ارشيف من : 2005-2008
احتجاجات عفوية على ارتفاع سعر صفيحة المازوت:اعتصامات ولقاءات وإدراج للموضوع في مجلس الوزراء
أدخل فصل الشتاء لبنان في أزمة ليست جديدة على المواطن اللبناني الذي تزدحم عليه الهموم، خصوصاً تلك المعيشية، وألهب ارتفاع سعر المازوت الغضب بين المواطنين في المناطق التي تتدنى فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر. وإذا كانت المطالبة بتخفيض سعر صفيحة المازوت قد انطلقت قبل بدء فصل الشتاء تلافياً لوقوع الأزمة، إلا أنّ عدم الاكتراث للمطالبات الشعبية المتكررة شكل الوقود لدفع المواطن الى النزول للشارع عفوياً للتعبير معاناته بعيداً عن الحسابات السياسية التي رُميت في وجهه لتسخيف معاناته وإجهاض مطالبه في مهدها وتصويره بصورة غير مباشرة كأنه خارج على القانون!
لم يكن الهدوء الذي تحلى به المواطن قبل حلول البرد إلا إفساحاً في المجال أمام الحكومة للمبادرة، ولكنها عندما لم تكترث لم يجد أمامه إلا النزول إلى الشارع ليعبر عن الواقع الضاغط الذي يعانيه، بعدما اكتوى بنار ارتفاع سعر صفيحة المازوت التي تحتاج إلى أكثر من الحد الأدنى لكفاية المواطن في البقاع، فكيف بمن لا يملك حتى الحد الأدنى!
وللمرة الأولى ومن دون توافق سياسي ومن دون تنسيق، اندفعت شرائح مختلفة في قرى ومناطق بعلبك ـ الهرمل وزحلة إلى الشارع احتجاجاً.. البداية كانت في بعلبك، ثم ما لبثت أن توسعت في اليوم التالي لتشمل العديد من القرى في البقاع الأوسط ثم في زحلة. وقد ارتفع الدخان المتصاعد من الدواليب المطاطية المحترقة معلناً عن الغضب الذي تواصل طيلة أيام عدة، وإن أخذ أشكالاً أخرى من التعبير.
الشعارات التي رفعها المواطنون المحتجون كثيرة، وهي عبرت عن وضعهم المتردي ومطالبهم المحقة، وانحصر المطلب الأساسي لأهالي البقاع من قاعه إلى غرب بقاعه بتخفيض سعر صفيحة المازوت.
وعبر الكثير من المعتصمين عن رفضهم مقولة إيجاد الحلول لتأمين التمويل لخفض سعر المازوت، فالموضوع هو مسؤولية الحكومة.
الأيام الثلاثة التي شهدت احتجاجات شملت مدينة زحلة، حيث اعتصم مناصرو التيار الوطني الحر ونواب الكتلة الشعبية مرددين الشعارات المنددة بسياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية، ورافعين لافتات عدة منها: "يا سنيورة بردانين.. كوانا برد التشارين"، و"البرد + الجوع = الثورة".. كما تدثر البعض منهم بحرامات من صوف تعبيراً عن معاناتهم من البرد.
وفي القرى المحاذية لخط رياق ـ بعلبك الدولي تجمع أهالي بعض القرى عند المفارق المؤدية إلى قراهم، ونددوا بسياسات الحكومة الاقتصادية، ورفعوا "غالونات" فارغة تعبيراً عن عدم قدرتهم على شراء المازوت. فيما عبر بعض المعتصمين عن أنهم خرجوا إلى الشارع ليتدفأوا على نيران الدواليب المحترقة. ثم تحولت الاحتجاجات في الشارع إلى لقاء شعبي أقيم في حسينية الإمام الخميني في بعلبك بدعوة من نواب تكتل بعلبك الهرمل ورؤساء البلدبات والهيئات الشعبية والنقابية والجمعيات والنوادي ومخاتير المنطقة.
واستطاع الخوف من البرد أن يجمع حشداً كبيراً في الحسينية التي ضاقت بالحضور الذي تمدد إلى محيطها، حيث رفعت لافتات ترفض إهمال الدولة لحق المواطن في أبسط وسائل العيش، كما رُفع شعار سيد شهداء المقاومة "كما قاومنا الاحتلال سنقاوم الإهمال".
وتخلل اللقاء كلمات لرؤساء بلديات ومخاتير ونواب شددت على رفض سياسات الحكومة. عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن قال "إن مطلب تخفيض سعر المازوت لا يعني منطقة بعلبك الهرمل فقط، بل كل لبنان، وهو مطلب وطني". مشيراً إلى أنه "برغم مطالبتنا الدائمة لرئيس الحكومة بالعمل على التنبه لما ينتظر المواطن عند حلول فصل الشتاء، إلاّ أننا لم نسمع جواباً عن كل ما طالبنا به".
أضاف: "إن الناس نزلوا إلى الشارع وحرقوا الدواليب برغم عدم رغبتنا بذلك، ولكن لا يستطيع أحد منع ذلك.. إن دعم صفيحة المازوت لثلاثة أشهر في كل لبنان يكلف ما تكلفه خدمة الدين العام مدة ثلاثة أيام فقط! إن المطلب الوحيد الذي سنطرحه على رئيس الحكومة هو تثبيت سعر صفيحة المازوت بسعر اثني عشر ألف ليرة، شرط أن لا ترفع أسعار البنزين".
وقال: "إن الجميع يهمهم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي برغم الاختلاف في وجهات النظر بخصوص القرارات الدولية وتصريحات المسؤولين الأميركيين وسياسة الحكومة، ولكن أرى في الأفق أنه إذا لم تعالج هذه القضية فهناك ما يهدد هذا الاستقرار".
من جهته طالب النائب مروان فارس الحكومة بأن تستمع الى هموم المواطنين بدلاً من استدعاء السفراء لسماع شكواهم ضد سوريا التي قدمت الكثير لأجل لبنان.
أما النائب غازي زعيتر فاعتبر أن كل الحكومات كانت تملك الكثير من الماوزت الذي أحرقت به هذه المنطقة عبر الحرمان والإهمال، وما يطالب به أبناء هذه المنطقة هو حق من حقوقهم نص عليه الدستور.
وأكد أن أهداف هذه التحركات واضحة، ولا نريد من ورائها إسقاط الحكومة حسبما ادعى البعض، وسنستمر في التحرك حتى تحقيق المطالب الإنمائية للمنطقة، وفي مقدمها دعم المازوت وإنشاء محافظة بعلبك ـ الهرمل.
ورأى النائب إسماعيل سكرية أنه أمر مخجل للحكومة أن يصل المواطن إلى مرحلة لا يستطيع معها شراء المازوت لعياله! ولفت إلى أن "الدولة استقالت من دورها الرعائي من كل شيء"، داعياً الحكومة الى عدم التشاطر بأن تخفض سعر المازوت وترفع سعر البنزين، وعليها البحث عن مصادر أخرى للتمويل.
وفي إطار تحركهم لمعالجة الموضوع مع الجهات المعنية، قام وفد من تكتل نواب بعلبك ـ الهرمل بلقاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.. وأوضح النائب الحاج حسن أنه جرى خلال الاجتماع تأكيد نقطتين أساسيتين هما: الطلب إلى السنيورة بصفته رئيساً للحكومة أن يعرض هذا المطلب في جلسة مجلس الوزراء (الخميس)، وهذا ما وعد به.
والأمر الثاني: تثبيت سعر صفيحة المازوت على 12.000 ليرة، شرط أن لا يتأثر سعر صفيحة البنزين بهذا الأمر.
وأشار الحاج حسن إلى أنه "اذا لم تستجب الحكومة لهذا المطلب فسنكمل تحركنا". وأنه لفت نظر الرئيس السنيورة إلى أن الشارع بدأ يتحرك إلى مزيد من التصعيد.
وأضاف الحاج حسن: "ان الرئيس السنيورة قد أبدى تفهماً كبيراً لهذا المطلب، والنقاش دار حول كيفية المعالجة".. وأمل أن "تقترن الحلول برغبة الرئيس السنيورة بمعالجة الأمر، وأن تكون هناك نتائج مرضية للجميع".
عصام البستاني
الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1136 ـ 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018