ارشيف من : 2005-2008
عوائل الشهداء يتحدثون عن نزع سلاح المقاومة في يوم الشهيد:لو عاد الشهداء أحياء لاستشهدوا مرة أخرى لمنع نزعه
الانتقاد / تحقيقات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
... وكأنهم كانوا معنا، تعرفت الى كل واحد منهم دون أن اراه، أو بالأحرى رأيتهم كلهم في عيون أهلهم كباراً وفرساناً. "ليسوا أمواتاً، إنهم يعيشون فينا" كما قالت زوجة أحدهم. "رفعوا رؤوسنا عالياً" أكدت والدة آخر. "بيّضوا لنا وجوهنا" قالها والد الثالث.
علي الزين، حسن سلمان، عباس خريباني ثلاثة أسماء من ضمن قافلة من 1500 اسم جمعتهم كلمة "شهيد" فأصبحت تسبق اسماءهم أينما ترددت لتعلّق نيشاناً على صدور عوائلهم، زوجات وأبناءً، آباءً وأمهات، أشقاء وشقيقات...
اليوم، في يوم "الشهيد" يتحدث والد حسن، زوجة علي، ووالدة عباس، يتذكرون الشهداء فتدمع عيونهم حيناً وينتفضون حيناً آخر، والأهم من كل هذا رسالة من قلب كل واحد منهم الى قلب الشهيد، تقول "نم قرير العين مطمئناً، فالدماء التي بذلتها لم ولن تذهب هدراً لمجرد أن حفنة من الناس تريد أن تسلبك سلاحك، سلاحك الذي تركته لإخوانك ليكملوا المسيرة من بعدك".
في 23 أيار/ مايو 2000 استشهد المجاهد علي الزين خلال التحرير، وترك أربعة أولاد وزوجة، تعيش اليوم على أمل اللقاء... فعلي لم يمت، والشهداء لا يموتون، "اعتبرت نفسي منذ لحظة الاستشهاد أني أعيش مع انسان مسافر" هكذا تأقلمت سناء حمود مع فكرة استشهاد زوجها، وهكذا جعلت أولادها يتأقلمون. تضيف "لم أشعر يوماً أن هذا الانسان الكبير بطيبته وأخلاقه، المحب، الحنون، ميت"، ربما "إن عامل الشهادة هو منبع شعوري هذا، فالتوفيق الذي يسددنا به الله، وما أصل اليه في علاقتي مع الأولاد، كل هذه الأمور تجعلني أشعر بوجوده بيننا، إنها بركة الشهيد التي هي أكبر من أن يعبر عنها الانسان".
وإذ تفخر بكون زوجها شهيداً، إلا أن زوجة الشهيد علي الزين لا تدعي القوة في تقبلها هذا الواقع، "كنت كلما أسمع نعي شهيد أقول ان شاء الله "ما يكون عندو عيلة وولاد"، وكان الشهيد يحاول دوماً أن يعرفنا قيمة هؤلاء الشهداء". "لم أكن أتمنى يوماً أن أفقد زوجي فلقد كنت أفكر بما سيحدث لنا بعده، ولكن لشدة شوقه للشهادة كنت أدعو الله أن يقضي شهيداً إذا حدث وحانت ساعة الأجل".
ماذا عن الأولاد؟ صبي في الحادية عشرة من عمره، وثلاثة توائم في السابعة من عمرهم.
تقول سناء حمود "إن من يجلس مع التوائم لا يكاد يعرف أنهم لم يعيشوا يوماً في حضن والدهم، إنهم يتحدثون عنه دائماً ويقولون "بابا شايفنا بس نحنا ما قادرين نشوفو". أما الفتى الذي ترى فيه سناء امتداداً لزوجها، فهو قليل الكلام عن والده واستشهاده إلا أن رسالة يتيمة كتبها في أحد الأيام عبرت عن مدى شوقه اليه وطبعاً لم ينس ان يقول لوالده "سأصبح كابتن".
كابتن؟ نعم هكذا كان يناديه أبوه.
ماذا عن نزع سلاح المقاومة؟ سناء حمود تؤكد "انها معنية سواء اكانت زوجة شهيد او لم تكن" ولكنها تتابع "انا افكر لو كان زوجي حياً ما كانت ستكون ردة فعله على دعوات من ليس لديهم لا عقيدة ولا ايمان" فتنتفض لتقول "ما يطالبون به ليس حقاً، انهم يسلبوننا شيئاً معششاً في كياننا".
الشهيد حسن سلمان الذي استشهد خلال عدوان نيسان 1996، هو اليوم في ذاكرة والده "بطلاً رفع رأسه عالياً وبيض له وجهه". "لدى خروج حسن من المنزل بدا وكأنه ذاهب الى مهرجان"، يقول والده مصطفى سلمان الذي لا يمكن له سوى ان يفتقد ولده، دون ان يمنعه ذلك من ان يعقد نذراً "بأن لا يموت احد من اولاده على الفراش وانما في ساحة الجهاد".
ومن يرى هذا الوالد لا يستغرب ولو للحظة ان يكون اولاده ابطالاً، فهو رهن اشارة المقاومة ويتحول الى "كبسة زر" في سبيل هذا النهج، وهو لاجل ذلك لا يساوم على سلاح المقاومة، فهو "عزتنا وكرامتنا وشرفنا..." يقول مصطفى سلمان ليؤكد اننا "نتخلى عن روحنا ولا نتخلى عن السلاح الذي يشكل حماية للبنان وللجنوب من عدو لا امان له".
"يلي بياكل عصي مش متل يلي بيعدها"، هكذا وصف والد الشهيد حسن سلمان الدعوات التي تدعو الى نزع السلاح، قائلاً "نحنا يلي دفعنا دم وبدنا ندفع دم من اجل حماية المقاومة وسلاحها" ويجب ان يؤخذ كلامنا بعين الاعتبار.
واذا كانت الحاجة وفاء مكي رضيت بأمر الله تعالى حين استشهد ابنها عباس خريباني لانها مؤمنة بالقضية التي استشهد من اجلها، فهي لن ترضى بأن يذهب دمه هدراً من خلال الحديث عن نزع سلاح المقاومة.
ماذا كان ليفعل عباس لو كان حياً؟
تجيب والدته بكل تلقائية وعفوية "بدو يرجع يستشهد من اول وجديد طبعاً"، ولكن اقول لعباس "الله يرضى عليك يا عباس، ونحنا منعتز فيك، وطمن بالك وما تحمل هم انو عم ينحكى عن نزع سلاح المقاومة، كلنا صغير وكبير رح يقاوم على نفس الخط".
الشهيد عباس خريباني الذي كان عمره 20 عاماً لدى استشهاده في 27 ايلول 1999 اثناء تمشيط المنطقة في بيت ياحون عقب عملية تنفيذ حكم الاعدام بالعميل اللحدي فوزي الصغير، تحدثت عنه والدته الحاجة وفاء مكي، فتى كشافاً يشارك في النشاطات المختلفة، وشاباً يحمل قضيته بندقية لا تغادر يديه. عباس الذي اختار لنفسه زاوية صغيرة في هذه الدنيا، والذي قرر أن يترك العمل ليلتحق بصفوف مجاهدي المقاومة لا يفارق مخيلة والدته التي وضعت صورته في سلسلة عقدتها حول عنقها لتكون الصورة بالقرب من قلبها تحنو عليها وتبثها اشواقاً لا تنتهي.
"اشتقتِ له"؟ سألتها فأجابت "يا ليتني أستطيع ضمه هكذا إلى صدري" قالتها وضمت ذراعيها الى بعضهما البعض وكأنها تحضن ولدها، ثم "كرجت" دمعة على خدها بقيت حبيسة عينها منذ بداية اللقاء.
ميساء شديد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018