين عواد
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1166 ـ 16 حزيران/يونيو2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018