ارشيف من : 2005-2008

"ربيع البقاع" المفقود في "ربيع لبنان"!

"ربيع البقاع" المفقود في "ربيع لبنان"!

الدخان المنبعث من إطارات الدواليب المحترقة على طريق زحلة ـ رياق ـ بعلبك الدولية في البقاع احتجاجاً على ارتفاع سعر صفيحة المازوت، قد يكون التعبير الألطف عن الغضب الذي يعتمل في صدور هؤلاء المواطنين الذين "قرصهم" برد الشتاء بعدما "قرصهم" الحرمان المزمن في الجمهورية الأولى والجمهورية الثانية، وفي زمن "ربيع لبنان" الذي غير كل شيء تقريباً إلا الوضع الاقتصادي والمعيشي في تلك المنطقة، حيث للحرمان معنى آخر.. وإدارة الأذن الصماء لمطالبها تصبح خنجراً مسموماً بالإذلال لأهلها الذين لطالما عاملتهم الحكومات المتعاقبة كأنهم خارجون على القانون، ما يسوّغ حرمانهم من أبسط حقوق المواطنية، لا بل التعبير عن احتجاجهم ديمقراطياً في زمن ديمقراطية الأغنياء التي لا تتسع مساحة "لبنان الجديد" معها لديمقراطية الفقراء!‏

شرارة الاحتجاجات العفوية التي اندلعت في بعلبك أولاً ثم اتسعت في اليوم التالي لتتوسع إلى بعض البلدات المحاذية لطريق رياق ـ بعلبك الدولية وفي مدينة زحلة، جاءت مباشرة بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي كان يتوقع المواطنون أن تبحث موضوع سعر المازوت بجدية، لكن هذا الأمر لم يحدث، ربما لأن هناك من يحاول تأجيل الموضوع وإبعاد الكأس المرة عنه بزعم الحرص على أموال الخزينة وعدم زيادة المديونية العامة، وبالتالي فوائد الدين العام.. مع العلم بأن هذا الدين لم يرَ البقاعيون شيئاً منه يصرف في منطقتهم لتحسين بنيتها التحتية أو تشجيع الاستثمار فيها أو إيلاء القطاع الزراعي الاهتمام اللازم أو إيجاد فرص عمل جديدة، فضلاًً عن تنشيط القطاعات الاقتصادية والسياحية والتربوية والصحية!‏

ومع ذلك صبر المواطنون على أمل تصحيح أوضاعهم وإعادة منطقة البقاع إلى خريطة الوطن إنمائياً واقتصادياً، و"تبريد" احتقانهم لا "تجميدهم" من الصقيع بسبب كلفة لا تتجاوز فوائد ستة أيام من الدين العام حسب تقديرات خبراء اقتصاديين، وثلاثة أيام حسب تقديرات عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن! وربما من حق هؤلاء أن يتساءلوا: لماذا استطاعت حكومة الرئيس عمر كرامي تجميد سعر صفيحة سعر المازوت الشتاء الماضي على الرغم من أن الظروف الاقتصادية هي نفسها تقريباً، أم أن أولويات الحكومة الحالية لا ترى الأوضاع الاجتماعية تلبية لنصائح الدول المانحة وإرشادات صندوق النقد الدولي الناصحة بالابتعاد عن دعم السلع الأساسية لإفساح المجال أمام مزيد من السمسرات تحت عنوان الخصخصة والتسنيد وبيع القطاع العام لـ"الرأسماليين الجدد"!..‏

هذه الصرخة التي انطلقت عفوية عند مفارق البلدات الفقيرة قد تهدأ إذا ما استجابت الحكومة للمطلب الآني المتعلق بتخفيض سعر صفيحة المازوت في فصل الشتاء.. ولكن يبقى سؤال كبير يقض المضاجع هو: متى تبدأ المعالجة الحقيقية للمشكلة الاقتصادية، ومعالجة أسباب الحرمان الحقيقية في تلك المنطقة من خلال خطط التنمية الحقيقية وإعادة شيء من التوازن إلى مقولة الإنماء المتوازن في زمن الطائف، وإعادة "الربيع" المفقود لهذه المنطقة في زمن "ربيع لبنان" وزمن التغييرات؟!‏

سعد حمية‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1136 ـ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005‏

2006-10-30