ارشيف من : 2005-2008

مرحلة ما بعد التقرير تشبه مرحلة ما قبل صدوره:عناوين خلافية تؤجج السجالات الداخلية

مرحلة ما بعد التقرير تشبه مرحلة ما قبل صدوره:عناوين خلافية تؤجج السجالات الداخلية

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005‏

حبس اللبنانيون أنفاسهم طوال الفترة التي استغرقها إجراء التحقيق من قبل لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري على أمل أن يكون الحادي والعشرون من تشرين الأول من العام ألفين وخمسة الموعد المنتظر لإماطة اللثام عن الحقيقة، غير أن التوقعات جاءت أقل من المنتظر، وتبين أن الطريق أمام الكشف عن الحقيقة ما زال طويلاً، وهو ما أقر به معد التقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس، مع ما يعنيه ذلك من إبقاء لحال التجاذب السياسي قائماً إذا لم نقل تفاقم هذا التجاذب في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع الربط غير الموضوعي بين بعض الملفات ونتائج التقرير، وانقسام اللبنانيين حيالها كما هو حاصل إزاء فتح الملف الرئاسي ومسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها، ومسألة العلاقات اللبنانية السورية والتداخل بين القرارين الدوليين 1559 و1595.‏

وبدا واضحاً أنه على الرغم من توق اللبنانيين لمعرفة الحقيقة، وتوحدهم حول المطالبة بها، إلا أن هذا التوق كان مشبعاً بالقلق خصوصاً مع انتشار حزمة من الشائعات والتسريبات عشية صدور التقرير أوحت بإمكانية حدوث تداعيات أمنية وصلت إلى حد الحديث عن حظر للتجوال وإقفال للمؤسسات التربوية والاقتصادية يوم الجمعة، وهو ما استدعى إصدار مواقف تطمينية من قبل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وقائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة وتكذيب الإشاعات. وميدانياً على الأرض اتخذت القوى الأمنية المختلفة إجراءات أمنية مشددة خففت من حدة القلق وترجمت سكوناً وهدوءاً شعبياً مع تواتر مضمون التقرير عبر الفضائيات المحلية والعالمية ليل ونهار الجمعة حيث أمضى اللبنانيون يومهم في متابعة مضامين التقرير والتحليلات حوله، فيما كانت معظم القوى السياسية عاكفة على دراسة التقرير ووضعه تحت مشرحة التحليل والتمحيص والتدقيق في الأدلة والبراهين والخلفيات والاستنتاجات قبل اتخاذ الموقف الملائم منه ومن بعض الملفات التي ربطت قسراً بنتائج التحقيق.‏

كما سجلت حركة اتصالات بين القوى السياسية الأساسية للتشاور ومنع حدوث أي تداعيات قد تهدد الاستقرار الأمني والسياسي، وخصوصاً أن صدور التقرير تزامن مع تحريك ملفات السلاح الفلسطيني في المخيمات وفي خارجه حيث اندفع فجأة إلى الواجهة الإعلامية، وجاء التقرير ليزج بباسم الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بشكل اعتباطي بما يمكن تأويله في جميع الاتجاهات ومنها امكانية ربط الجبهة بجريمة الاغتيال بطريقة ما من الطرق، ثم اندفع الحديث عن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لمنع التهريب عبر الحدود وتدفق "الأجانب" و"السلاح" إلى المخيمات أو إلى بعض المواقع خارجها، وبدء حملة "الانقضاض" على موقع الرئاسة بحجة أن عليها تحمل مسؤولياتها سياسياً ومعنوياً نتيجة تورط الفريق الأمني المقرب من رئيس الجمهورية.‏

وفي هذا السياق بدأ المراقبون يتطلعون إلى المرحلة المقبلة أي إلى المرحلة البرزخية بين التقرير الصادر في 21/10/2005 وانتهاء مهلة تمديد عمل اللجنة الدولية في 15/12/2005 وما يمكن أن تشهده من تجاذبات محتملة في ضوء المواقف المعلنة للقوى السياسية الأساسية من التقرير عقب تسليمه للأمين العام لأمم المتحدة كوفي أنان، وانقسام اللبنانيين بين من يعتبر التقرير حقيقة مطلقة يتمسك بما ورد فيه، وبين فريق آخر يعتبره غير كاف لإظهار الحقيقة، وأن هناك حاجة لإجراء المزيد من التحقيقات باعتراف التقرير نفسه، ورفض الحملة الدولية لفرض عقوبات على سوريا.‏

وإذ توقف المتابعون عند إصرار البعض على تلقف "الحقيقة" ورفضهم مناقشة بعض المعطيات واعتبار ذلك تشكيكاً يصب في مصلحة المجرمين، وهو ما يدفع لتوقع احتدام التجاذب السياسي في المرحلة المقبلة حول مضمون التقرير واصطدام هذا الفريق مع العديد من القوى السياسية التي تختلف في نظرتها التقومية للتقرير والمعطيات التي أوردها، والتي ليست ثابتة وبحاجة إلى مزيد من الإثباتات والأدلة الدامغة التي يبدو أن التقرير يفتقر اليها.‏

ويضيف هؤلاء المتابعون أن التقرير في هذه الحالة عمم الحالة الرمادية والضبابية على مجمل الملفات المطروحة والمتحركة، كما أن من شأنه أن يكون عامل عدم استقرار كونه شكل أرضية خصبة لإثارة الشكوك والهواجس بين بعض الأطراف السياسية على الساحة اللبنانية أولاً، وبين لبنان وسوريا ثانياً، ولبنان والفلسطينيين ثالثاً.‏

وهكذا بعدما كان يؤمل أن يكون التقرير سبباً لتثبيت الاستقرار إذا كانت الحقيقة دامغة، ولكنه مع الغموض الذي اكتنفه سيصبح عاملاً للااستقرار، وهو ما أشار إليه بشكل غير مباشر أكثر من جهة سياسية على الساحة اللبنانية إذا اعتبر رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون أن التقرير رمادي، واعتبر البطريرك الماروني بطرس صفير أن الحقيقة غير منجزة، وحزب الله وحركة أمل اعتبرا أنه لم يقدم الحقيقة المنتظرة.‏

وتشير بعض المعلومات إلى أن بعض الملفات جرى الدفع بها إلى الواجهة بناءً على معلومات سابقة سربت تقول بتورط بعض الجهات أو المواقع أو شخصيات معينة فجرى تحريك ملفات مرتبطة بها لأن التقرير من شأنه أن يقدم الظروف السياسية الملائمة للانقضاض على من يفترض أنهم في موقع الشبهة بينما ما زالت قرينة البراءة قائمة بقوة، ومن شأن تحريك مثل هذه الملفات أن يعزز حالة الفرز والانقسام الحاصل.‏

وسجل المتابعون حالة من الإندفاع إلى حرق المراحل عبر المطالبة بمحكمة دولية على الرغم من أن التقرير الحالي ليس نهائياً، وهو من وجهة نظر قانونية لا يصلح لتقديم المشتبه بهم إلى المحاكمة، فضلاً عن أن هذه الخطوة يفترض أن تلي التقرير المنتظر في 15 كانون الأول المقبل إذا ما استكملت التحقيقات على أكمل وجه، وظهرت الأدلة المادية الحسية الدامغة التي تقطع الشك باليقين، وتزيل الحالة الرمادية وتحدد المجرمين بشكل واضح لا لبس فيه، ولا تجعل الناس في حال بلبلة بحيث لا يعرف من المجرم أو البريء حسب تعبير البطريرك صفير.‏

ويأخذ بعض المتابعين على التحرك للمطالبة بالمحاكمة الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري الذهاب مباشرة إلى الخارج قبل الاتفاق على هذا الموضوع داخلياً، ومن دون بذل أي جهد باتجاه الداخل أو مع الحلفاء لاقناعهم بهذه الخطوة ودراسة جدواها وتطابقها مع المصلحة اللبنانية، وكيفية تجنب المخاطر التي تكتنفها في حال جرى اعتمادها، إضافة إلى أن هذا الموضوع يبدو أنه موضع خلاف في الرأي، وهو بحاجة إلى توافق داخلي عليه من قبل القوى الأساسية وإقراره في مجلس الوزراء.‏

وتوقع المتابعون أن تنشط محاولات إعادة فتح المعركة الرئاسية، وأن تكون من العناوين المهمة للتجاذب والسجالات السياسية والإعلامية، مشيرة إلى مبادرة بعض الكتل النيابية فور صدور التقرير إلى مناشدة رئيس الجمهورية‏

تحمل مسؤولياته السياسية والمعنوية والإقدام على خطوة تحفظ موقع الرئاسة، وترافقت هذه المناشدة مع حملة من كل المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية بداعي الحرص على موقع الرئاسة، وبدأ الحديث عن المواصفات واجتماعات رباعية وثنائية للتوافق على شخص الرئيس. وفي المقابل أكد الرئيس لحود أنه مصر على تحمل مسؤولياته حتى آخر لحظة من ولايته الدستورية، ما يعني أن عناصر التجاذب ما زالت قائمة، وأن هذا الملف يمكن أن يتحرك في المرحلة المقبلة وفق بورصة المواقف المعلنة من قبل القوى السياسية المعنية التي بدأت التحضير لاستكمال ما تسميه التغيير، بينما تقف قوى أخرى بمواجهتها لتحديد شروط هذا التغيير، والبعض الاخر لمواجهة الخلفيات الحقيقية له.‏

سعد حميه‏

2006-10-30