ارشيف من : 2005-2008

الأدلة المادية والاعترافات قد تفتح ملفات بعض الحوادث الأمنية:"عملية الفجر" تعيد توجيه البوصلة إلى العدو الحقيقي

الأدلة المادية والاعترافات قد تفتح ملفات بعض الحوادث الأمنية:"عملية الفجر" تعيد توجيه البوصلة إلى العدو الحقيقي

كشفُ مديرية المخابرات في الجيش اللبناني شبكةَ التجسس التابعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" بهذه السرعة القياسية، وتمكنها من إلقاء القبض على أحد الضالعين الأساسيين ـ محمود رافع ـ في تنفيذ سلسلة عمليات الاغتيال، وملاحقة المدعو حسين خطاب ـ فلسطيني الجنسية ـ الذي يبدو أنه يتزعم شبكة إسرائيلية أخرى، شكلت إنجازاً كبيراً للجيش اللبناني وضربة موجعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي الذي ما زال يلتزم الصمت المطبق.‏

أهمية هذا الإنجاز تنطلق من اعتبارات عديدة، بعضها له علاقة وثيقة بالصراع الدائر مع العدو، الذي يأخذ تارة شكلاً علنياً كما هو عليه الأمر في المواجهات مع جيش العدو على الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية بعد تماديه في انتهاك السيادة اللبنانية، وتارة شكلاً مستتراً عبر شبكاته المتخفية التي تظهر نتائجها ميدانياً في عمليات الاغتيال والتفجير لكوادر المقاومة، والحرب السرية التي تخوضها كل من المقاومة والجيش اللبناني اللذين حققا في السنوات الماضية العديد من الإنجازات.‏

لكن ما يمكن التوقف عنده في وضع مخابرات الجيش اللبناني يدها على الشبكة الأخيرة، هو خطورة هذه الشبكة التنفيذية واتساع دائرة عملها لتشمل منطقة واسعة على الساحة اللبنانية، تمتد من الجنوب إلى العاصمة بيروت، وفترة عملها الطويلة التي بدأت منذ بداية التسعينيات.‏

يضاف إلى ذلك أن هذه الشبكة تتشعب مهامها الى أكثر من جهة لبنانية وفلسطينية على خلفية الصراع مع العدو والانتقام لهزيمته في لبنان أو لتصفية الحساب مع الفصائل الفلسطينية المقاومة التي ما زالت في المواجهة في فلسطين المحتلة.‏

هذا الاستهداف المشترك يحقق هدفاً آخر هو زعزعة الاستقرار الأمني في لبنان في ظل عدم الاستقرار السياسي السائد منذ صدور القرار 1559، الذي بدوره يفتح شهية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على التمدد والتوسع للنيل من جهات أخرى على الساحة اللبنانية، إمعاناً من العدو في تقويض الاستقرار وإثارة القلاقل والفتن وتسعير السجالات القائمة بين القوى السياسية اللبنانية في ما بينها، وبين بعض القوى اللبنانية والقوى الفلسطينية المختلفة حول عدد من القضايا الأساسية ذات الصلة بالعدو الصهيوني.‏

ويظهر من مشاهد المضبوطات التي عرضتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني على وسائل الإعلام، مدى خطورة هذه الشبكة، إذ ظهر واضحاً أنها ترسانة من التجهيزات الدقيقة والمتطورة والمتنوعة للمراقبة والاتصال مع العدو، وتكشف بعض أساليب الاستتار والتمويه التي تتبعها هذه الشبكة، وربما الشبكات الأخرى المماثلة.‏

وتؤكد خطورة هذه الشبكة اعترافات رافع نفسه، وما تناقلته وسائل الإعلام اللبنانية من معلومات غير رسمية عن شبكات متشعبة وتعاون في ما بينها وتقاسم للمهام ومروحة واسعة من الأهداف.‏

ونقلت الصحف اللبنانية عن مصادر أمنية أن التحقيق بدأ يأخذ منحى جديداً، ويتجه أكثر فأكثر نحو التخصيص والتدقيق في كل عملية، وتجميع ما أمكن من تفاصيل حولها وحول من قاموا بتنفيذها.‏

وكشفت مصادر أمنية أن محمود رافع اعترف أيضاً بقيامه في فترات زمنية متفاوتة ـ نهاية ربيع 2005 حتى توقيفه ـ بنقل عبوات ناسفة بعضها من النوع الذي وُضع في حقائب سوداء اللون، إلى عدد من الأماكن في بيروت وضواحيها الشرقية ومناطق الجبل والجنوب. ولم يتوصل المحققون حتى الآن إلى تحديد دقيق لوجهة استخدامها.‏

وأضافت المعلومات: "هناك احتمال بأن يكون الفارّ حسين خطاب قائداً لشبكة إسرائيلية قائمة بذاتها، نفذت جدولاً خاصاً بالاغتيالات وتفجيرات مختلفة عن تلك التي نفذتها شبكة رافع، وأن "انفتاح رئيسي الشبكتين على بعضهما جاء نتيجة الثقة الإسرائيلية التامة برافع وخطاب، ونتيجة بعض الضرورات اللوجستية العملانية التي كانت تتطلبها عملية النيل من القيادي في حركة الجهاد الإسلامي".‏

كما كشفت المصادر عينها "أن الجهة التي تولت عملية التفجير في صيدا مباشرة هي جهة إسرائيلية، وقد دخل عنصران من شبكات "الموساد" الخارجية إلى لبنان، تردد أن أحدهما يحمل جوازاً بجنسية عربية والثاني جنسية أوروبية، وتمكنا من مغادرة لبنان بعد تنفيذ العملية".‏

كما اعترف رافع بأن صلة الوصل بينه وبين "الموساد" كانت في بعض الأحيان فتيات إسرائيليات دخلن إلى لبنان بوثائق مزورة، وشاركن في بعض العمليات في شقها التنفيذي.‏

أما في ما يتعلق بالشبكة الثانية التي يرأسها خطاب المتواري عن الأنظار، فقد أكدت مصادر أمنية أن "زوجة الأخير أدلت باعترافات مهمة وخطيرة جداً من شأنها أن تفتح أبواباً جديدة أمام التحقيق".‏

ولفتت المصادر إياها إلى أن خطاب الذي أوقف مدة سبعة أشهر في قضية اغتيال جهاد أحمد جبريل، استفاد من تبرئته من هذه التهمة ومن موقعه القيادي في القيادة العامة ومن جنسيته وموقع شقيقه في إحدى الحركات الإسلامية في مخيم عين الحلوة، من أجل إقامة شبكة علاقات تمويهية من جهة ولتجنيد أفراد شبكة يقدر المحققون أنها قامت بأعمال مهمة جداً على الساحتين اللبنانية والفلسطينية.‏

هذه المعطيات تؤكد بشكل واضح خطورة هذه الشبكة وخطورة الشبكات الأخرى غير المكتشفة حتى الآن، وهو ما سبق للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أن أشار إليه قبل سنة تقريباً عندما قال إن عملاء "إسرائيل" يملأون لبنان، وحذر من خطرهم..‏

كما سلطت هذه المعطيات، لا سيما دخول عناصر "الموساد" إلى لبنان، الضوء على الإجراءات الأمنية المتخذة على المعابر الشرعية، وضرورة تشديد إجراءات التثبت من الهوية، وأن تكون عيون الأجهزة مفتوحة على هذا الخطر بدل التركيز المشبوه على افتعال المشاكل حول بعض السواتر على الحدود مع سوريا وإثارة الضجيج الإعلامي لتهريب شاحنة خضار او صهريج بنزين عبر الحدود، بحيث تصبح قضية سيادية صرفة، بينما يغيب عن الاهتمام حتى احتمال دخول وخروج عناصر "الموساد" من وإلى لبنان بسهولة ويسر!‏

في كل الأحوال تشير المعلومات المتوافرة إلى أن التحقيقات ربما تحمل في الأيام المقبلة العديد من المعطيات الجديدة التي تفتح الأبواب مجدداً على بعض الحوادث الأمنية التي شهدتها الساحة اللبنانية خلال السنة الماضية، وربما إعادة النظر في الفرضيات التي كانت تحكم طريقة التعامل معها بعد التغييب القسري للعدو الحقيقي الذي طالما كان يهدد لبنان.‏

هذا الإنجاز الذي تحقق عبر "عملية الفجر" يؤكد بالأدلة المادية الحسية والاعترافات المسجلة صوتياً وورقياً، أن الخطر الإسرائيلي هو خطر ثابت وأكيد، وهو الوحيد المثبت بهذه الطريقة.. ومن المنطقي والحال هذه أن تكون "إسرائيل" وعملاؤها المتهم الأول في عمليات التفجير التي شهدتها وربما تشهدها الساحة اللبنانية، وأن يتركز الاهتمام على هذا الموضوع بشكل جدي لإعادة تصويب البوصلة السياسية والأمنية باتجاه العدو الحقيقي المستفيد وحده من زعزعة الاستقرار اللبناني.‏

سعد حميه‏

الانتقاد/ موضوع الغلاف ـ الاعدد 1166 ـ 16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30