ارشيف من : 2005-2008
ديبل في لبنان مجدداً بعد صدور القرار 1636:تعزيز للوصاية... ومشاريع التفافية واستهداف لسوريا
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
زيارة نائبة مساعد وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية لشؤون الشرق الأدنى اليزابيت ديبل إلى لبنان التي سبق لها أن زارته قبل ثلاثة أشهر وتحديداً قبيل تشكيل حكومته الأخيرة، يوحي بمدى الاهتمام الأميركي بالمسألة اللبنانية، خصوصاً إذا ما أضيفت إليها سلسلة الزيارات السابقة للموفدين الأميركيين منذ الرابع من شباط/ فبراير الماضي، وإشارة واضحة من إدارة البيت الأبيض على نيتها تعزيز الوصاية المباشرة على لبنان، وإظهار نجاح مشروعها فيه على الرغم من اعتراض قوى أساسية مشاركة في الحكومة وخارجها.
وبدا واضحاً أن الزيارة وإن أخذت عنواناً اقتصادياً من خلال افتتاحها لمعرض "صنع في أميركا" والمشاركة في التحضيرات لمؤتمر مساعدة لبنان، إلا أنها لم تخل من المضامين السياسية المريبة، خصوصاً أنها جاءت بعد صدور القرار 1636 وبعد تقرير الموفد الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن، وتقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتوجيه الاتهامات لسوريا بالضلوع في الجريمة، ومن ثم إدانتها ومحاصرتها إقليمياً ودولياً ودفع لبنان إلى الافتراق عنها قسراً بعد التوتر بين البلدين منذ شباط/ فبراير الماضي، وما أعقبه من تغيير لصورة العلاقة بينهما.
ومن الطبيعي أن توقيت الزيارة بعد هذه الظروف يؤكد نية واشنطن المساهمة في زيادة توتير العلاقات اللبنانية ـ السورية من خلال الحضور المباشر تحت عنوان التشاور والتحضير لخطوات سياسية واقتصادية وفقاً لمنطق اللغة الديبلوماسية، بينما هو في الحقيقة تحريض وتحفيز للطرف اللبناني في الابتعاد عن سوريا خلافاً لمنطق التاريخ والجغرافيا، وتشجيعه على الارتماء في أحضان واشنطن.
وبدا واضحاً السعي الأميركي لتظهير هذه الصورة من خلال معرض "صنع في أميركا"، والحديث عن مشاركة 300 شركة فيه خلافاً لما كان عليه الأمر في السنوات السابقة، والتجاهل والتغييب المتعمد لحركة الاعتراض التي ووجه بها المعرض على بابه الرئيسي من قبل متظاهرين لبنانيين، وتأخير موعد افتتاحه وتركيز وسائل الإعلام على مشاركة خمسة وزراء من حكومة السنيورة في احتفال الافتتاح.
وفي المضمون السياسي أكدت الزيارة المسعى الأميركي لاستثمار القرار الدولي الجديد ضد سوريا من خلال البوابة اللبنانية بالتحديد لاستكمال محاصرة دمشق، لا بل لم تتورع المسؤولة الأميركية عن إطلاق التهديدات ضد سوريا من "بيروت" إذا لم تلتزم بهذا القرار!
ويشير مصدر سياسي إلى أن الإدارة الأميركية أدركت أيضاً مدى صعوبة وتعقيد الواقع اللبناني بعد أن أصيبت بـ"خيبة" أمل جراء فشلها في تنفيذ العديد من سياساتها، وأهمها تطبيق ما تبقى من بنود في القرار 1559، وسقوط رهانها على التغيير السريع بعد الاصطدام بقوى ممانعة لها تمثيلها المهم في لبنان، ما جعل هذا التغيير ناقصاً ومشوهاً، بعد تشتت تحالف قوى 14 آذار، وافتراقها عقب الانتخابات النيابية في مرحلة أولى، والملف الرئاسي في المرحلة الثانية.
وانطلاقا من هذا الواقع يتابع المصدر "إن واشنطن تسعى إلى تنفيذ مشاريع التفافية تحت عناوين إنمائية واقتصادية على غرار مؤتمر دعم لبنان الذي لا يمثل هدفاً بذاته للدول المانحة والداعمة، لا سيما واشنطن، إنما وسيلة لتحقيق أهداف سياسية عجزت عن تحقيقها بطرق مختلفة".
لكن تأجيل هذا المؤتمر الذي كان مقرراً عقده الشهر المقبل إلى العام 2006 وتصريح ديبل بأن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة كشف المستور والقطب المخفية التي دارت في نيويورك على هامش مؤتمر دعم لبنان الذي انعقد في أيلول/سبتمبر الماضي. وإذا كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة علل تأجيل المؤتمر بسبب الأوضاع غير المؤاتية في لبنان والمنطقة، وأن موعده الأول الذي كان مقرراً في العشرين من شهر كانون الأول المقبل يتزامن مع استحقاقات عدة أبرزها انتهاء مهلة لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ومناسبة أعياد الميلاد, فإن محللين رأوا أن المصلحة الأميركية هي التي فرضت التأجيل بغية استثمار هذا المؤتمر للضغط على لبنان من أجل تقديم صورة واضحة عن كيفية تنفيذه "للشروط" الإصلاحية المطلوبة منه. إذ أن هذا المؤتمر يمكن اعتباره مؤتمراً تأسيسياً لمرحلة مقبلة لم يحن بعد أوانها، لأن العديد من الملفات ما زالت عالقة، والمطلوب من السلطة في لبنان العمل على حلها, كالقرار 1559 الذي لم يطبق بالكامل بشقيه اللبناني والفلسطيني, والإصلاحات المالية والسياسية تراوح مكانها، ناهيك عن أن مفاعيل القرار 1636 لم تنجلِ بعد، ومعها نتائج التحقيقات في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وهنا ينبه المصدر السياسي من الوقوع في فخ مقايضة عناوين سياسية بأخرى اقتصادية من شأنها أن تدخل لبنان في مرحلة جديدة ربما غير مرئية للكثيرين، وهي مرحلة الضغوط وليّ الذراع التي توجع, فقول ديبل بأن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة واضح في دلالاته، وهو أسقط كل الدفوع والتبريرات والنفي الذي سيق دفاعاً عن مؤتمر نيويورك بحضور السنيورة المطالب أكثر من أي وقت مضى بتوضيح سياسته والعودة إلى البيان الوزاري.
مروان عبد الساتر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018