ارشيف من : 2005-2008

مئة يوم من عمر حكومة السنيورة:مراوحة وانتظار وافتراق عن نص البيان الوزاري

مئة يوم من عمر حكومة السنيورة:مراوحة وانتظار وافتراق عن نص البيان الوزاري

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005‏‏

تجاوز عمر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مئة يوم، حيث كانت نالت ثقة تسعين نائباً في الثلاثين من تموز الماضي إثر جلسة لمجلس النواب استمرت ثلاثة أيام، وهي مدة زمنية كافية في العرف السياسي لتقويم أداء الحكومة ومدى التزامها ببنود بيانها الوزاري الذي نالت الثقة على أساسه.. وهو بيان تضمن وعوداً بإصلاحات اقتصادية وسياسية"، وبناء "دولة المؤسسات"، وشقاً سياسياً أكد التمسك بالثوابت الوطنية الأساسية. وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على عمر الحكومة تحصي الأوساط السياسية جملة من الإخفاقات لهذه الحكومة على أكثر من صعيد اقتصادي وسياسي، وتطرح العديد من "الهواجس" حول طريقة التعاطي مع الملفات السياسية الحساسة.. وترى هذه الأوساط أن العنوان الأساسي لهذه الحكومة يبقى عنوان الانتظار والمراوحة بانتظار المآل النهائي للتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو التحقيق الغارق في الاستغلال السياسي من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني اللذين يسعيان لضرب مكامن القوة والمناعة لدى لبنان وسوريا.‏‏

في عنوان بناء دولة المؤسسات تلاحظ الأوساط السياسية المتابعة أن هذا الأمر لم يترجم عملياً نظراً لطريقة التعاطي الحاصلة، بل هناك تخوف من أن ما يجري هو عكس ذلك تماماً. وتتساءل الأوساط عن مصير شعارات الإصلاح الاداري والاقتصادي والسياسي! فعلى الصعيد الاداري هناك عقلية لا تختلف عما كان سابقاً، بل ربما تجاوزتها من حيث المحاصصة والفئوية والكيدية. لافتة الى أن بعض الوزراء يتصرف كأن وزارته هي "دكان" للتيار الذي ينتمي اليه، فيجري عمليات توظيف لا تتوافق مع ما ينص عليه الدستور، خصوصاً وظائف الفئة الأولى. ويصل الأمر الى تعمد تعيين موظفين ينتمون الى طوائف معينة دون غيرها! وفي الاصلاح الاقتصادي تجمع الأوساط السياسية والاقتصادية المتابعة على أن الحكومة لم تلج ملف معالجة الأزمة الاقتصادية بشكل جاد وفعال بما يؤدي الى التخفيف من عبء الأزمة الاجتماعية المعيشية المزمنة، وإلى الآن لم تُحل الحكومة موازنة العام ألفين وخمسة الى مجلس النواب، وهي باتت مجرد موازنة رقمية تتضمن حجم النفقات والإيرادات.. فضلاً عن موازنة العام ألفين وستة التي كان يجب ان تحال الى المجلس النيابي في مستهل عقده العادي الذي بدأ في النصف الثاني من الشهر الماضي.‏‏

وتتخوف الأوساط من أن يحل بهذه الموازنة ما حصل بسابقتها وتبقى البلاد والمؤسسات مرهونة للقاعدة الاثني عشرية التي يجري العرف على أساسها دون الشروع في خطة اصلاحية واضحة تأخذ بعين الاعتبار مصالح السواد الأعظم من الشعب اللبناني. وتتوقف هذه الأوساط عند مراهنة رئاسة الحكومة على مؤتمر الدول المانحة الذي كان مقرراً أن يُعقد في بيروت قبل نهاية العام الجاري، لكن هذا المؤتمر أرجئ الى مطلع العام المقبل كما أعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.‏‏

وهنا تتساءل الأوساط عن سبب إرجاء هذا المؤتمر الذي لم يكن الإعلان عنه موضع إجماع لبناني، نظراً للشروط السياسية المطروحة من قبل الولايات المتحدة. ولاحظت الأوساط أن الإعلان عن إرجاء المؤتمر جاء بعد محادثات أجرتها مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية إليزابيت ديبل مع الرئيس السنيورة. وتتكهن بعض المصادر بأن هذا الإرجاء ربما سببه ان الفاتورة السياسية اللبنانية لم تسدد بعد في سياق الشروط الأميركية لتقديم مساعدات اقتصادية. وتلفت هذه المصادر باهتمام الى كلام المسؤولة الاميركية بعد لقائها السنيورة، من ان الاقتصاد "مرتبط بالسياسة"، وهو ما يعني ان لا مساعدات اذا لم تُلبَّ الشروط السياسية الاميركية، وفي مقدمها تطبيق باقي بنود القرار 1559.‏‏

وتخلص الأوساط المتابعة الى أن الحكومة لا تزال تراوح مكانها في الملفات الاقتصادية والاجتماعية.‏‏

وفي مسألة بناء دولة المؤسسات، "فإن المواطن لم يعد ينخدع بالشعارات ولا يؤخذ بالأوهام، فدولة المؤسسات تنطلق من النقاش حول منهجية بنائها في مجلس الوزراء وفي المجلس النيابي، وليس من خلال انفراد كل واحد بأخذ الموقف الذي يريد ليوظفه تبعاً لمصالحه دون علم القوى المشاركة معه في الحكم، وهذا لا يدل على نية في بناء دولة المؤسسات".‏‏

أما في الأداء السياسي للحكومة، فإن الأوساط المتابعة تسجل كماً كبيراً من الأسئلة بل الهواجس التي يُخشى أن تتحول الى حقائق لجهة طريقة تعاطي رئاسة الحكومة مع ملفات حساسة، تبدأ بالقرار 1559 وتداعياته الخطرة على المقاومة والوضع الفلسطيني مروراً بمسألة ترسيم الحدود مع سوريا و"التعامي" عن الخروق الصهيونية المتصاعدة ضد لبنان، وصولاً الى تقرير ديتلف ميليس وتداعياته.‏‏

في ما خص القرار 1559، فإن البيان الوزاري للحكومة أكد حق المقاومة واستمرارها لتحرير الأرض والأسرى ومواجهة الاعتداءات الصهيونية. واعتبر القرار 1559 محل حوار بين اللبنانيين، لكن رئاسة الحكومة انحرفت عن نص البيان في التعاطي مع هذا الشأن، وظهر ذلك جلياً في تقرير تيري رود لارسن الذي نقل عن الرئيس السنيورة التزامه تطبيق القرار، انما الأمر يحتاج الى حوار ومزيد من الوقت. وقد أكد السنيورة مضمون هذا الكلام ولم ينفه، وهو ما تضع عليه الأوساط السياسية علامات تعجب واستفهام كبيرة.‏‏

وكذلك حصل انحراف عن نص البيان الوزاري في مسألة السلاح الفلسطيني، حيث جرى دفع هذا الأمر الى الواجهة بطريقة مفاجئة وغير مدروسة وبعيداً عن التشاور في الأمر داخل مجلس الوزراء، وجرى زج الجيش في عمليات حصار للمواقع الفلسطينية وكادت الأمور تتطور الى ما لا تُحمد عقباه لولا الجهود التي بُذلت من قبل قوى سياسية فاعلة لمعالجة القضية بالحكمة والحوار.‏‏

كذلك تأخذ الأوساط السياسية على رئاسة الحكومة طرحها مسألة ترسيم الحدود مع سوريا أيضاً خارج سياق البحث في مجلس الوزراء، وبرز تخوف من ارتباط الأمر بمطالب خارجية لها علاقة بمزارع شبعا، وهو ما يبين ان وراءه لارسن الذي ضمنه في تقريره الى مجلس الأمن حول القرار 1559.‏‏

وتستغرب الأوساط السياسية المتابعة بشدة طريقة تعاطي الحكومة مع مسألة التصعيد الصهيوني تجاه لبنان والتعمية عليه وعدم اتخاذ أي خطوات سياسية ودبلوماسية جدية في مواجهة هذا التصعيد. وقد تجلى هذا الأمر مع قضية الصياد اللبناني الذي اختفى قبالة شاطئ الناقورة مروراً بالتصعيد الكبير عبر القصف في مزارع شبعا يوم عيد الفطر المبارك، وصولاً الى الخروق الجوية المتواصلة للأجواء اللبنانية. وترى الأوساط ان هذا التصعيد الصهيوني الكبير لا يكفي لمواجهته اتصال متأخر من رئيس الحكومة بقائد قوات الطوارئ العاملة في الجنوب.‏‏

الملف الحساس الوحيد الذي نوقش داخل مجلس الوزراء واتُخذ قرار بالتوافق بشأنه، كان ملف تقرير المحقق الدولي ديتلف ميليس في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث جاء قرار التمديد لمهمته الى الخامس عشر من كانون الأول المقبل وإرجاء البث بمسألة محكمة التحقيق الدولية. لكن ملف المحكمة الذي سيطرح بعد عيد الميلاد سيشكل الاختبار الأقسى للحكومة ومستقبلها، خصوصاً مع الفرز الحاصل في المواقف من قبل القوى المشاركة في الحكومة رفضاً أو تأييداً للمحكمة الدولية. وقد تبلور موقف موحد لحزب الله وحركة أمل رافض للمحكمة الدولية، نظراً لخطورة استغلالها في فرض وصاية دولية على لبنان وسوريا. فيما دعت كتلة تيار المستقبل قبل يومين الحكومة الى السير في تبني محكمة دولية.‏‏

في كل الأحوال فإن الحكومة لا تزال في حال مراوحة وتخبط في الملفات الاقتصادية والسياسية، وسط استمرار الهجمة الاميركية على لبنان في المجالات كافة. ومصيرها سيتحدد بعد التقرير الثاني للمحقق الدولي ديتلف ميليس في الخامس والعشرين من كانون الأول المقبل.‏‏

هلال السلمان‏‏

2006-10-30