ارشيف من : 2005-2008

الإرهاصات المحلية والإقليمية تخذل قوى 14 شباط:هل يكون عنوان المرحلة المقبلة حكومة "الاتحاد الوطني"؟

الإرهاصات المحلية والإقليمية تخذل قوى 14 شباط:هل يكون عنوان المرحلة المقبلة حكومة "الاتحاد الوطني"؟

هل بدأت إرهاصات مرحلة سياسية جديدة تلوح في الأفق في البلاد بعد التطورات المتلاحقة والمتشعبة محليا وإقليميا؟ وما هو عنوان هذه المرحلة التي يتوقع أن تمتد أكثر من سنة؟‏

مصادر سياسية متابعة تؤكد أن البلاد دخلت فعلا مرحلة جديدة ستبنى على أنقاض مشروع الانقلاب لقوى الرابع عشر من شباط. وعنوان هذه المرحلة سيكون وضع مصير الحكومة الحالية على "محك التغيير" والسعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية يمكنها إخراج البلاد من مأزقها السياسي وإنهاء حال الشلل التي إذا ما استمرت فستدخل البلاد في نفق مجهول. وهنا تقف قوى الرابع عشر من شباط أمام مأزق كبير إذا ما رفضت التغيير الذي بات حاجة ملحة لا بد منها، وبالتالي ستتحمل وحدها المسؤولية.‏

وتورد المصادر السياسية المتابعة العديد من المعطيات والاستحقاقات الضاغطة باتجاه التغيير الحكومي، منها:‏

أولا: نتائج تقرير المحقق الدولي سيرج براميرتز حول جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث كانت قوى الرابع عشر من شباط تمنّي نفسها بأن تأتى معطياته معززة لبرنامجها السياسي لجهة الإشارة الى رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الذي كانت سلمت بعجزها عن الإطاحة به, اضافة الى الإشارة لسوريا التي استمر هذا الفريق في توتير العلاقة معها بإيعاز أميركي ـ فرنسي.‏

لكن نتائج التقرير جاءت معاكسة وخدمت الفريق السياسي المقابل، فضلا عن أن طلب براميرتز التمديد لعمل لجنة التحقيق مدة سنة إضافية، سيجعل التحقيق في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري خارج إطار التوظيف السياسي.‏

ثانيا: فشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، حيث تركزت جهود فريق الأكثرية داخلها على شن الحملات السياسية على رئيس الجمهورية، ومواصلة توتير العلاقة مع سوريا بدل الانصراف لطرح برنامج إصلاحي حقيقي.. كما لجأت إلى ورقة ضرائبية اضطرت الى سحبها من التداول بعد تظاهرة العاشر من أيار، هذا فضلاً عن أن مؤتمر بيروت ـ واحد الموعود قد تبخر ولم يعد أحد يسمع به!‏

ثالثا: إعادة استلام زمام المبادرة من قبل القوى السياسية التي خسرت الانتخابات النيابية في الدورة الأخيرة أو لم تشارك فيها، وتمثل ذلك بولادة "اللقاء الوطني اللبناني" المعارض الذي ضم الرئيس عمر كرامي والنائبين السابقين سليمان فرنجية وطلال أرسلان والعديد من الوزراء والنواب، واستعادة الاحتضان الشعبي الذي برز بشكل واضح في المهرجانين الحاشدين في طرابلس وزغرتا في الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي والنائب الراحل طوني فرنجية وعائلته. إضافة إلى أن الخطاب السياسي في هذين المهرجانين ركز على عجز الحكومة وفشلها في معالجة الملفات المتشعبة والمطالبة برحيلها وسقوطها وتشكيل حكومة اتحاد وطني تخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية، وهو ما يشكل حالة ضاغطة على قوى 14 شباط.‏

رابعا: موقف تكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب العماد ميشال عون المطالب منذ فترة برحيل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة اتحاد وطني، وهو لم يقصر في توجيه الانتقادات اللاذعة لقوى الرابع عشر من شباط على الطريقة الخاطئة والكارثية في إدارتها الحكم، حيث عطلت المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها المجلس الدستوري.‏

خامسا: موقف حزب الله الداعي أيضاً الى تشكيل حكومة اتحاد وطني، وقد عبر الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن هذا الموقف بتمنيه في تصريح أدلى به إثر زيارته الرئيس سليم الحص، تشكيل حكومة وحدة وطنية "بالتي هي أحسن".‏

سادسا: الأخطاء المتراكمة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة في إدارة العديد من الملفات، ومن بينها تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار، وتحديداً ما خص العلاقة مع سوريا. فبدل أن يطرق الأبواب التي فُتحت له، عمد إلى تأجيل زيارة دمشق ريثما يصدر القرار 1680 الذي يطالب سوريا بإقامة علاقات دبلوماسية وترسيم الحدود مع لبنان. وقد أدت هذه الطريقة في التعاطي الى جعل القيادة السورية غير راغبة في معالجة ملف العلاقات الثنائية عبر الرئيس السنيورة.‏

يضاف الى ذلك بروز الخلافات بين أركان قوى الرابع عشر من شباط حول عدة ملفات، وهو ما بدا واضحا في التعاطي مع الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، حيث قُدمت أكثر من مقاربة لهذا البند على طاولة الحوار الوطني.‏

سابعا: تطور الأوضاع الإقليمية, حيث كانت قوى 14 شباط تراهن على ضربة عسكرية أميركية للجمهورية الإسلامية في إيران تساعد في إكمال الحصار على سوريا، وتضعف قوى الممانعة في لبنان.. لكن الرياح سارت بما لا تشتهي سفن هذه القوى، حيث شرع الجانبان الأميركي والإيراني في مقاربة دبلوماسية للملفات الإقليمية من موقع الند للند، وهو ما يعزز بشكل كبير موقع الجمهورية الإسلامية على الساحة الإقليمية، بما سينعكس إيجابا على سوريا ولبنان.‏

وترى مصادر سياسية متابعة أن هذه المعطيات ترسم معالم مرحلة جديدة في لبنان، سيكون من أولى تداعياتها حصول تغيير حكومي.‏

لكن هل ستسير قوى الرابع عشر من شباط في هذا التغيير، أم أنها ستتشبث كما هو متوقع بهذه الحكومة، حيث بات كل جهدها ينصب على عدم سقوطها، الأمر الذي سيجعلها في موقع الدفاع بعدما كانت في موقع الهجوم قبل أشهر؟!‏

في كل الأحوال، من الواضح ان قوى 14 شباط أدركت المتغيرات، وتمثل ذلك بشكل أولي في الإفراج المفاجئ عن مرسوم تعيين قضاة مجلس القضاء الأعلى من قبل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالصيغة التي رفعها وزير العدل شارل رزق. لكن مسار الأمور لم يتضح بشكل كامل بعد تحول الموقف من التغيير الحكومي.‏

والأرجح ان قوى 14 شباط ستحاول التمسك بالحكومة الحالية الى أقصى الحدود، لكن ذلك يعني تحمل مسؤولية استمرار المأزق السياسي وحال الشلل التي ستستمر عاما إضافيا إذا لم تشكل حكومة اتحاد وطني، وهو ما سيستنزف مزيدا من رصيد هذا الفريق الذي دخل في مأزق لا يعرف كيف يخرج منه بعد.‏

هلال السلمان‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1166 ـ 16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30