ارشيف من : 2005-2008
مقاربة العدو للمواجهات:إقرار بضيق الخيارات.. وإخفاقات ميدانية
للعدو روايته ونظرته إلى ما جرى، إذ لا يمكن فصلها عن خلفياته وتشخيصه لمصالحه المبلوِرة لأطر مقاربته للتطورات والنظر إليها من زاوية علاقتها بأولوياته في هذه المرحلة، خصوصاً ان أي مواجهة تخوضها المقاومة سواء من موقع المبادر أو المتصدي، لا تجري في فراغ، بل دائما ما كانت تتزامن مع تطورات محلية أو إقليمية أو دولية بما يؤكد تداخل وتشابك هذه الدوائر، وبالتالي امكانية تفسيرها وتصويرها بعدة ألوان انطلاقا من فرضية مفادها أن ما من حدث إلا ويؤثر أو يتأثر بما يجري حوله، فكيف ونحن في ذروة تدويل الوضع في لبنان الذي بدوره يوسع من الدلالات والنتائج الإقليمية لأي مستجد سياسي أو أمني!..
كما هي العادة اعتبر المعلقون الإسرائيليون أن وراء ما جرى من مواجهات هو دوافع خارجية، وتحديدا سورية وإيرانية، في محاولة واضحة لتجاوز أنهم معتدون ومنتهكون للسيادة اللبنانية ويحتلون الأرض ويعتقلون لبنانيين.. إذ ذكر "ايتمار ايختر" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (22/11/2005): "ما جرى هو جزء من جهد متداخل لكل من إيران وسوريا لإحداث تصعيد يرمي إلى صرف الانتباه عن تقرير الأمم المتحدة عن دور سوريا في اغتيال رفيق الحريري، وللتخفيف من الضغط الدولي على إيران في الموضوع النووي. كما سعى حزب الله من خلال الحدث للضغط على حكومة لبنان من أجل عدم تطبيق قرار الأمم المتحدة 1559، ونزع سلاحه ونشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية".
وفي الاتجاه نفسه ذهب المعلق العسكري في صحيفة "معاريف" (22/11/2005) "عمير ريبابورت" قائلا: "بالنسبة الى كل من حزب الله الذي طُلب منه أن يتجرد من سلاحه.. والمطلوب من سوريا تسليم ستة من ضباطها للتحقيق معهم خارج سوريا.. بينما تُطالب إيران بوقف مشروعها النووي.. بالنسبة الى كل من هؤلاء اللاعبين يشير كل منهم عبر هذا الهجوم الى انه من غير المناسب اللعب معنا".
الا انه عاد وركَّز على ان لحزب الله أسبابه لشن الهجوم، فقد أراد ان يثبت على وجه الخصوص قبيل يوم عيد الاستقلال، أنه عازم على الاحتفاظ بسلاحه". لكنه أورد تقديره بخصوص التوقيت الزمني المحدد لهذه العملية، حيث أولى للمناخ العاصف والتطورات السياسية الداخلية في "إسرائيل"، كانشقاق شارون عن حزب الليكود وتشكيله حزبا جديدا، أهمية في اختيار حزب الله توقيت تنفيذ العملية.
أما "عاموس هرئيل" المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" (22/11)، فقد حدَّد ان السبب الرئيسي للمواجهات على الحدود يعود إلى "الوضع الداخلي في لبنان والطلب الاستثنائي للحكومة في بيروت نزع سلاح حزب الله، بحيث يبدو حزب الله مرة أخرى مدافعا عن مواطني الجنوب. والأهم ـ بنظر هرئيل ـ انه يشير إلى ان بيد الشيعة العامل المُفجِّر الذي يُمكِّنهم مرة أخرى من جر المنطقة إلى تبادل الضربات المؤلمة".
الا ان هرئيل ذهب أبعد من ذلك عندما توقف عند بعض الدلالات الكامنة في هذه المواجهات، مشيرا بشكل مباشر إلى محدودية الردع الإسرائيلي إذ قال: "يثبت حزب الله مرة أخرى ان مدى الردع الإسرائيلي تجاهه ليس كبيرا".. وكشف ان الحادثة كشفت أيضا عن ضيق خيارات الجيش الإسرائيلي، وهو ما عنون به مقاله "مجال مناورة الجيش الإسرائيلي محدود".
اللافت في هذا المجال هو تعليق المراسل العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي "ألون بن ديفيد" على كلام قائد المنطقة الشمالية "أودي آدم"، الذي قال بعد انتهاء المشاورات الأمنية: "إن المنطق الآن هو عدم تطوير الوضع أكثر مما حصل"، باعتباره يناقض التقديرات السابقة بأن ما حصل لن يمر دون رد! وقال ـ بن ديفيد ـ: هذا صحيح، وهو يُذكِّرنا بأقوال ايهود باراك الذي صرَّح ـ في حينه ـ بأنه إذا ما سقطت شعرة من رؤوس جنودنا بعد الانسحاب فسوف نرد. ونُذكِّر بعملية الأسر التي جرت في تشرين الأول من العام 2000، حيث لم يحصل بعدها أي رد. أيضا هذه المرة اختاروا عدم الرد، وبالطبع بسبب التوقيت السياسي الحساس جدا، فرئيس الحكومة آرييل شارون ينافس بحزب جديد في الانتخابات ولا يريد ان يرى نفسه منجرا إلى عملية أخرى في جنوب لبنان عشية الانتخابات".
أما بخصوص ما جرى ميدانيا، فقد كشف "بن ديفيد" أن هناك مجموعة من الإخفاقات والمشاكل واجهها الجيش خلال المعركة بالقول: "ما فهمته بخصوص ما حصل، وهو ما أخفته الطريقة الاحتفالية التي صنعها الجيش، أن هناك مجموعة من الإخفاقات والمشاكل حصلت وصُرف النظر عنها.. إذ كان هناك مشكلة في التحكم والسيطرة لدى الجبهة الشمالية على مدى ساعات طويلة، ولم يكن لدى القيادة الشمالية صورة واضحة عما يحصل في خضم القتال.. حتى ان وزير الدفاع أخَّر مؤتمره الصحافي من أجل معرفة ما إذا كان لدينا قتيل ام لا! ونحن نتحدث عن أربع ساعات بعد الحادثة، وهو أمر غير معقول عندما نتحدث عن ادارة "قتال".. وتتأكد أكثر عدم مقبولية هذا الأمر في ظل وسائل الاتصال المتطورة الموجودة بحوزة الجيش". كما اعتبر انه ينبغي التوقف عند نقطة مهمة واكبت المواجهات، وهي أنه: "في الوقت الذي جلس فيه سكان الشمال في الملاجئ، فإنهم هناك احتفلوا بعيد الاستقلال من دون أي إزعاج"..
وكان لكاميرا الإعلام الحربي للمقاومة الاسلامية تأثيرها في كشف حقيقة ما حصل للرأي العام الإسرائيلي، وأثر سلبي في نفوسهم. اذ نقلت كل القنوات التلفزيونية الناطقة بالعبرية الصور التي بثتها قناة المنار. وكنموذج على تأثر الجمهور الإسرائيلي، بدأت القناة الثانية نشرتها الخبرية وقبل أي كلام آخر بالمقدمة التالية وهي تعرض صور استهداف المقاومة للمواقع والدبابات الإسرائيلية: "اليوم وصلت صور حزب الله، وهي خارجة عن المألوف في وقتها، ويمكن مشاهدة كم كان الهجوم من لبنان ثقيلا ودقيقا، وكم كانت الدبابات الإسرائيلية مكشوفة وعاجزة".
كما عقَّب المعلق العسكري للقناة "روني دانيال" على هذه المشاهد بالقول: "لا تبدو لطيفة جدا.. أجل الميركافا دبابة ممتازة، ولكنها تُصاب أيضا!!". وحول الطريقة الاحتفائية لتعامل الجيش مع ما حصل قال دانيال: "عادة ما تُبنى قصة حول هذه الأمور".
لكن كما ان العدو له أطره ومقاربته للأحداث المنطلقة من رؤاه ومصالحه وأولوياته، فإن المقاومة أثبتت مرارا وتكرارا أنها تنطلق في جميع خطواتها الدفاعية ـ من موقع المبادرة أم من موقع التصدي ـ بما يخدم مصلحة لبنان الذي التزمت حمايته وتبنت قضاياه، سواء في ما يتعلق بتحرير الأرض أو الأسرى، وبما يعزز من قوة لبنان ويحمي استقلاله وسيادته.
جهاد حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018