ارشيف من : 2005-2008
فريق 14 شباط بين الضلال والتضليل السياسي:مساعي اغتيال المقاومة وقيادتها معنوياً وسياسياً.. لمصلحة من؟
من الأساليب المعتمدة في التضليل الفكري تسويق الأسباب بوصفها نتائج، وتسويق النتائج بوصفها أسبابا.. وهذا ما يقوم به فريق 14 شباط بامتياز، وخصوصاً رأس حربتهم وليد جنبلاط.. وإليكم هنا بعض العينات القريبة:
أولاً: عندما حدثت المواجهات في الجنوب على الحدود مع فلسطين المحتلة، سارع فريق 14 شباط إلى تقديمها بوصفها أمراً قد دبر في ليل، وأنه محاولة سورية ـ ايرانية بواسطة فلسطينية و"حزب اللهية"، تهدف في أدنى احتمالاتها إلى جس نبض الكيان الاسرائيلي بغية تحديد حجم ردود أفعاله، وأن ما حدث هو بمثابة "بروفة" مصغرة لنمط وطبيعة المواجهات التي يمكن أن تحدث في ما لو تطور الكباش الاميركي ـ الإيراني والاميركي ـ السوري إلى مواجهات عسكرية أو ساخنة.
لقد نسي هؤلاء، بل في الحقيقة تناسوا عن عمد ولأغراض في نفوسهم، أن ما حدث ما كان ليحدث لولا عملية الاغتيال للشقيقين المجاهدين محمود ونضال المجذوب، والتي نفذها العدو الاسرائيلي من خلال أدواته الأمنية في لبنان.
فهل كانت كل التطورات التي شهدها الجنوب ستحدث لولا عملية الاغتيال؟ بالتأكيد لا..
ومن الواضح أنه لتستقيم قراءة فريق 14 شباط، لا بد من تبرئة الكيان الإسرائيلي من عملية الاغتيال واتهام الآخرين بها، وهذا ما قام به وليد جنبلاط تحديدا، إدراكاً منه لهذه الثغرة، فبدون تحويل وجهة الاتهام يصبح كل ما قام به فريق 14 شباط باطلاً، لأن ما بني على باطل هو بالتأكيد باطل.
ثانياً: أحداث خميس الشعب.. أيضاً من يتمعن في مجمل مواقف وقراءات وسلوكيات فريق 14 شباط مما حدث، سيجد نفسه أمام تكرار ممل لما سبق.
كيف قرأ هذا الفريق ما جرى؟
حاول بسرعة التعامل معه بوصفه تعبيراً عن خطة جهنمية أعدها حزب الله، وتستهدف: إضعاف الحكومة، إضعاف الدولة، توجيه رسائل إلى الخارج والداخل معاً لما يمكن أن ينتظر لبنان في ما لو حاول أحد الاقتراب من سلاح المقاومة، ضرب الموسم السياحي للضغط أكثر على الأكثرية الحاكمة، وعلى الحكومة.. إلخ.
هنا أيضاً جرى تناسي التالي:
أولاً: سياسة فريق 14 شباط وتحديداً رأس حربته وليد جنبلاط، في شحن الأجواء والضغط على العصبيات المذهبية والطائفية، في سياق استراتيجية واضحة تتقصد النيل من مكانة المقاومة وسلاحها، ومن مكانة وهالة إنجازها الوطني والقومي والإسلامي، وصولاً إلى حد التشكيك في وطنيتها، كما تتقصد في محطة أساسية منها النيل من مكانة وموقع سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وذلك لما يتمتع به من تقدير واحترام كبيرين على كل المستويات، ولما يتمتع به من مصداقية وصدقية عالية عند الجميع، بما فيهم الأعداء. فالإجماع العام تقريباً على تقدير واحترام ومكانة شخصية سماحة الأمين العام، مطلوب أيضاً تفسيخه وتشويهه والإساءة اليه.
ثانياً: ان حلقة "بس مات وطن" غير البريئة لا في توقيتها ولا في مضمونها، شكلت المناسبة التي كشفت عن احتقان داخلي يعمل في النفوس على نحو كبير، وبلغ درجة عالية من الغليان، وما كان ينقصه سوى شرارة بسيطة ليجد تعبيره إلى الخارج.
من هنا فإن رد الفعل الشعبي كان أمراً عفوياً بالفعل، بل وطبيعياً، لأنه نتيجة حتمية لما زرعه فريق 14 شباط الذي دأب منذ مدة على زراعة الرياح في كل أقطار الأرض اللبنانية، ومن يزرع الريح عليه أن يتوقع حصاد العواصف.
باختصار ان المسؤول الأول والمباشر عن رد الفعل الشعبي العفوي والطبيعي هم فريق 14 شباط، وليست حلقة "بس مات وطن" أكثر من السبب المباشر أو صاعق التفجير لما كان سبق لهذا الفريق ان قام بزرعه منذ مدة.
إلا أن فريق 14 شباط حاول أيضاً التملص من المسؤولية، وتصوير ما جرى كأنه مؤامرة دُبرت في ليل.
لا شك في ان بعض الأخطاء الطفيفة اقتُرفت في الطريق، وبعض الأضرار البسيطة مُني بها البعض، وهي أقل بكثير مما كان يمكن ان تصل اليه الأمور في ظل نمط وطبيعة وحدّة الاحتقانات الموجودة، الأمر الذي يدل بدوره على وعي هؤلاء المستنكرين.. إلا ان فريق 14 شباط أصرّ على تكبير وتضخيم ما حدث لاستثماره في سياق خدمة المخطط الاميركي الهادف إلى نزع سلاح المقاومة عبر استراتيجية متكاملة: اغتيال المقاومة ورموزها سياسياً ومعنوياً في خطوة أولى، ومن ثم تصفية وجودها مادياً اذا أمكن في خطوة أخيرة.
وفي هذا الإطار تبدو نظرية المؤامرة لتفسير كل ما يجري مطلوبة من فريق 14 شباط، مطلوبة كستارة تخفي حقيقة وأبعاد توظيفاتها وأغراضها السياسية التي لم تعد خافية على أحد.
نعم، رُبّ قائل هنا ان ثمة أسبابا تجعل فريق 14 شباط يلوذ بنظرية المؤامرة كلما استجد حدث أو تطور لافت، تتمثل على نحو رئيسي بما يستشعره هذا الفريق من خوف وقلق جراء حالة الإحباط والفشل التي يعيشها منذ مدة، وجراء تبدل في توازنات الوضع الداخلي لغير مصلحته، ما يجعله مضطراً أيضاً للقيام بنوع من الهجوم الوقائي لحماية نفسه والصمود في ما تبقى له من مواقع.
قد يكون هذا صحيحاً، وهو صحيح كواقع سياسي، إلا أن هذا لا يتناقض ولا يلغي بالتالي، أن ثوابت هذا الفريق ومرجعيته تبقى قائمة في القرار 1559، حيث هنا تبدأ كل الحكاية وتنتهي.
مصطفى الحاج علي
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يونيو2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018