ارشيف من : 2005-2008

بعد اغتيال الشهيدين مجذوب والعدوان الإسرائيلي على لبنان:صدّقوا.. هناك من يبرئ الكيان الإسرائيلي!

بعد اغتيال الشهيدين مجذوب والعدوان الإسرائيلي على لبنان:صدّقوا.. هناك من يبرئ الكيان الإسرائيلي!

عندما ذهب وفد من فريق 14 شباط للمشاركة في حفل تكريم العضو السادس في الوفد الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، مندوب الولايات المتحدة الدائم في مجلس الأمن جون بولتون، حاول كثيرون التخفيف من هذه الجريمة بدعوى أن التكريم ليس لشخصه، وإنما لجهود واشنطن المساعدة للبنان، وإن كنّا لا ندري عن أي جهود يتحدثون! وحاول البعض التنكر لها بدعوى أنها من عمل شلل قواتية، وكأن هناك خطأ غير مقصود. لكن في المحصلة العامة، رفض هذا الفريق الاعتذار عن خطيئته، معتبراً أنها خطيئة يمكن أن تمر بسهولة.‏

ووقتها قلنا إن أخطر ما في هذا التكريم أمران: الأول الرسالة التي يريد البعث بها إلى عناوين شتى داخلية وإقليمية، مفادها أن هذا هو خيارنا السياسي، أي الخيار الأميركي بأعلى تعبيراته الصهيونية الإسرائيلية. والثاني الشروع في إشاعة مناخ من التطبيع للرأي العام اللبناني ولو بالمعنى الاستراتيجي للعلاقة مع الصهاينة، ولو من مدخلها الأميركي.‏

إثارة هذا الكلام مجدداً عن بولتون وفريق 14 شباط ليس للتذكير فحسب، وإنما لإعادة ربط الأمور في ما بينها، انطلاقاً من أن ما حدث من تطورات أمنية في لبنان منذ يوم الجمعة الفائت وما تلاه من تطورات ومواجهات أمنية مختلفة، سيما تلك التي شهدها الجنوب، وما واكب ذلك من ردود فعل مختلفة ومتناقضة، كان خطيرا للغاية:‏

أولاً: ان اغتيال الشقيقين المجاهدين محمود ونضال المجذوب في قلب مدينة صيدا على أيدي استخبارات العدو الإسرائيلي لم يكن مجرد رسالة أمنية فحسب، وإنما أيضاً ـ ولو من مدخل التوقيت الذي جاء فيه الاغتيال ـ رسالة سياسية بامتياز.‏

فالعدو الإسرائيلي يقول بالفم الملآن ويعلن بقوة الدم والقتل، عن عودته الفاعلة إلى المعادلة اللبنانية الداخلية، وليس من موقع الحسابات الخاصة، وإنما من موقع التقاء المصالح المشتركة مع فريق لبناني داخلي جرى التعبير عنه بوضوح. وإلا فما معنى أن تأتي عملية الاغتيال عقب مناخ التوتر الذي حدث بين الجيش اللبناني وحركة فتح الانتفاضة في ينطا، والذي طرحت علامات استفهام كبيرة حول بعض الأسماء المتورطة فيه؟ وما معنى أن يأتي توقيت الاغتيال بعد صدور القرار 1680، وبعد العودة المسعورة لتحريك ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، بعيداً عن روح تفاهمات هيئة الحوار الوطني؟..‏

وما معنى أن يتلقف فريق 14 شباط حادثة الاغتيال ليدعو إلى التحرك السريع لمعالجة قلق السلاح الفلسطيني، وإلى استدراج الضغوط الدولية والعربية لإنجاز هذا الهدف.‏

ثانياً: كان لافتاً عدم مبالاة فريق 14 شباط بحادثة الاغتيال، وذهاب زعيمهم جنبلاط إلى تبرئة الإسرائيلي وبخبث شيطاني، ليضع المسألة برمتها في سياق الصراعات أو الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية.‏

وعندما أخذ هؤلاء مسحة طفيفة من الحياد لم يكن موقفهم الجديد بأفضل حالا من الأول، اذ استثمروا موقفهم الخجول المندد بالإسرائيلي لتمرير مطالبتهم بنزع السلاح الفلسطيني.‏

ثمة محاولة جادة من هذا الفريق تارة لتبرئة الإسرائيلي صراحة، وطوراً للقفز فوق الجريمة باتجاه التركيز على عناوين "إسرائيلية" أيضاً في الهدف والمضمون.‏

ثالثاً: لم يختلف الأداء الإسرائيلي في مضمونه وأهدافه في قصفه لمواقع الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة في تلال الناعمة والسلطان يعقوب، ولم يختلف تناغم فريق 14 شباط مع هذه الرسائل الإسرائيلية، وكأننا أمام "مايسترو" واحد لمعزوفة يؤديها اثنان: الأول يمهد النار سياسياً، والثاني يمهد الطريق بقوة النيران، ليعود الأول ويستثمرها في السياسة.‏

رابعاً: لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل حتى عندما وجدت المقاومة نفسها ملزمة بالدفاع عن سيادة لبنان وأمن أهله بفعل التصعيد الإسرائيلي في الجنوب، حافظ هذا الفريق على المضي في السياسة نفسها: استثمار ما يجري لا في وجه العدو الإسرائيلي، وإنما في وجه المقاومة، من خلال العودة للعزف على مسألة حصرية السلاح، والتشكيك في الوظيفة الوطنية لسلاح المقاومة.. إلخ.‏

مجمل هذه المواقف ليست مطروحة إلا للتغطية على رفض هذا الفريق لمنطق العداء للكيان الإسرائيلي، لأن العدو بات ـ في المقلب الآخر ـ بات الآن فلسطينياً وإيرانياً وسورياً، وطبعاً الفريق اللبناني المناهض لهذا الفريق.‏

خامساً: إزاء كل ما تقدم، هل هناك ما هو أوضح تعبيراً عن الخيارات السياسية التي تتصارع في لبنان: الخيار الأميركي ـ الإسرائيلي في مقابل خيار المقاومة والممانعة لهذا الخيار في المنطقة.‏

وخلاصة نقول، لقد أثبتت المقاومة مرة أخرى في خضم المواجهات التي حدثت، قدرتها على إلزام العدو بالمعادلة الصعبة التي سبق أن فرضتها عليه: قصف عمق الكيان الإسرائيلي كلما سقط مدنيون لبنانيون.. ولتؤكد مرة جديدة قدرتها على حماية أمن لبنان القومي وأمن اللبنانيين.‏

2006-10-30