ارشيف من : 2005-2008
الوزير السابق عصام نعمان يقرأ تداعيات القرار 1636 لـ"الانتقاد":القرار جزء من استراتيجية تقسيم العرب والمسلمين.. ونخشى تحويل لبنان منصة للنيل من سوريا
الانتقاد/ مقابلات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
"القوة الثالثة" تنشغل هذه الأيام برصد وترقب الضغوط الأميركية التي تمارس على لبنان وسوريا معاً، ولعل القرار 1636 أحد أشكال الضغط المتصاعد الذي يستهدف سوريا، وهو ما عبر عنه الوزير السابق عصام نعمان الذي يعتبر عضواً فاعلاً في هذه القوة السياسية، اذ يبدي خشية كبيرة من "تحويل البلد منصة للنيل من سوريا"، خصوصاً أن البعض في الداخل "وجد في القرار 1636 وثيقة صالحة لتصعيد الحملة على سوريا بغية إخراجها من حومة الصراح العربي ـ الإسرائيلي".
ولا يشك الوزير نعمان في أن القرار من شأنه "صبّ مزيد من الزيت على نار الاختلافات والخلافات الماضية والحاضرة بين اللبنانيين، ووضع مزيد من الذرائع في أيدي المصطادين في المياه العكرة لتوتير الأجواء بين اللبنانيين وبينهم وبين السوريين"، خصوصاً أن القرارات 1559 و 1595 و 1614 كانت قد حفرت فجوة فاصلة بين لبنان وسوريا، ثم جاء القرار 1636 ليوسّع هذه الفجوة.
القرار 1636 وتداعياته على لبنان وسوريا كان محور أسئلة حملتها "الانتقاد" إلى الوزير السابق عصام نعمان، الذي أجاب عنها بما يلي:
ـ أيّ تداعيات سيحملها القرار 1636 على سوريا ولبنان، وما هي أغراضه الحقيقية؟
ينطوي القرار 1636 على شقين: شق قانوني وآخر سياسي. الأول قضى بإلزام سوريا الانصياع لموجبات التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. والثاني قضى ضمنا بإدانة سياسية ظالمة لسوريا برغم ان التحقيق نفسه حسب تقرير ديتلف ميليس لمجلس الأمن لم يكتمل بعد. إن من شأن تداعيات هذا القرار بشقيه إتاحة الفرصة لأميركا لتصعيد ضغوطها على سوريا بغية حملها على الرضوخ لأغراض القرار الحقيقية، وهي إكراه دمشق على المشاركة في حملة واشنطن الرامية الى إخماد المقاومة العراقية وتعطيل المقاومة الفلسطينية وتجريد المقاومة اللبنانية من السلاح، كل ذلك من أجل حمل سوريا على مصالحة "إسرائيل" وفق شروط هذه الأخيرة.
ـ هل سيؤثر هذا القرار سلباً في رأيك على العلاقات اللبنانية السورية، خصوصا أنها شهدت أخيراً توترات ملحوظة؟
نعم، ستتأثر العلاقات اللبنانية السورية سلبا اذا وافقت الحكومة اللبنانية على تحويل البلد منصةً للنيل من سوريا.
ـ كيف يمكن أن يحصل ذلك؟
تصوّر مثلاً لو أن الحكومة اللبنانية وافقت على احتجاز المسؤولين السوريين المشتبه فيهم بعد التحقيق معهم بطلب من السيد ميليس، أو أنها طلبت من ميليس التحقيق مع مسؤولين سوريين كبار ليس لهم علاقة ثابتة باغتيال الحريري، أو أنها أصرّت برغم معارضة فريق كبير من اللبنانيين على إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المتهمين.. إن أياً من هذه التصرفات سيوتّر العلاقات اللبنانية السورية.
ـ كيف قرأت ردود الفعل المحلية على القرار 1636؟
أعطى القرار 1636 مختلف الأطراف فرصة للتعبير عن عواطفهم ومطالبهم وأغراضهم.. البعض اعتبره هدية العالم الى الرئيس الراحل، وبعضهم الآخر ترسمل عليه للمطالبة مبكراً بمحكمة دولية، وهناك من وجد فيه وثيقة صالحة لتصعيد الحملة السياسية على سوريا بغية إخراجها من حومة الصراع العربي ـ الصهيوني.. باختصار القرار 1636 ظَلَم سوريا لكونه أدانها سياسيا قبل اكتمال التحقيق، وشكّل سلاحا لأعدائها المحليين والإقليميين والدوليين للنيل منها.
ـ هل تعتقد ان القرار 1636 يحمل بذور التوتر إلى اللبنانيين وسيؤدي الى انقسامهم مجددا؟
لا شك في انه صبّ مزيدا من الزيت على نار الاختلافات والخلافات الماضية والحاضرة، ووضع في أيدي المصطادين في المياه العكرة مزيدا من الذرائع لتوتير الأجواء بين اللبنانيين، وبينهم وبين السوريين.
ـ هل يؤدي هذا القرار إلى الفصل بين لبنان وسوريا، وهو ما تريده "إسرائيل"؟
الحقيقة ان القرارات 1559 و 1595 و 1614 كانت قد حفرت فجوة فاصلة بين لبنان وسوريا، ثم جاء القرار 1636 ليوسّع هذه الفجوة.. وإذا ارتضت الحكومة اللبنانية تحويل لبنان منصة للنيل من سوريا من خلال سوء تطبيق الإجراءات التي تنطوي عليها هذه القرارات، فإن وحدة المسار والمصير التي حكمت البلد نحو 30 سنة سوف تنهار وتتحول هوّة فاصلة بينهما على كل المستويات.. وهذا ما سعت اليه "إسرائيل" دائما.
ـ يبدو ان رئيس الحكومة وحده يؤيد القرار 1636، وأن لا موقف رسميا حياله حتى الآن.. هل لك تعليق على هذا التعاطي؟
صحيح ان الرئيس السنيوره يؤيد هذا القرار، لكن هناك أعضاء في كتل كبيرة مشاركة في الحكومة أعلنوا تأييدهم له، بل أطنب بعضهم في مديحه! ألم يعتبره السيد سعد الدين الحريري هدية العالم الى والده الراحل في عيد ميلاده! ألم يدعُ إلى إقامة محكمة دولية لمحاكمة الفاعلين؟
ـ هل يهدف القرار فعلاً إلى معرفة الحقيقة أم أنه ينطوي على استهدافات أخرى؟
الدول الكبرى فئتان: واحدة لا تعرف الحقيقة بعد ولا تمانع تاليا في تسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية لكشفها، وأخرى تعرف الحقيقة، لكنها تريد توريط سوريا مهما كلّف الأمر، لأن لها أغراضا ضدها سبق بيانها. لقد حققت أميركا وفرنسا وبريطانيا غرضها الأول، وهو إخراج سوريا من لبنان، وهي تسعى الآن لتحقيق غرضها الثاني، وهو إضعاف النظام السوري لحمله على الانخراط في حملة النيل من المقاومة في كل من العراق وفلسطين ولبنان، وصولا إلى إخراج سوريا ولبنان نهائيا من حومة الصراع العربي ـ الصهيوني.
ـ يقال إن القرار 1595 استولد القرار 1636، فهل نحن مقبلون على قرارات أخرى مشابهة للقرارين المشار اليهما؟
أميركا بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، هي التي استولدت كل القرارات ذات الصلة، وستحاول استيلاد قرارات أخرى في سياق حملتها المتصاعدة ضد سوريا، ومن أجل تحقيق الأغراض سالفة الذكر.
ـ لكن الجانب اللبناني يبدو غير معني بتنفيذ القرار 1636.. هل نحن فعلاً غير معنيين به؟
لم يصدر عن رئيس الحكومة ما يشير الى ان لبنان غير معني بالقرار 1636، وإني أستبعد ان يتخذ مثل هذا الموقف. صحيح أن القرار نفسه يتعلق بسوريا بالدرجة الأولى، لكنه ينطوي على فقرة تتيح للبنان ان يسمي أشخاصا سوريين يعتبرهم مشتبها بهم ويدعو لجنة التحقيق إلى ملاحقتهم وحتى توقيفهم. غير أن هذا الموقف هو موقف سياسي قد يحاذر السنيورة الوقوع في مطباته، لئلا يعني ذلك الانخراط في الحملة السياسية الأميركية للنيل من سوريا.
ـ هل من صلة بين زيارة نائبة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى إليزابيت ديبل والقرار 1636؟
ظاهر زيارتها يتعلق بالتحضير لمؤتمر الدول المانحة الذي من المنتظر ان يعقد مطلع العام القادم، لكن باطن الزيارة يتعلق قطعا بالقرار 1636 وبسعي واشنطن الدؤوب لحمل لبنان على التشدد في موقفه من التحقيق مع المسؤولين السوريين المشتبه بهم، فضلاً عن ضغطها المتواصل عليه لتنفيذ ما تبقّى من بنود القرار 1559.
ـ هناك من يعتقد بأن القرار 1636 جرى تحضيره قبل شهرين بين فرنسا وأميركا وبريطانيا، ماذا يعني ذلك كله؟
- أكيد ان قراراً بهذه الخطورة لا يمكن تحضيره بين ليلة وضحاها، مع العلم بأن التنسيق بين الدول الغربية الكبرى متواصل، وهو جزء من استراتيجية كبرى ترمي إلى تقسيم العرب والمسلمين والحدّ من نشاط حركات الإسلام المقاوم، وضمان دول منطقة الوسط الإسلامية الزاخرة بالنفط والغاز مجالا حيويا مغلقا لمصلحة أميركا وحلفائها.
ـ هل سيكون في مقدور النظام في سوريا الصمود أمام الضغوط الدولية المتصاعدة، أم أنه سيضطر إلى تقديم تنازلات معينة ليضمن سلامته؟
ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها سوريا إلى ضغط وتطويق سياسي وعسكري، لقد جرى تطويقها بصورة أشمل وأقسى عام 1956 في ذروة إعلان حلف بغداد وترسيخه إقليميا، غير أن سوريا تمكنت من تعطيل الحصار الاميركي ـ الأردني آنذاك، واختراق الطوق بتحقيق الوحدة مع مصر جمال عبد الناصر.. اليوم تستطيع سوريا مرة أخرى فك الحصار واختراق الطوق باعتماد سياسة تقوم على أسس ثلاثة: الأول التعاون مع لجنة التحقيق الدولية إلى أقصى الحدود في إطار المحافظة على ثوابت سوريا الوطنية والقومية. الثاني استجابة إرادة القوى الحية في البلاد لإجراء مراجعة نقدية شاملة لتجربة النظام بكل أبعادها، وإعادة تأسيسه على قواعد وطنية وديمقراطية وتنموية وحضارية صلبة، وذلك من خلال مؤتمر وطني تأسيسي تتمثل فيه جميع الشرائح السياسية والاجتماعية والنقابية والثقافية، ويكتمل عمله بمشروع للإنقاذ النهضوي الحضاري في مهلة سنة من تاريخ انطلاقه، ويتجسد في مشروع دستور ديمقراطي (قوامه نظام ديمقراطي تعددي) ليجري إقراره باستفتاء عام. هكذا تحتشد كل فئات الشعب العربي السوري في قلب قضية وطنية تستحق التضحية وتستنفر نضال الشعب برمته ضد الضغوط والتدخلات الأجنبية، لا سيما الاميركية منها. الثالث تأليف حكومة وطنية جامعة تمثل القوى الحية بمختلف شرائحها وتلاوينها، وإعطاؤها صلاحيات استثنائية تشريعية وتنفيذية خلال الفترة الانتقالية (سنة كاملة)، تتولى خلالها قيادة البلاد والقيام بمهام إطلاق الحريات الديمقراطية والإفراج عن سجناء الرأي ورعاية المؤتمر الوطني التأسيسي والإشراف على إجراءات التعاون مع لجنة التحقيق الدولية مع المحافظة على ثوابت سوريا الوطنية والقومية، وذلك بالتعاون مع قوى المقاومة العربية والإسلامية والتفاهم الاستراتيجي مع إيران.
ـ كيف سيكون في رأيك مستقبل الوضع الداخلي في لبنان وسط تلاحق القرارات الدولية؟
الأمر لا يتوقف على إصدار قرارات دولية، بل على تطبيقها والأشكال الذي سيتخذها هذا التطبيق ومدى مساسه باستقلال لبنان أو تطويعه بشكل أو بآخر، ليكون منصة للنيل من سوريا. ان هذه الأمور تنطوي غالبا على ردود فعل وتداعيات سلبية من شأنها توتير الأجواء، وربما التسبب باضطرابات سياسية وأمنية. المطلوب أمام هذه التحديات البازغة إعطاء أولوية مطلقة للوحدة الوطنية واتحاد القوى الحية للدفاع عن وحدة البلاد واستقلالها وأمنها القومي والحريات الديمقراطية والمقاومة الباسلة، بما هي قوتها الرادعة إلى جانب الجيش اللبناني في مواجهة اعتداءات "إسرائيل" ومطامعها الإقليمية.
حوار حسين عواد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018