ارشيف من : 2005-2008

الخبير القانوني الدكتور حسن جوني لـ"الانتقاد": كلام الشاهد السوري سيؤثر على مجرى التحقيق وكل ما نسب إليه في التقرير أصبح باطلاً

الخبير القانوني الدكتور حسن جوني لـ"الانتقاد": كلام الشاهد السوري سيؤثر على مجرى التحقيق وكل ما نسب إليه في التقرير أصبح باطلاً

الانتقاد/ محليات ـ العدد 1138 ـ2/12/205‏

هزت "قنبلة" الشاهد السوري هسام طاهر هسام صدقية تقرير لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري عندما تراجع عن إفادته السابقة في مؤتمر صحافي مباشر بثته معظم الفضائيات العربية. لا بل ان بعض القانونيين ذهب إلى القول بأن الشاهد نسف على الأقل الفقرات التي استند التقرير فيها الى أقواله.‏

وهذه الإفادة المتلفزة وضعت لجنة التحقيق والقضاء اللبناني والرأي العام أمام معطيات جديدة لا يمكن إغفالها، خصوصاً أن الشاهد تحدث عن شخصيات سياسية وأمنية وصحافية مارست عليه أساليب الترهيب والترغيب بهدف تقديم معلومات وشهادات مزورة لتوريط النظام السوري بجريمة الاغتيال.‏

هذا "الحدث" جاء وقعه عنيفاً وكانت له ارتداداته، إذ صدرت عدة ردود من لجنة التحقيق ووزارة الداخلية والشخصيات المعنية، وجاءت معظم هذه البيانات جازمة في نفي بعض الأقوال أو الوقائع دون غيرها، ما زاد حالة الالتباس والغموض وأثار علامات استفهام كبيرة حول مصداقية التحقيق ومصيره، وما إذا كان التراجع عن الإفادة سيغير معطيات وردت في التقرير ترتب عليها توجيه أصابع الاتهام إلى سوريا..‏

الخبير في القانون الجنائي الدكتور حسن جوني قيّم لـ"الانتقاد" أقوال الشاهد السوري الذي قيل إنه الشاهد المقنّع الذي واجه الضباط اللبنانيين الأربعة الموقوفين لدى لجنة التحقيق، وأنه هو نفسه من كان سيواجه الضباط السوريين في الاستجواب في فيينا. وقال الجوني: "إن كلام الشاهد السوري سيؤثر دون أدنى شك على مجرى التحقيق، وسيغير الكثير في المسار القضائي الذي يتبعه القاضي الألماني ديتليف ميليس، خاصة أننا عشية التحقيقات مع المسؤولين السوريين في فيينا".‏

وأعاد التذكير بأنه لا يجوز الاعتماد على الشهود فقط من أجل كتابة تقرير قضائي أو قانوني أو من أجل اتخاذ إجراءات قانونية، وأن العودة إلى الشهود تبقى حصراً في حالة تقوية أو دعم دليل مادي محسوس عند قضاة التحقيق.‏

وأضاف: "لكن ما حدث أن القاضي الألماني وقع في "فخ" إجراءاته القانونية التي لم يشأ أن يتخذها، وذلك من خلال "عدم التأكد من صحة كلام الشاهد من جهة، وثانياً عدم الاعتماد على الدلائل الحسية المفترضة في أي إجراء قانوني من جهة ثانية. هذا فضلاً عن تأثره بالمناخ العام الذي يريد أن يتهم جهة معينة لأهداف سياسية، وبالتالي نجد أنه يتخذ أي شاهد يستمع إليه كدليل قطعي لاتهام هذه الجهة!".‏

"النقطة المركزية" التي ينطلق منها الخبير القانوني ـ يتابع الجوني ـ هي أن ما كشفه الشاهد السوري من معلومات ومعطيات وروايات ـ بغض النظر عما إذا كنا نصدقه أم لا ـ قد نسف كل ما قاله مسبقاً أمام لجنة التحقيق الدولية، وهذه نقطة مهمة، خصوصاً أن بيان لجنة التحقيق الدولية الذي صدر عقب المؤتمر الصحافي للشاهد، قد أقر بأن الشاهد المقنّع هو نفسه هسام هسام، وبالتالي "يبقى أن كل ما نسب إليه في تقرير ميليس الأخير أصبح من دون أدنى شك باطلاً".‏

وأياً تكن ردود الفعل التي صاحبت كلام "الشاهد المقنّع" لجهة انه جاء من تلقاء نفسه إلى لجنة التحقيق الدولية، أو أنه لم تمارس بحقه أي ضغوط أو إكراه كما يزعم، فإن العبرة الأساسية تبقى من الناحية القضائية ـ على حد قول جوني ـ في أن كل ما بنى عليه ميليس في التقرير لا يمكن بعد الآن الاعتماد عليه، وعلى قاضي التحقيق اللبناني أن يفتح تحقيقاً مع كل الأسماء التي ذكرها الشاهد السوري في إفادته الأخيرة لمعرفة حقيقة الأمر. فإذا كان الأمر صحيحاً فهذا يعني أن هناك فريقاً من اللبنانيين يريد أن يلصق التهم بفريق آخر ويخفي الفاعلين الحقيقيين في جريمة اغتيال الحريري.‏

وهل بالإمكان القول ان كلام "الشاهد المقنّع" قد أسقط التحقيق بالضربة القاضية؟ يتريث الجوني في إعطاء الجواب، لكنه يقول ان لدى لجنة التحقيق الدولية معايير مختلفة تماماً.. وهي بصدد التمديد لها إلى ما بعد 15 كانون الأول، الموعد المقرر لإصدار التقرير النهائي. ويفترض في المقابل "إذا حسنت النوايا" أن يقوم القاضي ميليس بحذف كل المعلومات التي قد يضمنّها في تقريره من الشاهد هسام ومن الشاهد الآخر محمد زهير الصديق الموجود في فرنسا، وأن يوضح الكثير من النقاط التي أثارها "الشاهد المقنّع"، خاصة تلك المتعلقة بالقضاء اللبناني لجهة عدم اطلاعه على سير التحقيقات.. هذا عدا دور بعض الصحافيين اللبنانيين، إذ كيف يسمح لهؤلاء بالتدخل في مجريات التحقيق، مع العلم بأن التحقيق يفترض أن يكون سرياً ؟!‏

وماذا لو تلكأ القضاء اللبناني أو الدولي في تبيان حقيقة ما جرى؟ يجيب الجوني بالقول: "عندئذ يكون تقرير ميليس قد فقد الكثير من مصداقيته.. وإذا بقي الأمر في إطار الرد والرد المضاد فأعتقد أننا أمام موضوع سياسي، بل فيلم سياسي طويل، تضيع معه الحقيقة التي يريدها كل اللبنانيين. فكلام الشاهد السوري هسام هسام لم يقابله رد قوي من النوع الذي يقطع الشك باليقين من الناحية القانونية، وإنما الردود بقيت في الإطار السياسي البحت، وهذا لا يقدم ولا يؤخر، بل يجعل الكرة في ملعب الخصم الذي يسعى إلى تكذيب ما قاله الشاهد هسام.‏

ويخلص الجوني في قراءته القانونية ـ السياسية إلى نتيجة مفادها أن الأخطاء التي وقع بها ميليس، سواء عن طريق الخطأ المقصود أو غير المقصود، أو ما يسمى بالابتزاز السياسي، يدفعنا إلى مزيد من الحذر في المستقبل، خصوصاً أن الترابط بين ما هو قانوني وسياسي قائم من دون أدنى شك، وهو ما كانت حذرت منه قوى سياسية في البلاد، وسبق أن تحدثت عن ترابط بين القرارين 1559 و 1595، وأن الهدف من ذلك هو خلق فتنة طائفية في البلد باعتبار أن الشعب اللبناني منقسم حيال ما يقوم به المحقق الدولي ديتليف ميليس".‏

حسين عواد‏

2006-10-30