ارشيف من : 2005-2008

دمشق: استنفار لمواجهة التسييس والاندفاع الأميركي لاستغلاله

دمشق: استنفار لمواجهة التسييس والاندفاع الأميركي لاستغلاله

احتقان رسمي وشعبي بعد صدور التقرير‏

دمشق: استنفار لمواجهة التسييس والاندفاع الأميركي لاستغلاله‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005‏

خورشيد دلي ـ دمشق‏

فور صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ساد جو من الغضب والاحتقان الشارع السوري على المستويين الرسمي والشعبي، لاعتقاد هذا الشارع بأن التقرير جاء مسيساً أولاً, ولإحساسه بأن سوريا أصبحت مستهدفة بشكل مباشر من قبل الإدارة الأميركية، لا بسبب التحقيق في قضية اغتيال الحريري، لكن لوجود أجندة أميركية مسبقة تجاه سوريا والمنطقة بشكل عام.‏

وفي معرض ردود هذا الشارع حتى الآن يمكن التوقف عند ما يلي:‏

1 ـ تظاهرتان ضخمتان في العاصمة دمشق ومدينة حلب, شارك فيهما مئات الآلاف من مختلف شرائح الشعب السوري، من المؤسسات الرسمية والأحزاب والفعاليات الدينية والاقتصادية والجمعيات الأهلية وطلبة الجامعات والمدارس.‏

2 ـ الاحتجاجات والمسيرات التي قامت بها الأوساط القانونية من قضاة ومحامين, وقد أصدرت هذه الأوساط بياناً أكدت فيه عدم قانونية تقرير ميليس من الناحية القضائية، وسلمت مذكرة مفصلة بهذا الخصوص إلى مكتب الأمم المتحدة في دمشق.‏

3 – تخصيص مجلس الوزراء السوري جلسته الأسبوعية لبحث تقرير ميليس وكيفية التعاطي معه.‏

4 ـ تشكيل مجلس الشعب السوري لجنة خاصة لدراسة تقرير ميليس، انتهت إلى إصدار بيان يؤكد أن التقرير فضلاً عن أنه غير قانوني، فإنه جاء في سياق مسلسل الضغوط الأميركية المتواصلة في إطار المخططات الأميركية الإسرائيلية الهادفة إلى السيطرة على المنطقة.‏

5 ـ تنظيم الفعاليات الاقتصادية السوريا اعتصاماً شاركت فيه الأوساط النسائية أمام مقر الأمم المتحدة في دمشق، سلموا خلاله رسالة احتجاجية على ما جاء في تقرير ميليس إلى ممثل الأمم المتحدة.‏

6 ـ الفعاليات الاحتجاجية المشتركة التي قام بها رجال الدين الإسلامي والمسيحي وتسليم هذه الفعاليات رسائل احتجاجية إلى كل من ممثل الأمم المتحدة في دمشق والسفيرين الفرنسي والبابوي.‏

7 ـ فيما يشبه مبادرة دبلوماسية، قام الرئيس السوري بشار الأسد بتوجيه رسائل إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي قبل اجتماع المجلس، أكد فيها حرص سوريا على التعاون مع كل جهد دولي يفضي إلى الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الحريري، مذكراً في الوقت نفسه بمهمة الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم، ومحذراً من استغلال تقرير ميليس لأهداف سياسية لا تخدم الاستقرار والسلام.‏

8 ـ وبموازاة هذه الردود كان الفريق السوري ـ مجموعة من الخبراء الأمنيين والقانونيين والسياسيين ـ الذي تشكل منذ فترة بهدف متابعة تقرير ميليس، كان يجتمع بشكل متواصل ويتابع مجريات الأمور والمواقف والمستجدات، ويحاول وضع العناوين والخطوط العريضة لكيفية التعامل مع التقرير ومستجدات المواقف السياسية.‏

9 ـ خروج الإعلام السوري المرئي والمسموع والمكتوب من حال الحذر في التعاطي مع ملف قضية اغتيال الحريري إلى التعامل المفتوح وبإسهاب مع هذا الملف، إلى درجة ان التلفزيون ألغى أو أجل العديد من المسلسلات والبرامج التي كانت مقررة في شهر رمضان، وخصص بثه لندوات وحوارات وتغطية مباشرة لكل ما يتعلق بمستجدات هذا الملف.‏

10 ـ اتخاذ الحكومة السوريا إجراءات اقتصادية مباشرة على صعيد النقد، وتحديداً فيما يتعلق بتوفير القطع الأجنبي (الدولار) وضخه في السوق كي لا يتعرض الاقتصاد والليرة السوريا لتداعيات خطيرة من شأنها خلق أزمة اقتصادية في البلاد، قد تكون لها تداعياتها السلبية على المستويات كافة.‏

في الواقع يمكن القول ان هذه الردود وغيرها وضعت الشارع السوري الرسمي والشعبي في حال من التعبئة والاستنفار، وكذلك الانشداد نحو مجلس الأمن الدولي وكل ما سيصدر عنه من مواقف وقرارات بخصوص تقرير ميليس والاتهامات الموجهة إلى سوريا. وفي الوقت نفسه كان الشارع السوري ينظر إلى كيفية تعامل قيادته مع مستجدات ومجريات التحقيق، خاصة بعد ان قال ميليس في مجلس الأمن إن التحقيق بحاجة إلى استكمال وإلى الاستماع والتحقيق مع بعض المسؤولين والمواطنين السوريين.. وكذلك ما جاء في مشروع القرار الأميركي الفرنسي البريطاني الذي أكد إضافة إلى هذا الموضوع، مسألة الاستماع إلى المشتبهين بهم من السوريين في الخارج. وبغض النظر عن هذا الانشداد الذي خلق ما يمكن وصفه بجبهة وطنية شعبية موحدة داخلياً في مواجهة ضغوط الخارج، فإن هذه الردود لم تكن لولا عاملان أو بعدان أساسيان.‏

أولاً: التسيس الحاصل في تقرير ميليس الذي احتوى على كم غير قليل من التناقضات والثغرات القانونية مقابل تسويق اتهامات عن تورط سوري من دون أدلة أو حقائق.‏

ثانياً: الاندفاع الأميركي لاستغلال هذا التقرير كمحطة لتصعيد جديد ضد سوريا، ليس من أجل كشف حقيقة من اغتال الحريري، بل للنيل من سوريا ولبنان والمنطقة بشكل عام، وذلك في إطار الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة و"إسرائيل" ومخططاتهما لإعادة ترتيب المنطقة والسيطرة عليها بشكل كامل, إذ لا يرى السوريون في توجه الإدارة الأميركية إلى الربط بين التحقيق في قضية اغتيال الحريري والطلب من سوريا انتهاج سياسة جديدة تجاه العراق ما تحت الاحتلال، وكذلك بخصوص الملف الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي ككل، سوى استراتيجية لها أهداف محددة مسبقة تجاه سوريا.‏

في العموم يمكن القول إن الردود السابقة التي يمكن ان تتطور إذا ما تصاعد الضغط الأميركي على سوريا، لا يمكن فهمها إلا بالقول انه إحساس عميق بأن سوريا بعد العراق باتت مستهدفة أميركياً.‏

2006-10-30