ارشيف من : 2005-2008
في أعقاب صدور القرار 1636:الغرور يسيطر على تفكير قادة العدو
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
لحظة ذروة الحلم الإسرائيلي في مواجهة سوريا ولبنان بعد رؤية الجيش الأميركي على الحدود مع سوريا، هو ان يكون الكيان السوري برمته على المهداف الأميركي لإسقاط آخر معاقل الممانعة الداعم لخيار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في العالم العربي.. لكن ما هو أبعد من هذه اللحظة هو أن تكون أداة الضغط والتنفيذ بواجهة دولية وعلى شاكلة قرار صادر عن أعلى منبر ومؤسسة دولية يحظى بإجماع أعضائها ويستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح للمجلس فرض العقوبات واستخدام القوة العسكرية ضدها.. ولكن ما هو أدهى من كل ذلك مماهاة هذه الأداة مع قضية سامية يجمع عليها كل اللبنانيين، وهي كشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. بحيث يبدو من يحاول الوقوف في وجه المخطط الأميركي كمن يعرقل السعي إلى كشف الحقيقة، ومن يسعى إلى كشف الحقيقة عبر هذا القرار الدولي يخدم ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ هذا المخطط..
هذه المرحلة الجديدة من "العلاقة" بين سوريا وما يسمى تجاوزاً "المجتمع الدولي" المفتوحة على الاحتمالات الخطيرة كلها، كان من الطبيعي أن "يرقص" لها قادة العدو فرحاً لولا أن الإدارة الأميركية ألزمتهم بكم أفواههم لأجل تجنب انكشاف الفضيحة أمام الأعين كما هي مكشوفة للعقل والوجدان. وهو ما دفع وزارة الخارجية الإسرائيلية لـ"إصدار تعليماتها للبعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج بأن لا تعلق على تقرير ميليس.. لأنه من الممنوع أن تبدو إسرائيل كمشاركة فيه".
لكن برغم ذلك تسرب من المواقف، على عدم كثرتها، ما يعكس الكم الهائل مما يجول ويختلج في نفوس قادة العدو. فقد نقل شموئيل روزنر (هآرتس) ان "إسرائيل باركت ـ من دون أن يذكر على لسان أي مسؤول رسمي ـ قرار مجلس الأمن 1636، ودعت إلى استمرار الضغط الدولي على سوريا إلى حين توقفها عن دعم الإرهاب". ونقل أيضا عن مصادر سياسية قولها ان "القرار إيجابي، وحقيقة أن المجتمع الدولي لم يعد متسامحا تجاه سوريا يشكل تقدما نوعيا جداً نسبة إلى الماضي".
وبلغ الغرور قمته عندما أخذت المؤسسة الأمنية والسياسية في الكيان الإسرائيلي تستعرض السيناريوهات وتحاول أن تحدد ما هو أكثر ملاءمة لمصلحتها، بقاء النظام السوري أم إسقاطه، كما لو أن الدول والأنظمة تحولت في المنطقة إلى أحجار شطرنج تحركها بالاتجاه الذي تريد.. وبهذا الصدد تعددت الآراء داخل المؤسسة بين مؤيد بحماسة لتغيير النظام، انطلاقا من أن أي نظام بديل لن يكون "أسوأ" مما هو عليه الآن، وبين معارض بقلق، انطلاقا من أن البديل هو الفوضى الأمنية التي ستطال الكيان الإسرائيلي عبر الجولان وسيطرة "الأصوليين".. وبين هذا الرأي وذاك يكثر الحديث عن الحاجة وضرورة الإبقاء على النظام، لكن مع إضعافه إلى الدرجة التي تُمكِّن تفادي سلبيات كلا الرأيين السابقين. وضمن هذا السياق نقلت صحيفة "هآرتس" عن رئيس مجلس الأمن القومي اللواء (احتياط) عوزي ديان أنه "أوضح للأميركيين أن "إسرائيل" غير معنية باختفاء الرئيس السوري، فالأفضل ان نكون مع (الرئيس) بشار مهذب ولين بدلاً من الخراب المجهول الأفق.. معرباً عن اعتقاده بأن الموقف الأميركي مشابه للموقف الإسرائيلي، ان لم يكن بالأقوال فبالأفعال".
أيضا كان للخبير في الشؤون السورية البروفيسور إيال زيسر كلمته في هذا المجال، اذ اعتبر أن "النظام السوري في ضائقة، والرئيس السوري لم يدرك قواعد اللعبة".. لكنه يضيف قائلا: "لا أرى وضعا يذعن فيه (الرئيس) الأسد للإملاءات.. إلا أن القرار وإن لم يحدد عقوبات، لكنه يضع أساسا لقرار أخطر في المستقبل ضد سوريا.. حيث من الصعب رؤية وضع يبرئ فيه التقرير النهائي سوريا".
برغم أن اللحظة السياسية استثنائية بكل المقاييس، والأخطار والضغوط غير مسبوقة، والمرحلة تاريخية ومصيرية بكل ما للكلمة من معنى، إلا أن الثقة كل الثقة هو أن خيار المقاومة في لبنان وفلسطين هو المنتصر في النهاية، وأن العدو لن يحصد من غروره كما في كل المراحل السابقة سوى الخيبة والصدمة التي تجعله يكتشف أن الواقع القائم هو غير ما توهمه وأوهم به شعبه..
جهاد حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018