ارشيف من : 2005-2008

القضاء يؤكد أنّ الرفات تعود إلى 350 عاماً: مقبرة عنجر تفضح انتهاكات قوى 14 شباط للإنسانية

القضاء يؤكد أنّ الرفات تعود إلى 350 عاماً: مقبرة عنجر تفضح انتهاكات قوى 14 شباط للإنسانية

لم تكتف قوى 14 شباط بتبادل الأدوار في ما بينها، لتوجيه الإهانات للناس الأحياء عن طريق إثارة الغرائز والنعرات المذهبية والطائفية واختلاق الأكاذيب والافتراءات في حقّهم طوال الشهور والأيام الماضية، فذهبت بعيداً بتدنيس كرامات الأموات، عبر الإيعاز لمن يلزم من مخبريها وصغار النفوس العاملين لديها وتحت جناحها بإرشاداتها الميمونة، للافتراء على الأموات، بالادعاء أنّ المقبرة المشيّدة على تلّة مقام النبي العزير في بلدة عنجر البقاعية، هي مقبرة جماعية من "مخلّفات المخابرات السورية في لبنان"، ما يستدعي نبشها واستخراج الرفات منها واستغلالها سياسياً للتحريض ضدّ سوريا وإلصاق تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حقّها، لعلّ هذه الخديعة تنطلي على الأمم المتحدة فتقود سوريا إلى مقصلة مجلس الأمن الحاضر أبداً للتأديب بحسب التوجّهات الاميركية.‏

ولكنّ قوى 14 شباط تلقّت ضربة موجعة وغير منتظرة من القضاء اللبناني الذي لا يزال يعمل على الرغم من كلّ محاولات هذه القوى تقويضه والسيطرة عليه بتعطيل قيام مجلسه الأعلى، وذلك بعدما أصدر النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، قراراً فنّد فيه أضاليل هذه القوى التي لم توفّر رفات الأطفال والنساء والشيوخ إلا واستخدمتها ذخيرة في معركتها الوهمية والواهية ضد عروبة سوريا، واستثارت العواطف والمشاعر لزيادة منسوب التحريض والغضب الشعبي، فأكد ميرزا بالأدلة والقرائن، وبالفحوصات والمعاينات العلمية والمخبرية للجنة من الأطباء الشرعيين الموثوق بهم، أنّ هذه المقبرة عادية اعتمدها سكان المحلّة لدفن أمواتهم بحسب الطريقة الإسلامية، وأنّ "تاريخ دفن الرفات يعود بحدّ أدنى إلى 50 سنة ويمتد إلى 350 سنة وأكثر"، ما يعني أنّها قديمة جداً وتعود لمرحلة العثمانيين والانتداب الفرنسي وتسبق فترة وجود القوات السورية في لبنان.‏

فقد "اكتشفت" قوى 14 شباط هذه المقبرة يوم السبت في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2005 إثر بحثها المستفيض عما ينمّي الحقد الدفين لديها ضد سوريا تطبيقاً للأجندة الأميركية، وذلك في إطار مسلسلها الرامي إلى اختلاق الاتهامات كيفما كان وكيفما اتفق، بعد فشلها على محور جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتقديم الشهود المضلّلين للتحقيق وفي مقدّمتهم السوريان محمد زهير الصديق وهسام هسام، وانهيار تحقيقات القاضي الألماني ديتليف ميليس، فكان اختراع هذه المقبرة تحت مسمى "جماعية" مع ما لهذه التسمية من وقع خطير على المجتمع المحلي والدولي في آن معاً، وراحت تطلق العنان لمخيلتها الانتهازية والمساقة بعصا القرار 1559، لاختلاق الروايات والحكايات عن أنّ أصحاب الرفات هم أشخاص ماتوا تحت التعذيب في سجن عنجر، وأنّ الجثث عائدة لعسكريين من الجيش اللبناني قضوا في العام 1990، وأنّها خاصة بمن فُقد خلال مرحلة الحرب الأهلية التي كانت معظم قيادات هذه القوى من أبطالها وصانعيها بامتياز.‏

وتدفّق الكذب على ألسنة قيادات هذه القوى حتى أنّها أوقعت رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ضحية غشّها فانساب إلى التصريح واستوقفته "الآلام التي تعرّض لها أصحاب هذه البقايا" على حدّ تعبيره، واشتغلت الماكينات الإعلامية وسال الكثير من الحبر المحلي والأجنبي الذي توصّل إلى القول إنّ جثّة الفلسطيني أحمد أبو عدس المتهم بتفجير موكب الرئيس الحريري موجودة في هذه المقبرة بحسب عنوان عريض تصدّر صفحات صحيفة "المستقبل" نفسها.‏

وعملت الوكالات الأجنبية المدفوعة الأجر، على استصراح أشخاص بداعي أنّهم شهود عيان لم تذكر أسماءهم لتنتفي معها مصداقية إفاداتهم، إذ قالوا "انّ المعتقلين الذين كانوا يموتون في سجن المخابرات السورية كانوا يدفنون على التلة"، وأنّ سجن هذه المخابرات كان قريباً من التلة، وكانوا يسمعون أنين وأوجاع المعتقلين تحت التعذيب إلى غيرها من الأكاذيب والمبالغات.‏

وبعد 185 يوماً من التحقيق، أتت المفاجأة من القاضي سعيد ميرزا الذي تحسبه قوى 14 شباط واحداً منها فيما هو يعمل فوق المصالح السياسية وبضمير حيّ، فأكّد في قراره "بأنّه لم تلاحظ آثار إصابات بأسلحة نارية، وبأنّ الظرف النحاسي الفارغ والمضبوط عائد لمسدس فرنسي طراز 1892 وكان مستعملاً من قبل الشرطة الفرنسية في المستعمرات الفرنسية وقد بوشر بتصنيع هذا النوع من الرصاص عام 1892 وتوقّف تصنيعه رسمياً في بداية الخمسينات"، مشيراً إلى "أنّ قطع القماش التي عثر عليها، سروال عسكري وكنزة عسكرية، لا علاقة لها بالرفات بدليل عدم امتزاج القطع القماشية بأيّ من السوائل والبقايا البيولوجية الحيوية بما في ذلك تلك التي تنتج عن تفكّك وتحلّل الجثّة".‏

وأحضر القضاء الشهود الحقيقيين من أهالي مجدل عنجر فأكدوا في إفاداتهم أنّ التلة المذكورة "كانت تستعمل لمدفن الجنود الأتراك، وان بعض الفلسطينيين الذين حضروا في العام 1948 وأقاموا في المنازل التي شيّدها الفرنسيون أثناء الانتداب دفنوا موتاهم في التلة"، وخلص القرار القضائي إلى نفي "وجود مقبرة جماعية لرفات توفي أصحابها بعد العام 1950 ما يستتبع القول بوجوب حفظ الأوراق لعدم الدليل على وجود جرم جزائي".‏

وصار بإمكان القضاء أن يكمل عمله بالتحقيق في قضية مقبرة عنجر التي تفضح انتهاكات قوى 14 شباط للإنسانية، وإحضار الأشخاص الذين "اكتشفوا" هذه المقبرة العادية والموجودة أساساً لمعرفة من دفعهم وحرّضهم على اقتراف هذه الجناية، والادعاء على كلّ من تطاول على حرمة هذه المقبرة وأهلها مهما كان وزنه السياسي، بجرائم ينصّ عليها قانون العقوبات اللبناني من تزوير للحقائق وتحريفها وتضليل الناس، ويمكن أن تقودهم إلى السجن، أو تعود ببعضهم إلى أقبية السجن الذي كان يرزح فيه.‏

وبعد هذا كلّه، تبقى أسئلة برسم المعنيين كيف سوّلت قوى 14 شباط لنفسها أن تهين الأموات في قبورهم بنبشها من دون أي وازع ديني أو خلقي أو إنساني؟ وكيف حلّلت لنفسها التطاول على كرامة الأموات والتعدي على قبورهم؟ فهل من استسهل التعدي والاعتداء على الأحياء يتورّع عن مضايقة الأموات؟ لذا فإنّه بات المطلوب أن تبادر هذه القوى إذا كانت تملك الجرأة، إلى الاعتذار من الرضيع الذي نبشت قبره ورفاته وتاجرت بموته في المحافل الدولية استرضاءً لمن يقودها إلى الهاوية، وهو أصلاً لم يتورّع عن انتهاك الحرمات في كلّ مكان وطئه بذريعة إدخال الحياة الديموقراطية إلى رئتيه وحياته.‏

علي الموسوي‏

الانتقاد/ محليات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30